كتبت مارلين خليفة في “السفير”: لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم التاسع والستين على التوالي.
ولبنان اليوم بلا احتفال رسمي بالعيد التاسع والستين للجيش، ولا رئيس جمهورية يسلّم السيوف الى الضباط المتخرجين، كما جرت العادة سنوياً، بل مصافحة و«أمر يوم» من قائد الجيش العماد جان قهوجي يرسم فيه خريطة طريق المؤسسة العسكرية ومهماتها للمرحلة المقبلة.
أبعد من الرئاسة المفقودة، فإن «سلوك الموارنة اللبنانيين غير المسؤول سيطيح مسيحيي لبنان والمنطقة». كلام لا يتفوّه به المسؤولون الفاتيكانيّون علانيّة، لكنّ صداه يتردّد في آذان الشخصيّات المارونية التي تزور الفاتيكان دوريّاً.
بين همّي غزّة والموصل، وكلاهما «مأساة متساوية» من وجهة نظر الفاتيكان، يجد المسؤولون عن السياسة الخارجيّة لدى الكرسي الرسولي متّسعاً من الوقت للتفكير بالاستحقاق الرئاسي اللبناني.
ينبثق هذا الاهتمام من الدّور الإقليمي للبنان الذي يمثّل بنظر عاصمة الكثلكة في العالم مركز الثّقل المسيحي في المنطقة، وهذا ما يرتّب عليه لعب دور محوريّ في حماية مسيحيي لبنان والشرق برمّته والدّفاع عن وجودهم، وهو دور «لا يقوم به المسؤولون السياسيون الموارنة جميعهم بلا استثناء»، بحسب أوساط وثيقة الصّلة بالدّوائر الخارجية الفاتيكانية.
«تشتّت الموارنة، والمسيحيين، وتوزّعهم بين تطرّفين سنّي وشيعي، سيفقدهم دورهم في لبنان والمنطقة»، كما تقول الأوساط نفسها نقلاً عن الدوائر الفاتيكانية.
والملاحظ أنّ المسؤولين في الدّولة الأصغر في العالم، لكن الأشدّ تأثيراً نظراً الى علاقاتها الدّولية المتشعبة، قد طفح كيلهم من سلوك موارنة لبنان «الذين لا يرون الأمور بوضوح»، بحسب وصفهم.
ينظر الفاتيكان الى كلّ الامتيازات التي ما يزال الموارنة والمسيحيون يتمتعون بها ويعجب لحالهم. «لا يزال هؤلاء يمسكون بمفاصل رئيسية في لبنان، أبرزها: رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، لكنّ الهوس بالسّلطة وكيدهم المنبثق من منافساتهم الخاصة جعلهم يفقدون عقولهم!».
يبلغ الغضب لدى المسؤولين الفاتيكانيين حدّ استخدام تعبيرات قاسية بحقّ السياسيين الموارنة: «إنهم لا يتحمّلون مسؤوليتهم ولا يقبلون النّصح، وبالتالي لا مبادرة للفاتيكان في الاستحقاق الرئاسي اللبناني لأنّ زعماء الموارنة السياسيين يرفضون الإصغاء».
لا تقلّل الأدوار الإقليمية المؤثّرة من مسؤولية الموارنة بنظر الفاتيكان، وتحديداً الدورين السعودي والإيراني. فالفاتيكان ليس راضياً عن الاستقطاب الحادّ للمسيحيين اللبنانيين من قبل تكتّلين طائفيين يتصارعان في المنطقة، ويعتبر أنّ المسيحيين «ينبغي أن يلعبوا دور جسر الحوار بين الطرفين، لا أن ينجرفوا في خلافات السنّة والشيعة وينسوا أنفسهم ومصالح شعبهم ووطنهم، وبالتالي يسيئون إلى دورهم في المنطقة فيؤذون أيضاً المسيحيين المشرقيين».
سؤال رئيس يتردّد على ألسنة المسؤولين الفاتيكانيين: «ما هي الحاجة الى المسيحيين إن كانوا يخدمون مشاريع سواهم ولا يخدمون مصلحة أوطانهم؟». ويردّدون أنّ صوت الفاتيكان «قد بُحّ منذ انتهاء الحرب الأهلية وهو يوضح دور المسيحيين وواجباتهم في المنطقة».
لا يقبل الفاتيكان الحديث عن مشاريع إقليمية أكبر من موارنة لبنان. ويتساءل المسؤولون فيه: «لِمَاذا يكون الموارنة «عبيداً» لمشاريع إقليمية لدولة من دون أخرى؟ إن لم يكن لديهم دورهم الخاص كجسر حوار وعنصر تقريب في وجهات النّظر بين الأطراف اللبنانيين، وإن عجزوا عن الاستمرار بتسيير عمل المؤسسات، فليرحلوا أفضل!».
برأي هؤلاء أن «المسؤولية تقع على الزعماء الموارنة جميعاً من دون استثناء، والخطر الذي يسببه هؤلاء لا ينحصر بمسيحيي لبنان، بل يطال مسيحيي المنطقة برمّتها. ليس الخطر متأتياً من عدم انتخاب رئيس، بل بسبب الممارسة المارونية المستمرّة وغير المسؤولة على أكثر من مستوى، وبسبب التحيّز الأعمى لمحاور تعمل لأجندات بعيدة تماماً عن الأجندة المحليّة».
أما الحلّ فواضح جدّاً في ذهن الفاتيكان الذي رفض منذ بدء السباق الرئاسي اللبناني استقبال أيّة شخصية مارونية في روما، كي لا يستغلّ أحد الأمر على غير منحاه، الحلّ يكمن في «الاتفاق المسيحي على رئيس يكون مقبولاً من جميع اللبنانيين بلا استثناء، وليس ضرورياً أنّ تكون لدى الرئيس كتلة برلمانيّة، بل أن يكون قادراً على التفاهم مع جميع النواب المسيحيين والمسلمين على حدّ سواء».