IMLebanon

«مباريات» السياسة لا تشبه «مباريات» الاقتصاد

BadEconomy

محمد كركوتي

لا تزال المؤشرات الإيجابية غائبة، فيما يتعلق بتعزيز وجود المرأة بين القيادات، وفي مراكز صنع القرار، بما في ذلك (بالطبع) مجالس الإدارة والهيئات التنفيذية العليا. في بعض الحالات يتساوى مستوى الغبن في هذا المجال بين دولة متقدمة جدا، وأخرى متخلفة جدا، بينما تستمر التحركات من الهيئات الداعية إلى التحركات في جميع البلدان. وقد نجحت هذه الهيئات بالفعل في تحقيق إنجازات لافتة، سواء عن طريق فرض “كوتا”، أو من خلال دفع السلطات التشريعية لإبقاء القضية مثارة، أملا في تحقيق جزء من الأهداف. وتعمل الجهات الضاغطة بصدق وحماس كبيرين، إلا أنها تواجه في بعض المواقع مقاومة مختلفة المستويات. بعضها عنيف، والآخر أقل عنفا. وتتعرض أيضا إلى التعطيل المنهجي، خصوصا عندما يكون أمر إيقافها صعبا، ولا يتناسب مع الحالة العامة على الساحة.

وجود قيادات سياسية نسائية في بعض البلدان الكبرى، لا يعطي مؤشرا إيجابيا على صعيد الوجود النسائي بين القيادات. فالمعايير السياسية لا تشبه المعايير الاقتصادية، ولا سيما عندما يكون على الساحة اقتصاد السوق، لا اقتصادا حكوميا مغلقا جامدا. وحتى مارجريت ثاتشر التي لقبت بـ “المرأة الحديدية”، جاءت إلى الحكم كحل وسط بين كبار قادة حزبها الرجال، وكذلك الأمر في الهند مع أنديرا غاندي. بل إن أنجيلا ميركل المستشارة الحالية لألمانيا، تحكم بصيغة الائتلاف السياسي. ولثاتشر تصريح تاريخي قبل عام فقط من وصولها الحكم. ماذا قالت؟ “لا أعتقد أني سأشهد امرأة في رئاسة الوزراء في حياتي”. كانت تقصد، أن الوقت لم يحن بعد لمثل هذه الخطوة، وربما حان بعد عدة أجيال أخرى! “المباريات” في ملاعب السياسة، لا تتشابه مع “المباريات” في ملاعب “البزنس”.

ولأن الأمر كذلك، ما زالت نسبة النساء اللواتي يشغلن مواقع قيادية ضمن مؤسساتهن منخفضة في جميع أنحاء العالم. هي ترتفع هنا وتنقص هناك، لكنها تبقى منخفضة في النطاق الإجمالي. ولا يزال التلاعب في هذا المجال حاضرا في غالبية المؤسسات بقلب الدول الراشدة، التي حققت تقدما كبيرا على صعيد التشريعات ذات الصلة. هناك دائما ثغرات يمكن التسرب من خلالها، لكن المشكلة أن هذه الثغرات باتت مكشوفة للعيان منذ سنوات. وطبقا لبحث أصدرته أخيرا “هارفرد بزنس ريفيو” الأمريكية، فإن نسبة تمثيل النساء في مجالس الإدارة تتراوح بين 1 و2 في المائة في اليابان، و17 في المائة في الولايات المتحدة، بينما هي أعلى بكثير في دولة مثل النرويج “في حدود 40 في المائة”. وتصل المناصب القيادية للمرأة في باكستان إلى 3 في المائة، وتبلغ 38 في المائة في أوكرانيا.

وللقضية جوانب ثقافية أيضا، ولا تتعلق فقط ببعض المفاهيم الاقتصادية المادية التقليدية الصرفة، بأن الرجل يكون عادة أكثر إنتاجا من المرأة في معترك العمل. ويرى البحث المذكور، أن التفاوت بين الدول مرتبط جزئيا بالاختلافات في درجات التشدد الثقافي ما بين الأمم، وتحديدا مدى وضوح المعايير ضمن ثقافة معينة، ودرجة استعداد السلطات لتطبيق تلك المعايير عبر استعمال العقوبات. ومن هنا نرى، أن القوانين الخاصة في تعديل مستوى تمثيل المرأة في القيادات، بما في ذلك “الكوتا” تطبق بحزم في دول، وبتراخ في دول أخرى، خصوصا عندما يكون العقاب دون مستوى التجاوز. بل إن بعض المؤسسات في العديد من البلدان، تحتال على مثل هذه القوانين، بالتعيين الصوري للنساء في مواقع القيادة. فهي بذلك، تحصل على الشكل المطلوب، ولكن لا علاقة له بالمضمون!

البلدان التي تنتشر فيها الثقافات الأكثر تشددا، تضم عددا أقل من النساء اللواتي يشغلن مناصب تشريعية أو تنفيذية أو إدارية أو قيادية. وهذا أمر طبيعي. ولكن اللافت هنا يثير الاهتمام حقا. فقد ثبت أن هذه البلدان تكون أكثر جدارة وجودة في تنفيذ قوانين المساواة في العمل، إذا ما فرضت هذه القوانين بالفعل، مقارنة بغيرها من البلدان التي تنتشر فيها الثقافات الأقل تشددا. فالنرويج الذي يعتبر بلدا متشددا نسبيا، وضع قوانين بلغت حد حل الشركات والمؤسسات المدرجة في البورصة، إذا ما انخفض تمثيل المرأة في قياداتها عن 40 في المائة. والأمر ليس كذلك في بلد كالولايات المتحدة التي تعتبر متساهلة في هذا الأمر. ولا شك أن العقاب القاسي، يوفر أفضل حالة تنفيذية للقانون المربوط به. ونظام الحصص “الكوتا”، يمكن أن تشكل خطوة كبيرة ومهمة على صعيد المساواة في قيادة المؤسسات في دول متشددة، ولكنها لن تكون مجدية بما يكفي في بلدان أقل تشددا.

ستظل هذه المسألة مطروحة على الساحة في جميع بلدان العالم. وستأخذ وقتا طويلا لكي تحقق انفراجات ذات قيمة من حيث المضمون لا الشكل. ولا شك في أن القوانين الصارمة تبقى الصيغة المثلي أو المتاحة، خصوصا أن القوانين “أي قوانين” ليست محركا فوريا