Site icon IMLebanon

حسناً تبتعد المصارف عن ممارسات أهل السياسة

BanksAssociation3

مكرم صادر

التقيتُ بمناسبة خاصة رجل أعمال لبنانياً، عتيقاً وأصيلاً، يملك شركات كبيرة وعديدة في لبنان والخارج. وما أن تعارفنا حتى بادر إلى الثناء على المصارف في لبنان مقارنةً مع ما يعاني في تعامله مع المصارف في عدد من دول المنطقة، بل وكذلك في عواصم عالمية له فيها أعمال هامة كلندن وباريس ونيويورك.
وبادر الى السؤال كذلك عن خبر مثول رئيس جمعية مصارف لبنان أمام النائب العام. وطبعاً، علَّق رجل الأعمال على الأداء السياسي في لبنان وكلفته على البلد مقارنةً مع الأداء المصرفي وأهميته للبلد. ولا أريد نقل تفاصيل رأي هذا الرجل في الطبقة السياسية لأن الشكوى قد سُحِبَتْ ونعتبر هذه المسألة خلفنا.
سألني رجل الأعمال كذلك عن جهود الجمعية في الولايات المتحدة الأميركية لحماية القطاع المصرفي والمالي من تداعيات مشاريع القوانين المطروحة لمعاقبة شبكة التمويل العالمية لحزب الله، فاطمأنَّ لما سمِع. وتمنّى استمرار هذه الجهود ومتابعتها لأن في ذلك حماية للمودعين في القطاع وللمستثمرين في رساميله، بل وأكثر فهو حماية للاستقرار النقدي في البلد، أي للُقمَة عيش ذوي المداخيل المحدودة وبخاصة ذوي المداخيل بالليرة اللبنانية أي الغالبية العظمى من العاملين بأجرٍ في لبنان.
توسَّع رجل الأعمال هذا في الحديث عن المصارف العالمية الكبيرة وتوقف أمام سلوك مَن يديرها. وكيف تورّطت في ارتكابات، قديمةٍ وحديثة. أفضتْ القديمة منها إلى الأزمة المالية العالمية ونتج عنها حجم من الخسائر للمدَّخرين يصعب تصوّره! وكذلك مارست المصارف العالمية ارتكابات حديثة ليس أقلُّها التلاعب بمعدّلات الليبور، بالإضافة إلى التلاعب بمحافظ التسليف العقاري وأخيراً عدم الالتزام بأنظمة العقوبات المفروضة على إيران والسودان وكوبا وغيرها. وقد يصل حجم ما تكلّفته كبرى المصارف العالمية
HSBC
Standard Chartered Bank
J.P.Morgan
Citibank
BOA
BNP
UBS
Crédit Suisse
… وما ستتكلّفه نتيجة هذه الممارسات إلى ما يقارب مئتي مليار دولار من شتى أنواع الغرامات !
في المقابل، وكما بيَّنت الأزمة المالية العالمية، بقيت المصارف في لبنان بمنأى عن الممارسات المذكورة أعلاه، والتزمت بقواعد عمل وسلوكيات الصناعة المصرفية السليمة والصحيحة، وحافظت على مدّخرات اللبنانيّين المقيمين والمغتربين، وموَّلت الدولة رغم الأداء المتواضع لأهل السياسة في لبنان. وَوَفَّرت المصارف للقطاع الخاص احتياجاته التمويلية بشروطٍ ميسّرة مقارنةً بالمخاطر السيادية للبلد. أكثر من ذلك، طوَّرت المصارف بالتعاون مع مصرف لبنان أنظمةً للدفع وشبكاتٍ حديثةً تتيح للّبنانيّين إجراء مدفوعاتهم الداخلية والخارجية بسرعةٍ وأمان وكلفة متدنية، وتسمح للّبنانيين في كل أرجاء المعمورة بإجراء التحويلات إلى الوطن الأم ولأصحاب الأعمال تسوية المدفوعات الناتجة عن تجارتهم الخارجية استيراداً وتصديراً بسرعة وأمان وكلفة مقبولة.
وتُظهر آخر الإحصاءات المتوافرة عن أداء ونشاط القطاع المصرفي والنقدي في لبنان العديد من نقاط القوة والتطورات الإيجابية، ويأتي في مقدّمها الفائض الهام الذي سجّله ميزان المدفوعات وقدره 776 مليون دولار للأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري مقابل عجزٍ قارب الـ 150 مليوناً للفترة ذاتها من العام الماضي.
وقد قاربت الميزانية المجمّعة للمصارف العاملة في لبنان 170 مليار دولار أميركي مع نهاية شهر أيار 2014، أي بزيادة نسبتها 8% مقارنةً مع الفترة ذاتها من العام الفائت وبحجم قارب 12,6 مليار دولار. استعملت المصارف معظم الزيادة (76%) لإقراض القطاعين العام والخاص، كما رفدت احتياطيات البنك المركزي بما يقارب 19% من الزيادة المذكورة. وتأتّت بالمقابل الزيادة في جانب الموارد بنسبة 70% من الودائع وبنسبة 15% من زيادة الأموال الخاصة. نشير إلى أن الأموال الخاصة للمصارف التجارية في لبنان تخطَّت 15 مليار دولار، ما يشكّل 8,9% من إجمالي الموجودات وأكثر من 12% كمعدّل ملاءة دولية محتسباً على طريقة بازل.
ويُعتبر مستوى الرسملة هذا جيداً بالمقاييس العالمية. بيدَ أن تصاعد مخاطر البلد يستدعي الارتفاع دوماً بحجم الرساميل، ولو على حساب توزيع الأرباح خصوصاً وأن عدد المساهمين بات كبيراً جداً قياساً على ما كان قائماً عند مطلع التسعينيات من القرن الماضي. وقد اتّخذت التعاميم ذات العلاقة هذا المنحى التصاعدي والتدريجي.
وطبعاً ليست الملاءة أو كفاية الرساميل هي المؤشّر الوحيد للمتانة، بل تتطلّع الأسواق وأجهزة الرقابة العالمية أكثر وأكثر إلى السيولة المصرفية التي يقارب معدّلها في لبنان 30% بالعملات الأجنبية وما يزيد عن 53% للسيولة الإجمالية. يضاف إلى ذلك أن معدّل الديون المشكوك بتحصيلها نسبةً الى محفظة قروض القطاع الخاص تقلّ عن 3,3% استناداً إلى الإحصاءات المتوافرة حتى الآن، علماً أن المؤونات المكوَّنة تشكّل 76% من الديون المشكوك بتحصيلها.
الابتعاد عن الممارسات الغريبة عن المهنة المصرفية والعمل الدؤوب لتقوية قاعدة الرساميل والحفاظ على سيولةٍ عالية وانتهاج سياسة مؤونات متشدّدة تشكّل في مجملها دعامة متينة للثقة يطمئنّ إليها المودع وتقي القطاع من الأزمات متى هبَّت. لقد اختطّت إدارات المصارف لنفسها هذا النموذج من العمل المصرفي وواكبتها فيه السلطات النقدية والمصرفية. والمطلوب إبقاء السياسة بعيداً عن القطاع المصرفي… ففي ذلك راحة للبال مدى الحياة.