Site icon IMLebanon

استغلال إسرائيل لنفط الأراضي المحتلة

al-hayat

وليد خدوري

حاولت إسرائيل منذ 1948 استغلال المياه في الأراضي العربية المحتلة، وشكّل الأمر عاملاً مهماً في النزاع العربي- الإسرائيلي في منتصف الخمسينات. ولا يزال فلسطينيو الضفة الغربية يعانون من القوانين الجائرة في قطع المياه وتقنينها فتتضرر مزارعهم. ومنذ 1967 بدأت مرحلة ثانية أوسع وأخطر، وهي استغلال إسرائيل الثروة الهيدروكربونية في الأراضي المحتلة. ويُتوقع أن يتوسع هذا الخلاف مع الاكتشافات البترولية في شرق البحر المتوسط، ليشكل عاملاً جديداً في النزاع العربي- الإسرائيلي.

في تموز (يوليو) منحت السلطات الإسرائيلية شركة «أفك» للنفط والغاز رخصة للتنقيب عن البترول في الجولان المحتل. والشركة تابعة لـ «جيني إنرجي» المسجلة في ولاية نيوجرسي الأميركية والمالكة أيضاً لشركة «مبادرات الطاقة» الإسرائيلية التي فازت برخصة لتطوير حقل النفط الصخري في حوض «شينلي» جنوب إسرائيل. وتنص الرخصة الممنوحة لـ «أفك» على حفر 10 آبار استكشاف خلال ثلاث سنوات، وفق صحيفة «جيروزاليم بوست»، التي أضافت أن استكشاف البترول في الهضبة قد يقدّم أيضاً معلومات إضافية عن مصادر المياه فيها، وأوردت ان أعضاء في الكنيست اعترضوا على الرخصة لأن المشروع قد يلوث بحيرة طبريا إذا حصل تسرب نفطي ولغياب الشفافية في إصدار الرخصة.

واكتشفت شركة «غيفوت عولام» الإسرائيلية عام 2011 حقل «مجد» الذي يقع على بعد 100 متر عن الخط الأخضر الفاصل بين قرية رنتيس في الضفة الغربية وإسرائيل، وفق رواية «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي). ويقع الحقل داخل الحدود الإسرائيلية، لكن من المحتمل أن يمتد إلى الأراضي الفلسطينية، إذ إن جيولوجية الحقول لا تتبع الحدود السياسية، ولذلك يمكن أن تستنزف الشركة الاحتياط الفلسطيني. وتقدر الشركة الاستشارية البريطانية «غرينلاند أسوشيتس» احتياطات الحقل بنحو 1.5 بليون برميل. وأعلنت السلطات الإسرائيلية الجهة المقابلة للحقل منطقة عسكرية، ما يعني استبعاد الاستثمارات الفلسطينية عنها ومنع أي تطوير لامتداد الحقل النفطي في الضفة الغربية. وبدأ الإنتاج من الحقل أوائل 2012 ولا تتوافر معلومات عن معدلات الإنتاج.

ومنحت السلطة الفلسطينية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1999 امتيازاً لمدة 25 سنة لشركة «بريتيش غاز» (بي جي) البريطانية لاستكشاف النفط والغاز وإنتاجهما في المياه الفلسطينية أمام قطاع غزة. وانضمت إلى «بي جي» شركة «اتحاد المقاولين» وصندوق الاستثمار الفلسطيني. واكتشفت الشركة البريطانية حقل «غزة مارين» في 2000، لكن منذئذ وعلى رغم انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، يبقى الحقل من دون تطوير وإنتاج، ولا أمل بتطويره في المستقبل المنظور.

وفي 2007، أي قبل عام من عدوان «الرصاص المصبوب» على غزة، قال رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك (وزير الدفاع الحالي) موشي يعلون، إن «فكرة استعمال غاز غزة لتطوير اقتصاد الدولة الفلسطينية هي فكرة خاطئة، فريع بيع الغاز الفلسطيني إلى إسرائيل لن يساند الاقتصاد الفلسطيني، بل وكما تدل تجارب إسرائيل السابقة، سيوجَّه لمساندة العمليات الإرهابية ضد إسرائيل».

وفيما لا مناص من مشاركة «حماس» في أي تفاوض حول الغاز الفلسطيني في غزة، قال يعلون في 2007 إن «حماس إما ستستفيد من ريع الغاز أو ستعرقل المشروع بأن تقاتل حركة فتح أو تهاجم المنشآت البحرية أو تهاجم إسرائيل أو تقوم بالأمور الثلاثة معاً، فمن دون عملية عسكرية شاملة للقضاء على حماس، لن يجري أي تنقيب، إذ لا يمكن القيام بذلك بوجودها».

كلام يعلون واضح، فما دامت «حماس» تحكم غزة أو شريكة في حكومة وحدة وطنية فلسطينية، فلن تسمح إسرائيل بتطوير «غزة مارين» الذي يحتوي احتياطاً ضئيلاً لن يكفي أكثر من حاجة محطة الكهرباء في غزة وسكانها المليونين لسنوات معدودة، لكنه يعوض الاعتماد على استيراد الفيول أويل من إسرائيل، وتحمّل تبعات قطعه كلما شاءت إسرائيل ذلك، مع ما يسببه ذلك من صعوبات إنسانية لسكان القطاع. أما كلام يعلون عن أن احتياطات «غزة مارين» ممكن أن تفي بالاحتــياجات الاقتـصادية للدولة الفلسطينية، فهذا كلام غير دقيق، إذ إن الاحتياطات ضئيلة.

وهذه ليست الحجج الأولى التي استعملها الإسرائيليون لمنع تطوير الحقل الفلسطيني، فهم أصروا سابقاً على أن يمتد خط الأنابيب من الحقل إلى عسقلان في إسرائيل، فتأخذ شركة الكهرباء الحكومية الإسرائيلية ما تحتاجه من الغاز للاستهلاك الإسرائيلي المحلي قبل إرسال الباقي إلى غزة. وأصرت إسرائيل على معادلة سعرية منخفضة نسبياً، تقل من المعادلات المستخدمة في أوروبا. ورفض الكونسورتيوم المسؤول عن الحقل هذه الشروط التعجيزية وأغلقت «بي جي» مكتبها في تل أبيب. وما عقد الأمور أكثر هو محاولة مقاضاة بعض الشركات النفطية الإسرائيلية «بي جي» وشركائها لادعائهم أنه لا يحق للسلطة الفلسطينية منح عقد الامتياز. وهناك حالياً اهتمام أولي لشركات الغاز الروسية للاستثمار في مياه شرق البحر المتوسط، بما في ذلك شراء حصة في «غزة مارين».

واستغلت إسرائيل احتلالها لشبه جزيرة سيناء عام 1967 فاستنزفت ثلاثة حقول مصرية: سدر وعسال ومطرمة. واستخدمت إمدادات هذه الحقول على مدى 12 سنة من احتلال سيناء. وبلغ معدل إنتاج الحقول الثلاثة في 1966 نحو 87 ألف برميل يومياً. لكن إسرائيل حاولت استغلال الحقول بكامل طاقتها، فبلغ معدل إنتاجها نحو 92 ألف برميل يومياً في 1975. أما الآن، فمعدل الإنتاج للحقول الثلاثة يتراوح بين 40 و50 ألف برميل يومياً.