كتب اسكندر خشاشو
الوضع سيّىء جداً ولكنني بخير… بعد ما صار شي علينا”. كانت هذه آخر كلمات المقدم الشهيد داني حرب قبل ان ينقطع اتصاله بزوجته اليانور زيدان صباح الاحد الفائت عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً، ولم يعاود الاتصال كل فترة وجيزة كما عوّدها (ولو لبضع ثوان)، منذ بدء المعركة في عرسال ظهر السبت.
انشغل بال العائلة والزوجة، انهالت الاتصالات.الهاتف يرن لكن ما من مجيب، حتى انطفأ او اطفئ الهاتف عند الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، وشخصت عيون الزوجة على الهاتف تنتظر اشارة ليُخبرها داني كما دائماً انه اجتاز المحنة وتفوّق، وصدّ الهجوم وهو في طريقه الى المنزل ليكملَ سهرته مع ريان ورواد اللذين يتابعان عبر شاشات التلفزيون بطولات عناصر الجيش في مواجهة الارهابيين في عرسال، ووالدهما من بينهم.
لم يأتِ الاتصال كما توقعت اليانور، انما كانت الفاجعة، داني شهيداً، قاتل حتى الرمق الاخير دفاعاً عن مركزه على تلة الـ83 في عرسال، قبل ان يخسره ويخسر حياته.
رفض الهرب
في باحة كنيسة قلب يسوع في بدارو، حيث شيّع المقدم الشهيد تدور همسات بين المشاركين، حول ظروف المعركة، وماذا جرى وكيف وصلت الامور الى استشهاد داني ورفيق سلاحه المقدم الشهيد نور الدين الجمل.
ويروي أحد ابناء قرية زوجته عميق في البقاع الغربي: “اخبره زمليه المقدم الشهيد الجمل، انه تم فتح ثغرة بعد هجوم مباغت وسريع من اعداد كبيرة من الارهابيين على الثكنة وقصفها بالصواريخ ما يتيح لهم الفرار منها، لكنه رفض وفضل الموت في مركزه على ان يترك قائده وعناصره يموتون”. في المقابل ثمة عتب على تأخر الاسناد العسكري وترك الجنود من دون تغطية لازمة ربما كانت جنبتهم موتًا محتمًا.
قتل الى جانب الشهيد الجمل
من ناحيته، يؤكد زياد زيدان شقيق زوجة المقدم الشهيد حرب أن “الروايات كثيرة حتى الساعة، ولا نعلم بالضبط ماذا جرى، كما أننا لم نبلغ بالتفاصيل من قيادة الجيش، ولا يمكن ان يؤكدها احد لنا سوى من كانوا على ارض المعركة. وهؤلاء اما استشهدوا او خطفوا ام أنهم لا يزالون في المستشفيات”، مضيفاً: “حتى الساعة الرواية شبه الأكيدة هي انه تم تطويق الثكنة من مئات المسلحين الارهابيين وقصفها بكثافة، فتقرر اخراج العناصر منها، وبقيَ الشهيد مع رئيسه المقدم الشهيد الجمل يؤمنان التغطية النارية لهم، حتى استشهدا سوياً، وحسب المعلومات ان المقدم الجمل استشهد على مدفع الدبابة فيما داني كان بالقرب منه على الارض”.
بطل استدعاه الله
ويقول زيدان “اختي عايشة على دوا الاعصاب، ولم تستوعب الفكرة حتى الآن”، مشيراً الى انه “تم الاستعانة بطبيبة نفسية متخصصة لابلاغ ولديه اللذين يبلغان من العمر 8 و6 سنوات”.
“ريان فرح بصور والده على الابنية والسيارات والتلفزيون، البطل الذي استدعاه الله ليكون بقربه، كما قالت له الطبيبة”، يتابع زيدان لافتاً الى “انه بدأ يشعر بالاشتياق لوالده من دون ان يستوعب انه مات”.
لا تنكيل في الجثة
اما فادي، شقيق الشهيد، فيقول بحسرة: “رأيته وقبلته منذ قليل، وليس صحيحًا اطلاقاً ما يتم تداوله عن انه جرى التنكيل بجثته”، مؤكداً ان “الجثة سليمة وما ناقصو الا يحكي”، ومشيرًا الى ان الشهيد أصيب في مكان قريب من قلبه بالاضافة الى ان الاصابة البالغة كانت في بطنه ورجليه، ما ادى الى وفاته.
ينفي فادي معرفته الدقيقة بما جرى بالضبط، مشيراً الى ان “الجميع رأى عبر وسائل الاعلام كيف قصفت الثكنة، والدخان الكثيف بجانبها نتيجة الاشتباكات، من دون ان نرى قصفاً من الجيش”.
ويتابع: “العائلة جميعها تقطن في الخارج، لكن داني رفض الالتحاق بها لتعلقه بلبنان، وبالجيش، وأصرّ على بناء عائلة في لبنان”، متمنياً “الا يكون استشهاده رخيصاً، وان يكمل الجيش ما بدأ به من تحرير وطرد الارهابيين واعدام من قاموا بالاعتداء عليه، وبذلك يكونون قد ردّوا له جزءاً من حقه”.
لمحاسبة بعض السياسيين
الكلام عن ضرورة استكمال المعركة، وعدم المساومة على الدم استدعيا تدخلاً بنبرة عالية من شقيق الشهيد رامي الذي أكد “رفض العائلة ومحبي العقيد الشهيد داني اي هدنة، او اتفاق قبل تنظيف لبنان من الارهابيين ومحاسبة من قاموا بهذا العمل الشنيع”.
ويكمل رامي بالنبرة عينها: “بعد انتهاء المعركة على الارض، علينا الانتقال الى محاسبة بعض السياسيين الذين كانوا كأنهم الناطقون باسم “داعش” و”النصرة” من خلال تصريحاتهم”، مؤكداً انه “سيتابع هذا الموضوع حتى النهاية”.
يتزايد عدد الحاضرين والمعزّين، وغمرة من احد رفاق داني الاتي بالبزة العسكرية تنهي الحديث مع رامي لتكمل الدموع التي انهارت بين الرجلين الحكاية، حكاية شباب وضعوا دمهم على أكفهم ومضوا، ورفاق لهم ينتظرون ادوارهم، عسى ان تكون هذه المرة خاتمة احزان هذه المؤسسة المتخمة بالوعود والمحرومة بالفعل الا من عطاءات افرادها.