Site icon IMLebanon

لا حياة لمن تنادي بلا مياه

Liwa2
ماجد منيمنة
تعد المياه عنصر الحياة بالنسبة للفرد والمجتمع، إذ ازدادت أهميتها في نهاية القرن العشرين على جميع المستويات المحلية والعربية والإقليمية والعالمية. خاصة بعد تزايد الطلب على المياه نتيجة لزيادة السكان من جهة وتزايد الطلب على مياه الري وإستخداماته المختلفة في الصناعة والإستهلاك المنزلي من جهة أخرى.
و تشير الدراسات الصادرة عن قمة الأرض في ريودي جانيرو ومؤتمر دبلن حول المياه والبيئة بعض المبادئ العامة كمرتكزات للسياسات المائية بشكل خاص, إلى أن نصيب الفرد العربي من الموارد المائية قد انخفض من2200 م3 في عام 1970 إلى 1100م3 في عام 1996 أي بنسبة 50%إلى أن وصل إلى 875 م3 في عام 2013. أما تطور نصيب الفرد المستقبلي فسيكون بحدود 500 م3 عام 2025. وهذه الأرقام تشير إلى انخفاض عرض المياه في الوطن العربي الذي يتميز بأن الجزء الأكبر من مصادر المياه فيه تأتي من داخل أراضيه الحدودية.
ونتيجةً لإنخفاض عرض المياه ومحدوديته وزيادة الطلب عليه، فقد ظهر إختلال في التوازن بين الموارد المائية المتجددة والمتاحة والطلب عليها والذي تظهر عجزا في الميزان المائي أو ما يسمى بالفجوة المائية وبالتالي فإن هذا سيؤدي إلى ما يسمى بالأزمة المائية الكبرى. وفي حال تأمين أمن غذائي كامل للوطن العربي وزيادة حجم السكان وتنمية الموارد المائية المتجددة المتاحة إلى أقصى طاقة والبالغة 340 مليار م3، فإن الميزان المائي العربي سيختل ويدخل في دائرة العجز المائي ليصل في عام 2015 إلى 62 مليار م3 وفي عام 2020 إلى 153 مليار م3.
لذلك ظهرت الحاجة من قبل الدول العربية إلى إتباع سياسة مائية لمواجهة ومعالجةالأزمة المائية من خلال وضع أسس وضوابط توزيع واستخدام المياه بصورة معقولة ورشيدة حيث تعرف السياسة المائية: بأنها الإطار الذي تتم من خلاله إدارة الموارد المائية واستنباط مجموعة القواعد التي تنظم هذا العمل المحمود.
و لذلك تعتبر المياه عصب الحياة بالنسبة لدولة اسرائيل، فقبل نشوئها وقادة الحركة الصهيونيه كان شغلهم الشاغل موضوع السيطرة على مصادر المياه، والبعض من الباحثين يقول أن موضوع المياه العربيه احتل حيزا كبيرا في العهد التوراتي القديم، إذ وردت كلمة الماء في التوراه أكثر من مائتي مرة، واحتل موضوع المياه حيزا كبيرا في تفكير قادة إسرائيل والباحثين فيها فقد قدم رئيس جامعة تل أبيب «حاييم بنشاهار» إقتراحا في ندوة عن التعاون الإقتصادي لدول الشرق الأوسط المنعقد في لوزان عام 1989 يقضي أن تقوم مصر بمنح إسرائيل حصة في نهر النيل، كما جاء في إتفاقية كامب دايفيد مد خط مياه من النيل إلى حيفا، بإسم خط السلام.وبعد قيام دولة جنوب السودان وقعت إسرائيل إتفاقية مع حكومة جنوب السودان تقضي بإنشاء شركة تحلية للمياه على منابع نهر النيل في إراضي دولة جنوب السودان وحتما خلقت هذه الإتفاقيه إشكاليات كبيره لحصة مصر من نهر النيل والتي وقعت تحت رحمة دول خارجية كإسرائيل، في إطار هذه الإتفاقيه التي لا تعمل للصالح العربي.
فقد وضعت وزارة خارجية إسرائيل مشروعا يقضي بالسيطرة على جنوب لبنان لتصل إسرائيل بموجبه إلى نهر الليطاني والوزاني. أما من الجهة الأردنية فقد كشفت وزارة الخارجية البريطانية عن وثيقة لمؤسس دولة إسرائيل «دايفيد بن غوريون» يقول فيها: «من أجل قدرة الدولة اليهودية على البقاء لا بد أن تكون مياه الأردن والليطاني مشمولة في حدود إسرائيل». لذلك فإن ما تقدم يكشف عن الحيز الإستراتيجي لموضوع المياه في الإستراتيجية الصهيونيه، عند مختلف الحكومات الإسرائيليه.
وبالنسبة لسياسة إسرائيل المائية في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد سعت إسرائيل إلى وضع اليد على مصادر المياه قبل البدء بنهب الأراضي ومصادرتها، كما قامت إسرائيل بتدمير 140 مضخة مياة مركبة على نهر الأردن وصادرت 162 مشروع مياه وقلصت عدد آبار المياه في منطقة الأغوار من 774 الى 328 مما أدى أولا إلى عدم إستغلال 60 ألف كم2 من الأراضي الزراعية من جهة، وثانيا قامت إسرائيل بزراعة200 ألف كم2 بالألغام، ثم بدأت بنهب سنويا 900 مليون م3 من مياه نهر الأردن والبحر الميت، مما أدى إلى تقليص المساحة المائيه للبحر الميت وازدياد المناطق الطينية، مع ازدياد جفاف نهر الأردن بسبب تعرضه لنهب سنوي مقداره 650 مليون م3، مما دعى إسرائيل لتقديم مشروع قناة البحار لتزويد البحر الميت ونهر الأردن بما مقداره 2000 مليون م3 من المياه لتعويض النقص الهائل الذى تعرض له البحر الميت ونهر الأردن، من قبل الشركات الإسرائيليه.
وتنعكس السياسة الإسرائيلية على المواطن العربي بشكل سلبي بفعل سيطرة إسرائيل التامة على مصادر المياه من جهة، وإصدارها أوامر عسكرية تقيد بموجبها التصرف العربي في الشأن المائي، ويعود لها فقط هذا الأمر. ومن المعلوم أن الضفة الغربية يسقط عليها ما يقارب 700 مليون م3 من الماء سنويا تنهب إسرائيل منه 450 مليون م3 عن طريق تدفق مياه الضفة الغربيه عبر سلسلة جبال الضفة الغربيه من سفوحها الغربيه إلى الأحواض المائية في الساحل، إذ قال خبير المياه «توماس تافت» من جامعة فيلادلفيا في تقرير له أن إسرائيل تسرق 60% من مواردها المائية من الأراضي العربية.
وقد عمدت إسرائيل على إقامة المستوطنات في المناطق ذات الوفرة المائية بالقرب من الأحواض المائية، ففي الأغوار قامت إسرائيل غير الذى ذكرناه سابقا بحفر آبار بعمق يزيد عن ال 600 متر في حين أن الآبار العربية لا يزيد عمقها عن 100 متر مما ساهم بتدفق المياه الى الآبار الأكثر عمقا، وزيادة نسبة الملوحة في الآبار العربية الأقل عمقا والتي لا تصلح للزراعة، وبذلك انخفضت نسبة زراعة الأراضي المروية في منطقة الأغوار وبلغت حصة الفرد الفلسطيني ما يقرب 73 لتر في حين أن حصة الفرد الإسرائيلي هي 242 لتر فيما يستهلك المستوطن في الضفة الغربية 800 لتر ماء اي 12 ضعفا ما يستهلكه المواطن الفلسطيني.ومما يزيد الطين بلة هو جدار الفصل العنصري الذي ضم 30 بئر مياه ودمر 100 بئر من ضمن آلاف كيلومترات مربعة من الأراضي الزراعية المصادرة خاصة في المناطق الشمالية التى تقع عليها الأحواض المائية الوافرة. 
إن هذه السياسات العبثية لعبت دورا في الحد من النمو الإقتصادي والإجتماعي العربي، وساهمت في زيادة حجم ونسب الأرضي القاحلة والجرداء، وبلا شك أن الينابيع المائية التي تتدفق منها كميات هائلة من الماء العذب جفت بسبب احتباس المياه مما يساهم في تعميق أزمة الزراعة من جهة، وتعميق أزمةإستهلاك مياه الشرب من جهة أخرى، وكل هذا بسبب التقييدات الإسرائيليه، وبيعنا لمائنا من كيسنا وبما لا يكفي حاجتنااليومية.
إن أزمة المياه هذا العام ستتفاقم بشكل واضح، وقد تتسبب في نشوء أزمة في العلاقات بين دول المنطقة من جهة، إذ يقع الإنسان العربي تحت رحمة السياسة المائية الإسرائيلية، التي اعتمدت سياسة التميز بين المستهلكين المنزليين والمزارعين اليهود والفلسطينيين، خاصة مع زيادة الطلب عليها، وستحد أكثر فأكثر من حجم الأراضي المروية التى تعتمد على الطاقة المائية المطلوبة.ولهذا جاء موضوع المياه في اتفاق أوسلو كموضوع مؤجل للحل النهائي بسبب اعتماد إسرائيل على مياه الضفة الغربيه.إن إسرائيل لن توافق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة لسبب واضح وصريح هو أن موافقة إسرائيل على إقامة هذه الدولة الفلسطينية المستقله تعني حرمانها من 450مليون متر مكعب تنحدر من أراضي الضفة الغربيه إلى أحواض الساحل، وحرمانها من مياه نهر الأردن والبحرالميت، وحرمانها من مياه الأحواض التى أقامت عليهاالمستوطنات، وحرمانها من آبار المياه التي أخذها جدار الفصل العنصري، ولذلك يشكل موضوع المياه أحد أهم عوامل فشل المفاوضات الفلسطينية– الإسرائيلية، التى تعمل إسرائيل على تثبيت واقع حرمان الشعب العربي من حقوقه المائية.
ولذلك فإنه مطلوب وضع سياسات مائية عربية تهدف الى تحقيق ما يلي :
1- المحافظة على الحقوق السيادية الوطنية لموارد المياه القومية والمياه المشتركة مع الدول الأخرى وطبقاً لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة.
2- تطوير وتثبيت السياسات والتشريعات المائية الإقليمية والعربية.
3- الإستغلال الأمثل للموارد المائية لتحقيق التنمية المستدامة وفق مبدأ الميزة النسبية بهدف تحقيق الأمن المائي والغذائي على الصعيد الإقليمي وعلى صعيد الوطن العربي.
4- تطوير إستثمار مصادر المياه الجوفية والإستغلال الأمثل لها في الزراعة والحفاظ على المياه الجوفية من التلوث والإستنزاف.