IMLebanon

عرسال ترفع منسوب القلق في السوق

Akhbar

محمد وهبة

بعد أكثر من ثلاث سنوات من الأحداث الأمنية المتتالية والمتنقلة بين المناطق، انفجرت في عرسال. ورغم كونه حدثاً مرتقباً، إلا أن ظروف اندلاع الاشتباكات بين الجيش اللبناني والمجموعات المسلحة انعكست سريعاً في السوق، ليس فقط على الصعيد النقدي بل أيضاً على صعيد توقعات أصحاب المؤسسات في مختلف القطاعات. فما يحصل يأتي فوق التراكمات الماضية، وهو يزيد انكشاف الاقتصاد اللبناني أمام الأزمة الإقليمية، ويجعل من احتمالات انتقالها إلى لبنان في الحسبان.

تقلل المصادر المصرفية من أهمية ردود الفعل المباشرة والآنية على أحداث عرسال في سوق القطع. تقول إن الطلب على الدولار أمس الاثنين لم يكن يتجاوز السقف الذي اعتادته السوق في الآونة الأخيرة على وقع الأحداث المقلقة. إلا أن أحداث عرسال جعلت هذه المصادر تتحسر على أيام التكيّف أو التعايش مع الأزمات الداخلية والانقسامات السياسية التي كان يمكن مواجهتها. «اليوم، هناك أزمات إقليمية أنتجت مخاطر وجودية»، تقول المصادر، وبالتالي تعتبر أن قياس أثرها ليس متاحاً في ضوء الاحتمالات الخطيرة التي يمكن أن تنزلق إليها البلاد.

تأتي الأحداث الحالية بعدما شاعت أنباء في السوق عن رغبة دولية في الحفاظ على الاستقرار في لبنان وتركه متنفّساً للجميع. كان يفترض أن لا تنفجر الأوضاع على هذا النحو، لكن ما حصل هو أن الأزمة الإقليمية كانت أكثر ثقلاً على المستويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية. هذه الرؤية أصبحت هي الرؤية السائدة في السوق بعد أحداث عرسال التي بثّت القلق في أوساط اللاعبين وأفرغت الخوف بين أصحاب المؤسسات. بالنسبة إلى هؤلاء، «أصبحت هذه التنظيمات المتشدّدة في عقر دارنا، والاشتباكات لم تعد في سوريا أو في العراق فقط» وفق تعبير أحد المصرفيين. ويضيف إن «ردّة فعل السوق على ما حصل في عرسال خلال اليومين الماضيين وما يمكن أن يحصل خلال الأيام المقبلة باتت واضحة: كل الآمال المعقودة على الإنفاق في المدى القصير والمتوسط لا يعوّل عليها كثيراً. وبالتالي، فإن نتائج الأشهر الأخيرة من هذه السنة ستكون محكومة بما يحصل في عرسال وما يليها، لكن على أغلب الظنّ إن التسليفات ستتراجع في هذه الفترة والاستثمارات ستتوقف أيضاً». رغم ذلك، يضيف المصرفي، لم يسجّل أي طلب إضافي كبير على الدولار، بل زادت هوامش الطلب ضمن السقف الأعلى ولم يجر أي تداول كبير بين المصارف نفسها، أي في مسار الأنتربنك.
هذه النظرة تعكس حقيقة أن التعايش مع الأزمات أو التكيّف معها لم يعد خياراً بين مجموعة خيارات سياسية ــ اقتصادية، «فما يجري الآن في عرسال ينعكس سلباً، ولكن لم نعرف بعد إلى أي مدى» يقول رئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر جان عبود. أي مغترب من البقاع أو من الشمال أو من جبل لبنان سيزور لبنان في هذه الحالة؟
الأمر أكثر وضوحاً لدى رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس. «فالأيام المقبلة قاتمة، وننظر بكثير من الحذر والترقب والقلق. هذه الأحداث الأمنية المتفاقمة جعلت من حمم البركان السوري في عقر دارنا». ويشير شماس إلى أن القطاع التجاري هو أول ضحية لما يحصل لأنه «في بوز المدفع»، ولأن «المطلوب من هذا القطاع أن يصمد، فيما هو منهك وقد استنفد احتياطه الاستراتيجي على مدى الأيام الماضية». ويؤكد أن فترة عيد الفطر كان تمثّل ثقلاً يوازي 5% من مبيعات التجار السنوية، لكنها هذه المرّة لم تصل إلى 2%. هذا تراجع جدّي في المبيعات وفي المخزون. كان لدينا تصور بأن شهر آب سيحمل بعض التعويضات ويردّ بعض الحيوية للنشاط الاستهلاكي، لكن بعد أحداث عرسال عن أي حركة نتحدث؟».
واللافت أن أحداث عرسال تزامنت مع الكثير من الشائعات عن بؤر توتر محتملة في العديد من المناطق اللبنانية. الشائعات وحدها قادرة على بث القلق في السوق. هل هذا يعني أن قدرة المؤسسات على التكيف مع الأزمة أصبحت ضعيفة؟ يجيب شماس: «لو أن هذه الأزمة عارضة لكنا أشرنا إلى التكيّف معها، لكن سبقتها أزمات وتراكمت على مدى السنوات الماضية. في آخر 3 أشهر، لننظر إلى ما يحدث في المنطقة؛ الحرب مستمرة في سوريا، وانتقلت إلى العراق، واشتعلت في فلسطين. أما داخلياً، فالأوضاع الأمنية غير مستقرّة ووتيرة اللكمات التي نتلقاها تسارعت وأصبحت أكثير إيلاماً».
وفي السياق نفسه، يشير رئيس جمعية مستوردي المواد الغذائية عادل أبي شاكر إلى أن الطلب الاستهلاكي أصبح مقتصراً على المواد الضرورية، وذلك رغم وجود أكثر من مليون مستهلك إضافي في لبنان. «نحن نتشدّد حالياً في موضوع الدين لأن الأوضاع الأمنية تمثّل حجّة لبعض المؤسسات التي تحاول أن تتهرّب من الدفع». ويلفت أبي شاكر إلى أن الآمال على الموسم الصيفي ذهبت مع الريح بعد الأحداث المتراكمة وضعف حركة المغتربين، فلم يأت من الـ 350 ألف مغترب الذين اعتادوا زيارة لبنان سنوياً سوى القليل.