Site icon IMLebanon

حذار من الرهان على ارتفاع مريح لأسعار الفائدة

FinancialTimes

جون بلندر

مع وجود ديون في الدول المتقدمة على مستويات أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة المالية، فإن أحد التهديدات الأكثر إثارة للقلق حول الاستقرار المالي، هو الارتفاع الحاد غير المتوقع في أسعار الفائدة العالمية.

ذلك ما يجعل النقاش حول ما يشكل سعر الفائدة “العادي” أمراً مهماً تماماً للوقت الحاضر بشكل مؤلم. الحكمة التقليدية تقول إن التوازن أو المعدلات الطبيعية للفائدة انخفضت منذ بداية الأزمة، وربما بشكل دائم. إذا كان ذلك صحيحاً، فإن معنى ذلك أن هناك ما يدعو للقلق عندما تبدأ البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة، ولكن هل يعتبر هذا صحيحاً؟

انظر أولا إلى أسعار الفائدة الرسمية، والتي كانت مستقرة لقرون بشكل ملحوظ، حيث بلغ سعر الإقراض للبنوك في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، متوسطاً في حدود 5 في المائة منذ أن خرج بنك إنجلترا إلى حيز الوجود عام 1694.

وباعتراف الجميع، من الصعب أن تجادل مع الرأي السائد على نطاق واسع بأن أسعار الفائدة ستقترب ولو من بعيد من معدل 5 في المائة خلال فترة قصيرة، بالنظر إلى أن الانتعاش الاقتصادي العالمي ضعيف وغير متوازن، في حين أن التضخم في العالم المتقدم يعتبر تحت السيطرة. مع ذلك، حين تستنتج أن أسعار الفائدة الرسمية أصبحت أقل بشكل دائم، فإن هذا يتطلب أدلة مقنعة من التغييرات الهيكلية التي تشير إلى انخفاض النمو أو يقتضي تحولاً أساسياً في الادخار والسلوك الاستثماري.

هذا ليس مستحيلاً. إذ يمكن لتغيير التركيبة السكانية أن يؤدي إلى تباطؤ النمو في قوة العمل. والتحول من التصنيع إلى الخدمات يمكن أن يؤدي إلى انخفاض دائم في مستوى الاستثمار، كما يمكن حدوث انخفاض في معدل الابتكار.

هذه مناطق يسودها التكهن، وقد تكون هناك عوامل مخففة ومعاكسة على قدم المساواة. ومن الأمثلة على ذلك قد تكون شيخوخة السكان التي تؤدي إلى انخفاض مستويات الادخار.أقرب ما يمكنني العثور عليه إلى حالة معقولة للتحيز نحو انخفاض شبه دائم لأسعار الفائدة، يعتبر فكرة كابوسية تأتي من الاقتصاديين في بنك التسويات الدولية، فهم يجادلون منذ فترة طويلة بأن صنع السياسة النقدية في كل من الولايات المتحدة وغيرها، كانت تفتقر إلى التناظر بشكل خطير، فقد فشلت البنوك المركزية في الميل ضد موجات الازدهار، بينما تتراجع بقوة خلال عمليات الانهيار.

حلقات مفرغة

لقد أدى ذلك إلى وجود تحيز نحو الانخفاض في أسعار الفائدة وعادة تراكم الديون المتصاعدة. ونتج عن ذلك حلقات مفرغة، لأنه يصبح من الصعب رفع الأسعار دون الإضرار بالنمو الاقتصادي. في الوقت نفسه، منعت التشوهات في الإنتاج والسلوك الاستثماري الناجم عن استمرار معدلات الانخفاض العودة إلى مزيد من مستويات أسعار الفائدة الطبيعية. ومن ثم تصبح معدلات الأسعار ذاتية التعزيز.

دعوت هذه ظاهرة شبه دائمة، برويّة. بشكل واضح، فإن من الضروري، إذا أردنا للاقتصاد أن يعمل بصورة سليمة، ألا نسمح لهذا الوضع أن يصبح وضعاً دائماً. نحن لا نزال في عالم ما بعد الأزمة حيث تصحيح التحيز هو ببساطة ليس على جدول الأعمال. الخطر الواضح جداً هو أن يعاني الاقتصاد بشكل دائم من أزمات لا تنتهي.

أما بالنسبة لأسعار الفائدة التي تحددها السوق، القصة الحالية هي تلك القصة حول فائض المدخرات، لا سيما في العالم النامي، في الاقتصادات النفطية وفي منطقة اليورو.

ما يهم هنا هو احتمال التغيرات في الادخار والسلوك الاستثماري، قبل كل شيء في الولايات المتحدة والصين، التي تعتبر اقتصاداتها مترابطة إلى درجة غير عادية. في هذا المجال، أيضاً، يوجد افتقار خطير إلى التناظر.

وكما أشار ستيفن روتش، الرئيس السابق لبنك مورجان ستانلي آسيا، فإن المسؤولين الصينيين يعتبرون أن الانتعاش الاقتصادي المالي والنقدي لديهم لعام 2008-2009، وكأنه تحفيز يحدث مرة واحدة ويحاولون معالجة الرفع المالي المفرط، ومصرفية الظل، وتضخم سوق العقارات.

وفي حين أن الاقتصاد قد تباطأ، إلا أنهم لم يقوموا بالعودة إلى التحفيز في سعيهم إلى إعادة التوازن إلى الاقتصاد، بعيداً عن الاستثمار والصادرات ونحو الاستهلاك.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، في المقابل، فإنها تعود إلى الادخار المنخفض، ونموذج النمو القائم على الإفراط في الاستهلاك، الذي كان سائداً قبل عام 2008.

الأمريكيون الذين يفتقرون إلى الادخار

النتيجة، وفقاً لروتش، ستكون إعادة التوازن غير المتناظرة. وفي حين أن الولايات المتحدة تسير على ما كانت عليه من قبل، إلا أن الصين سوف تعيد توجيه الادخار الفائض لدعم مواطنيها، وسوف يتبقى لديها مبالغ أقل لدعم الأمريكيين الذين يفتقرون إلى الادخار. سيأتي تدفق رأس المال من الصين إلى الولايات المتحدة على نحو متزايد من القطاع الخاص، وليس عن طريق الاحتياطيات الرسمية المستثمرة في سندات الخزانة الأمريكية. هذا يعني أن الأمريكيين خصوصا حكومة الولايات المتحدة سوف تجد صعوبة في اجتذاب المدخرات الأجنبية. وهذا يشير إلى ارتفاع أسعار الفائدة. بطبيعة الحال ربما بكين تفقد أعصابها في مواجهة النمو الاقتصادي الذي يعتبر أقل بكثير، وتتراجع عن التحرير المالي والالتزام بتحرير الحساب الجاري، ولكن كان لديها بالفعل الكثير من الأعذار لفعل ذلك وبقيت صامدة بشكل قوي حتى الآن. يمكن أن تكون الولايات المتحدة المثقلة بالديون والمملكة المتحدة في سبيلهما إلى التعرض لارتفاع في أسعار الفائدة، أقل راحة مما تسمح به الحكمة التقليدية.

بالتأكيد إن النظرة إلى أسعار الفائدة التي تفترض أن الأمر مختلف هذه المرة، يجب أن تكون مصحوبة بتحذير صحي مستنير من الناحية التاريخية.