فراس أبو مصلح
في ما يشبه إعلان اليأس من إقرار مجلس الوزراء في وقت قريب المراسيم التي تسمح بمباشرة الأنشطة البترولية، أصدر وزير الطاقة والمياه أرتيور نظريان، يوم أمس، قراراً بتأجيل جديد للمزايدة من قبل الشركات المؤهلة في دورة التراخيص الأولى للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية اللبنانية، وذلك من تاريخ 14 آب الجاري إلى مهلة لم تُحدد بدقّة، كما في قرارات التأجيل السابقة، بل تُركت مفتوحة وفق صيغة «مهلة أقصاها ستة أشهر من تاريخ إقرار مجلس الوزراء لمشروعَي مرسومَي تقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية إلى مناطق على شكل رقع، ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية اللبنانية، ونموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج».
مسائل خلافية كثيرة تحول دون إقرار المراسيم المذكورة، بدءاً بحصة الدولة من عائدات النفط، والضغوط الأميركية للحيلولة دون تلزيم البلوكات البحرية الجنوبية، وتناتش الحصص من الاستثمارات في مجال دعم وتموين المنشآت البترولية البحرية.
قرار التأجيل فرضه عدم وضع رئاسة الحكومة للمراسيم المذكورة على جدول أعمال اجتماعات مجلس الوزراء، يقول وزير الطاقة والمياه آرثور نظريان، ما يشير إلى الفشل في التوصل إلى توافق سياسي بشأن الملف في اللقاءات التي عقدتها «هيئة إدارة قطاع البترول» في الآونة الأخيرة مع اللجنة الوزارية المصغرة المكلفة متابعة الملف، والتي تضم ممثلين عن كافة الكتل النيابية الرئيسية، وزيارة ممثلين عن الهيئة لبعض الوزارات المعنية بالملف للاستماع إلى ملاحظاتها، ولا سيما الملاحظات القانونية حول دفتر شروط تلزيم العقود.
يشير نظريان إلى اقتراح «بعض التعديلات البسيطة» على مشاريع المراسيم المذكورة نتيجة اللقاءات هذه، لافتاً إلى إمكانية تعديل المراسيم بمراسيم أخرى في وقت لاحق، «بعد الاختبار». «لا مشكلة حول البلوكات البحرية. يكون التلزيم لبلوك أو اثنين كحد أقصى»، يجزم نظريان، لكن تاريخ الخلافات حول الملف، كما بعض المعطيات الحديثة، تشير إلى خلاف أكبر من ذلك: ليس ثمة ما يشير إلى حل للخلاف القديم بين قطبين سياسيين بارزين حول طريقة تلزيم عقود الاستكشاف والإنتاج في البلوكات البحرية العشرة، فيرى أحد الأقطاب وجوب تلزيم البلوكات العشرة دفعة واحدة، كي لا يتعثر تلزيم البلوكات الجنوبية المحاذية لمياه فلسطين المحتلة، فيما يرى قطب آخر أن تلزيم البلوكات جميعها دفعة واحدة يخفض حصة الدولة وعائداتها من الأنشطة البترولية، وأن من الأفضل «التعلم» بتلزيم بلوكين بحريين قبل تلزيم البلوكات الباقية.
تراجع موضوع التلزيم عن واجهة الاهتمامات إثر استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتعطيل الأزمة السياسية والأحداث الأمنية لدورة الحياة «العادية» في البلاد، يقول مصدر مطلع، لكن ذلك لم يوقف النقاشات والانتقادات بشأن فترة التنقيب وحصة الدولة وعائداتها من الإتاوات والعلاوات الملحوظة في مشاريع مراسيم الأنشطة البترولية، ولم يوقف الضغوط الأميركية للحيلولة دون تلزيم البلوكات البحرية الجنوبية. وربما الأهم من كل ذلك، لم يتوقف الصراع الخافت (ظاهرياً، على الأقل) حول تناتش الحصص من الاستثمارات على طول الشاطئ في مجال دعم وتموين الأنشطة البترولية البحرية المرتقبة!
«من المعروف أن (إدارة) قطاع النفط والغاز مسألة خلافية»؛ ولأن البترول ثروة مدفونة في باطن الأرض، «فلا مشكلة بالتأخير في استثمارها، حتى ينضج التوافق على المراسيم» ذات الصلة، يقول الخبير في الصناعة النفطية ربيع ياغي، مذكراً بأن عقود التلزيم بين الدولة وشركات النفط «تربط المستقبل الاقتصادي للبلد لـ30 أو 40 سنة بشروطها»، فلا مكان لـ«التجربة والتعلم»، و»يجب ألا نأتي بأي دعسة ناقصة»، ما يفرض دراسة متأنية للجوانب التقنية والقانونية للعقود. يرى ياغي ضرورة لـ«إعادة قراءة قانونية لمسودة (نموذج) الاتفاقية» مع شركات النفط، إذ «يجب درسها وتنقيحها حتى يقتنع مختلف الأفرقاء (السياسيين) بأنها الأفضل، وأنها تحفظ حقوق الدولة» بعائدات الأنشطة البترولية من رسوم وإتاوات وعلاوة. يدعو ياغي للابتعاد عن الاستثمار السياسي في ملف البترول الذي يجب مقاربته «بشكل علمي، وليس بحسب أعراف الطوائف ومراكز القوى»، كذلك يجب ألا تحصل «مذهبة الملف، فإدخال المذهبة يضرب شروط الخبرة والاختصاص والكفاءة».
يشير ياغي كذلك إلى ارتباط مراسيم دفتر شروط التلزيم واتفاقيات الاستكشاف والإنتاج بمرسوم تقسيم البلوكات البحرية العشرة، فيما لم تُرسّم الحدود الاقتصادية الخالصة حتى الآن مع قبرص وسورية وفلسطين المحتلة، علماً بأن هناك خلافات في ترسيم الحدود البحرية مع «الأشقاء السوريين، كما مع العدو الصهيوني»، فيما يتطلب إقرار العقود أن تكون «حدود البلوكات مرسّمة ومسجلة لدى الأمم المتحدة»، معتبراً أن ذلك يشكل «روحية» الخلاف القائم.