اعتبر رئيس جمعية تجار بيروت ممثل الهيئات الاقتصادية في لجنة المؤشر نقولا شماس أنه لا ينبغي فتح ملف الاجور الآن في خضم المآسي التي يمر بها لبنان، فهو مزنّر بالنزاعات بدءاً من العراق مروراً بسوريا وصولاً الى فلسطين، عدا عن ان حمم البركان السوري باتت تلهب بعض المناطق اللبنانية، وتربك الساحة الداخلية.
وقال شماس لـ«الجمهورية»: الى جانب الشغور الرئاسي الذي شل الحركة المؤسساتية، تبرز التحديات الاقتصادية المزمنة. ومنذ تصحيح الاجور الذي حصل في العام 2012 لم يستوعب الاقتصاد حتى اليوم صدمة هذا التصحيح. وللتذكير، وباعتراف الاتحاد العمالي العام، فإن الحد الادنى للاجور رفع بنسبة 110 في المئة، كما ان متوسط الاجور رفع بنسبة 55 في المئة.
والسؤال المطروح اليوم ما كان تأثير هذه الزيادة على الانتاجية مثلاً؟ فهل ان الانتاجية ارتفعت كما كان متوقعاً؟ ام ان الارتدادات كانت سلبية بدءاً بزيادة نسب البطالة والهجرة مروراً بتقويض مالية المؤسسات وصولا الى تسونامي سلسلة الرتب والرواتب التي لم يتم التوصل حتى تاريخه الى ايجاد علاج شاف له.
وأبدى شماس خشيته من ان الاتحاد العمالي العام يتحرك في اطار التنافس النقابي مع هيئة التنسيق النقابية. واعتبر ان هيئة التنسيق والاتحاد العمالي العام دخلا في حلقة مفرغة وادخلا معهما البلاد والاقتصاد، في حين يبدو انهما يزايدان على بعضهما من أجل تسجيل هدف انما من حيث لا يدريان سيسجلان هدفين في مرميهما، لأن الاقتصاد الوطني سيتعرض لانعكاسات وخيمة بسبب العناد النقابي سواء في القطاع العام او في القطاع الخاص.
وأخذ شماس على الاتحاد العمالي العام انه يتحدث عن 38% كنسبة غلاء معيشة، لافتاً الى أن رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن يشوّش بهذه الطريقة الحوار الاقتصادي بأرقام مغلوطة.
وشرح ان هذه النسبة تنطبق على السلة الاستهلاكية منذ نهاية العام 2007، في حين وبعلم الجميع، ان تصحيحاً اساسياً للاجور حصل في شباط 2012 وبالتالي الجزء الاكبر من الارتفاع المفترض في غلاء المعيشة قد تم تصحيحه في ذاك الوقت.
وما تبقى من نسبة ارتفاع في الاسعار، إما يعود الى ما يسمّى التضخّم المستورد نتيجة ارتفاع سعر صرف اليورو في السنوات المنصرمة، الى جانب النزوح السوري الذي رفع الاستهلاك على بعض السلع الاستهلاكية الاساسية، وإما يعود الى تصحيح كيفية احتساب بند الإيجارات في السلة الاستهلاكية كما تحتسبها ادارة الاحصاء المركزي.
أضاف: ان ادارة الاحصاء المركزي طوّرت كيفية احتساب مؤشر غلاء المعيشة بمؤازرة من صندوق النقد الدولي. وتالياً علينا الانتظار قليلاً كي تدخل هذه المقاربة الجديدة حيز التنفيذ قبل الاستعجال خصوصاً ان ما أُعيد النظر به تم حول أبواب رئيسية من الانفاق، منها على الشق المدرسي، وموضوع النقل والاجور بما فيها شق التملك وشق الايجار. وضمن شق الايجارات يدخل طريقتي احتساب، واحدة طبقاً للقانون القديم وأخرى طبقاً لقانون الإيجارات الحديث. وشدّد شماس على ضرورة انتظار نتائج هذا التعديل الجوهري قبل التحرك.
النمو والاجور
في اطار آخر، أشار شماس الى ان النمو غائب عن ربوع لبنان منذ اكثر من سنتين لأن المحركين الاساسيين وهما الاستهلاك والاستثمار معطلين. الاستثمار معطل بسبب غياب الموازنة العامة منذ ما يقارب الـ9 سنوات، والاستثمار الخاص معطّل لأن المؤسسات لم تعد تستثمر في ظل اللاستقرار الامني وغياب اليقين في الرؤية المستقبلية.
اما الاستهلاك فحدث ولا حرج اذ ان كل تراجع في الاستهلاك بنسبة 1 في المئة يؤدي الى تراجع بنسبة 0.8 في المئة في النشاط الاقتصادي العام. انطلاقاً من هذه المعطيات تساءل شماس كيف السبيل الى زيادة الرواتب في هذا الجو الاقتصادي المكفهر؟
اضاف: ان ادارة الاحصاء المركزي بالذات اضاءت على تراجع النمو الاقتصادي من خلال تبيان نسبة تضخم سلبية في عدد من الاشهر المنصرمة. هذا التضخم السلبي يعتبر غير مسبوق في لبنان، ويشير الى انخفاض الطلب على السلع والخدمات الاستهلاكية. ومن ناحية اخرى يأكل التضخم المتراكم منذ عام 2012 الى تاريخ اليوم.
وراً على سؤال، أكد شماس ان لا مشكلة رواتب وأجور في لبنان انما المعضلة الرئيسية اليوم هي في عدم النمو الاقتصادي، داعياً الى تضافر كل الجهود من أجل استعادة هذا النمو. المطلوب اليوم رفع يد المسؤولين عن الاقتصاد، تحت شعار دعوا الاقتصاد وشأنه، محذراً من توتير علاقات العمل بين فريقي الانتاج. وشدد على أن ملف الاجور تحركه الوقائع الاقتصادية لا الاملاءات السياسية.
كثافة لقاءات «العمل»
واستغرب شماس حمى اللقاءات في وزارة العمل. ففي غضون اسبوع واحد، سيعقد اجتماع المؤشر اليوم، تليه خلوة الضمان الاجتماعي في 8 و 9 الجاري اي نهاية الاسبوع، يليه اجتماع لجنة الحوار المستدام في 12 الجاري.
واعتبر شماس ان خلوة الضمان الاجتماعي مهمة ومفيدة وكهيئات اقتصادية سنشارك فيها بنشاط. اما الحوار المستدام فلقاءاته غير مفيدة وغير مضرة لأنه يساعد في امتصاص الشكاوى المتبادلة من قبل الاجراء واصحاب العمل. اما اجتماع لجنة المؤشر فهو قد يكون مضراً بالوتيرة التي قد يلتئم فيها.
هذا الاجتماع هو الثالث في غضون اربعة اشهر وسلبيته انه يؤدي الى توقعات عند العمال في غير مكانها وغير زمانها. ورأى ان عقد اجتماعات لتحريك الاقتصاد الوطني واعادة النمو يومياً يعتبر قليلاً، في حين ان اجتماع لجنة المؤشر كل ثلاثة اشهر كثير.
ورأى شماس ان المطلوب اليوم تقطيع المرحلة بأقل ضرر ممكن وعدم المجازفة والاخلال بالتوازنات المالية الهشة القائمة، بانتظار ان يستقر الوضع الامني وينتظم المشهد المؤسساتي ويعود النمو الاقتصادي المستدام وتاليا، تضخ الروح في شرايين القطاعات الانتاجية. وهذا ما قد يستغرق سنوات طويلة، لذا لا مسوغ على المستوى الاقتصادي لتصحيح الاجور قبل سنوات ».