عدنان الحاج
لم تغب تحذيرات صندوق النقد الدولي الأخيرة عن موضوع تردي المالية العامة، وعودة النمو الكبير للدين العام على حساب تراجع النمو الاقتصادي الذي يلامس الواحد في المئة، بينما زاد الدين العام خلال العام 2013 مقارنة مع 2012 حوالي 10 في المئة وبين العام 2014 والعام 2013 حوالي 9.4 في المئة.
كذلك لم تغب التحذيرات من موضوع انعكاسات «سلسلة الرتب والرواتب» من دون البحث عن إيرادات حقيقية ومتنوعة، والتأكيد على زيادة الضريبة على القيمة المضافة وعلى كل السلع، من دون التمييز بين الضروريات والكماليات عن هذه التحذيرات لصعوبة الفرز بين الضروري والكمالي. ربما والسؤال هنا مشروع هل جاءت المواقف الأخيرة للمسؤولين في الدولة من تأخير إقرار «السلسلة» والسعي إلى تقليصها، متأثرة بهذا الموقف الأخير لصندوق النقد؟
نقطة أساسية في وضع المالية العامة يفترض التوقف عندها وهي ان الإيرادات المحققة لم تكن يوماً بالحجم المقدر في الموازنات العامة نتيجة التردي في احتساب النتائج الاقتصادية المتردية أصلاً بسبب الظروف الأمنية والسياسية وعدم الاستقرار الذي يغزو المنطقة ويهدد الوضع في لبنان ما انعكس غياباً في الاستثمار وتكبير الاقتصاد. أما النفقات فقد كانت دائماً أكبر من المقدر في الموازنات العامة على مدار السنوات الماضية وربما اللاحقة.
ملاحظات جدية وليست جديدة
تضمن تقرير صندوق النقد الدولي الأخير ملاحظات جدية وليست جديدة، حول الوضعين المالي والنقدي وحتى الاقتصادي في لبنان حيث ركز على ثلاثة عناوين كانت ولا تزال تشغل بال المتابعين للوضعين المالي والاقتصادي في القطاعين العام والخاص في لبنان.
يشير التقرير إلى سلامة الوضع النقدي وضرورة تقليص مساهمات مصرف لبنان بزيادة تمويله الدولة، والعمل على زيادة الفوائد على الليرة القصيرة الأجل لتشجيع المصارف على التمويل، محذراً من نمو مساهمات مصرف لبنان في حساب الدولة الجاري المكشوف بحوالي 6.6 مليارات دولار حتى نيسان 2014.
يشيد التقرير بحجم نمو احتياطي مصرف لبنان بالعملات الذي وصل إلى أعلى مستويات له ما يعزز سياسة الاستقرار النقدي. كما يشيد بنشاط القطاع المصرفي الذي ما زال يشهد استقطاب الودائع على الرغم من الظروف الصعبة، داعياً إلى المزيد من التنبه والتشدد في مراقبة مكافحة تبييض الأموال.
يدعو التقرير بصورة مباشرة المصارف إلى زيادة أموالها الخاصة في إطار معالجة الديون المشكوك بتحصيلها والتي تحتاج إلى اعادة احتساب كونها لا تعبر عن دقة الأمور في حال عدم احتساب الحسابات الجارية التي لا تدخل في هذا البند.
3 عناوين لمخاطر أساسية وأعباء كبيرة
يركز التقرير الذي تضمن تشريحاً للوضع الخاص بالمالية العامة وأداء القطاع المصرفي ومصرف لبنان، على عناوين ثلاثة:
– العنوان الأول يتعلق بموازنة الدولة للعام 2014 حيث اعتبر الصندوق أن اقرار الموازنة العامة يعطي صورة جيدة عن الاستقرار في ضبط السياسة المالية مع التأكيد على العودة إلى الفائض الأولي في الموازنة العامة التي تعاني من عجز أولي (أي عجز من دون كلفة الدين العامة). مع الإشارة إلى أن الموازنة العامة تعاني من عجز أولي منذ أكثر من سنتين بعد فوائض خلال السنوات السابقة. ويحذر التقرير في هذا الجانب، من نمو العجز في الموازنة، وبالتالي استمرار نمو الدين العام بشكل كبير، مشيراً إلى أن الدين العام سيعود ليشكل حوالي 150 في المئة من الناتج المحلي بعدما انخفض إلى حوالي 140 في المئة في السنوات القليلة الماضية.
– العنوان الثاني الذي يركز عليه التقرير يتعلق بموضوع النمو الكبير في عجوز الكهرباء الذي يأكل القسم الأكبر من عجز الموازنة العامة، ويؤكد على ضرورة معالجة موضوع الكهرباء وكلفتها على المالية العامة والخزينة. إشارة هنا إلى أن عجز كهرباء لبنان السنوي يصل حاليا إلى حوالي 3100 مليار ليرة، ومع ذلك يستمر التقنين والخسارة في هذه المؤسسة التي تأكل القسم الأكبر من عجز الموازنة العامة. ويحاول التقرير الإشارة إلى ضرورة تعديل التعرفة ومكافحة مكامن الهدر التي تصل في بعض المناطق إلى حوالي 50 و55 في المئة. ويبدو أن موضوع الكهرباء وتعديل التعرفة كان موضع نقاش مع بعثة صندوق النقد في الفترات السابقة، وهو أمر يتكرر مع كل تقرير سنوي مع غياب المعالجات على الصعيد الرسمي.
– العنوان الثالث المهم الذي يتناوله التقرير يتعلق بموضوع النزوح السوري، حيث يشير إلى أن لبنان لا يستطيع وحده تحمل أعباء النزوح، وبالتالي على الدول والمؤسسات الدولية أن تساعد لبنان نتيجة الكلفة العالية التي يتحملها، وأن على السلطة اللبنانية أن تطالب المجتمع الدولي بالمساعدات كي يستطيع الحد من الأعباء والكلفة الاجتماعية والخدماتية.
لم يغفل التقرير القضية الاجتماعية وانعكاسات عدم سلامة الوضع المالي على التقديمات والخدمات، داعياً لاعتماد سياسة متوسطة على الصعيد المالي لمواجهة نمو العجز وتنويع الإيرادات، مشيراً إلى انعكاسات موضوع «سلسلة الرتب والرواتب»، ومؤكداً على موضوع تعديل الضريبة على القيمة المضافة والتركيز على موضوع الضرائب على الكماليات والضروريات على اعتبار أنه من الصعب التمييز بين السلع بمعنى أن تكون النسب المفروضة على القيمة تتناول كل المواد الخاضعة من دون تمييز.
التسليفات والديون المشكوك بتحصيلها
مع نهاية العام الماضي وانتهاء النصف الأول من السنة الحالية، برزت مظاهر تزايد عجز المؤسسات عن تسديد المستحقات والديون، وسجلت هذه الظاهرة معدلات نمو محدودة ومتفاوتة، ما ينذر بعودة تزايد الديون المشكوك بتحصيلها والتي بلغت حتى نهاية نيسان الماضي حوالي 5500 مليار ليرة، أي ما يوازي حوالي 3.7 مليارات دولار يقابلها ضمانات بحوالي 1.7 مليار دولار. هذا على الرغم من المعالجات التي اتبعها مصرف لبنان مع المصارف والتسويات، وهو رقم كان يفترض أن يكون أقل من ذلك، نتيجة تسويات كبيرة جرت خلال السنوات الماضية. علماً أن التسليفات المصرفية للقطاعات الاقتصادية بلغت خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة حوالي 1595 مليون دولار بنمو قدره حوالي 3.4 في المئة لتتخطى حوالي 47 مليار دولار.
ربما كان هذا النمو في الديون المشكوك بتحصيلها، وطريقة احتساب هذه الديون أحد الأسباب الذي دفع صندوق النقد إلى إعارة هذا الأمر الأهمية، مطالبا بإعادة النظر بطريقة احتساب هذه الديون مع التركيز على تعزيز الأموال الخاصة للمصارف، على الرغم من تأكيد سلامة الأداء في القطاع المصرفي، وعلى الرغم من الضمانات المرتفعة التي تتخذها المصارف لقاء الديون التجارية والاقتصادية للقطاع الخاص.
بورصة بيروت خلال 7 أشهر
أظهرت نتائج بورصة بيروت خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2014 تحسنا ملحوظا مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، على الرغم من تراجع نشاط البورصة خلال شهر تموز من العام الحالي مقارنة مع تموز 2013 بحوالي 17 في المئة.
فقد بلغت تداولات البورصة حتى نهاية تموز ما مجموعه حوالي 33 مليوناً و458 ألفاً و614 سهماً مقابل حوالي 28 مليون سهم للفترة ذاتها من السنة الماضية أي بزيادة نسبتها حوالي 19.46 في المئة. أما من حيث القيمة فقد بلغت قيمة التداولات ما مجموعه حوالي 247 مليون دولار مقابل حوالي 184.7 مليون دولار للفترة ذاتها من السنة الماضية، أي بزيادة نسبتها حوالي 33.7 في المئة. وهذه الزيادة سُجلت حتى النصف الأول، وهي فاقت نسبة 43 في المئة قبل تراجع تداولات الشهر الأخير.
بالنسبة للقيمة السوقية للسهم فقد بلغت في نهاية تموز حوالي 10 مليارات و938 مليون دولار مقارنة مع حوالي 10 مليارات و561 مليون دولار للفترة ذاتها من العام الماضي، أي بزيادة حوالي 400 مليون دولار ناجمة عن تحسن أسعار بعض الأسهم لاسيما سهم «سوليدير» بفئتيه بنسبة 8.6 في المئة للسهم «أ» وحوالي 10.7 في المئة للسهم «ب». يضاف تحسن في أسعار بعض الأسهم المصرفية لاسيما سهم «بلوم» وشهادات الإيداع على ذلك ادراج بعض الأسهم الجديدة أو استبدال أسهم.