صبحي حسين عبد الوهاب الهندي
ترتفع الأصوات عاليةً من مختلف الاتجاهات والمستويات مناديةً بتحويل مطار القليعات «مطار الرئيس رينيه معوض» الى مرفق إقتصادي يندرج في إطار حركة الملاحة الجوية التجارية المدنية.
فعلى الشاطئ البحري الممتد في لبنان الشمالي، وعلى بُعد ستة كيلومترات من الحدود اللبنانية – السورية كانت في إحدى الحقب الماضية من القرن المنصرم شركة النفط العراقية IPC تملك مطاراً صغيراً إسمه «مطار القليعات»، تستعمله طائرات صغيرة كان ينتقل فيها الفريق العامل في الشركة من مهندسين وموظفين وعمّال تابعين لهذه الشركة بين لبنان والدول العربية.
وفي العام 1966 تسلّمت المؤسسة العسكرية اللبنانية هذا المطار، وشرعت بتوسيعه وتحديثه، ليصبح قاعدة جوية اعتبرت آنذاك من أحدث القواعد الجوية في المنطقة، بموجب اتفاقية عقدت بين الدولتين اللبنانية والفرنسية.
ومن المعروف لدى الرأي العام أنه وخلال الحرب اللبنانية التي قطّعت أوصال البلاد، لجأت الدولة إلى مطار القليعات في أواخر حقبة الثمانينات لإستخدامه في أغراض مدنية بعدما تعذّر التواصل بين العاصمة بيروت وشمال لبنان، فتم تجهيزه بما يؤهّله لإستقبال المسافرين وشهد حركة هبوط وإقلاع ناشطة بافتتاح أول خط جوي داخل الأراضي اللبنانية، وكانت الطائرة الأولى التي استخدمت في المرحلة الأولى من نوع «بوينغ 720» تابعة لطيران الشرق الأوسط ناقلة 16 راكبا من الشمال إلى العاصمة اللبنانية، ثم سيّرت شركة «الميدل إيست» ثلاث رحلات أسبوعياً، وزادتها في ما بعد بمعدل رحلتين يومياً وحددت سعر التذكرة آنذاك ذهاباً وإياباً بـ 28 ألف ليرة للدرجة الأولى، و20 ألف ليرة للدرجة السياحية، وقُدرت حينها أعداد المسافرين الذين استخدموا مطار القليعات بنحو 300 راكب يومياً.
وفي 5/11/1989 شهد هذا المطار حدثاً سياسياً عاماً تجلّى بإنتخاب رينيه معوض رئيساً للجمهورية رافقته هبوط طائرة «بوينغ 707»، حيث تعززت جدارة هذا المطار وأهليته في إستقبال طائرات ضخمة الحجم. ومن ثم وبعد إستشهاده صبيحة عيد الإستقلال الوطني سمّي بـ «مطار الرئيس الشهيد رينيه معوض» عملاً بالقرار الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 11/12/1989.
وبالإستناد الى مقررات مجلس الوزراء العائدة لجلسة 16 كانون الثاني 2012 المنعقدة برئاسة فخامة رئيس الجمهورية طلب من وزير الأشغال العامة والنقل إعداد تقرير عن مطار الرئيس رينيه معوض تمهيدا للعمل على تشغيله. وبالإعتماد على آراء ودراسات الخبراء الاقتصاديين الذين يسوقون الأسباب الاقتصادية والتنموية ليكون للبنان أكثر من مطار.
ولا بد لنا في هذا السياق من توسل الدقة والصراحة المتناهية بأن لهذا المرفق الحيوي من حيث الموقع والمكانة الإستراتيجيتين هو موضع مصالح متشابكة يرافقها سباقاً غير معلن بين عدد كبير من فاعليات القطاع الخاص من رجال أعمال ومستثمرين حيث يشكّل بالنسبة لهذه الشريحة مشروعاً يتضمن الكثير من الحوافز والفرص.
ولكن يبقى السؤال في مرتكزه الإقتصادي يتحرى الإيجابيات الكامنة في فتح مطار القليعات بعد تأهيله ليصبح في خدمة الملاحة الجوية المدنية – لم يكشف عنها إلا الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة حيث رأى «أن فتح المطار ضروري بغض النظر عن الاوضاع السياسية والأمنية، فوجود مطار آخر في لبنان ضروري، ومع وجود 3 مطارات أفضل أيضا، وهكذا تتوزع شركات الطيران عليها، وهذا يؤدي الى تنمية قوية للمناطق، فمع وجود تلك المطارات نجد مواقف السيارات، وكذلك تنتعش الحركة السياحية، ونخفف الضغط عن بيروت ومطارها، فمع وجود البنايات من حوله لم يعد بالمطار المثالي.
المنافع في فتح مطار القليعات التي تترتب على فتحه هي واضحة انمائياً وتشغيلاً للآلاف من الأيدي العاملة وتنمية المناطق، والمشكلة التي تطرح هل نحن نملك القدرة الكافية لتشغيل مطارين في لبنان؟! الهدف ليس التخفيف من القادمين الى مطار بيروت، بل الهدف أن يبقى العمل كما هو في مطار بيروت، ويزيد في مكان آخر، ولا يصبح مطار القليعات وكأنه البديل عن مطار بيروت، نريد أن يبقى مطار بيروت بعمله الطبيعي، وكذلك مطار القليعات». ويرمي الهدف الأساسي الى زيادة في العمل وليس توزيعه بين المطارات. وهنا يمكن استعمال مطار القليعات لطائرات الـ «تشارترز» ولشركات طيران جديدة.
وبرأي الدكتور حبيقة أن لبنان بإستطاعته تحمّل أعباء فتح مطار جديد، لأنه يمكن العمل عليه على طريقة الـ BOT، وهناك تقنيات عدة ايضا لا تكلف الدولة، ومن يبني المطار يشغله لمدة معينة، كما حصل تماما مع انشاء الخليوي في لبنان.
وفتح المطار يفيد لبنان سياحياً بقدر كبير، من خلال إضافة العمل ويبقى مطار بيروت مطاراً مهماً ونزيد العمل بالمطارات الأخرى.
وعملية انعاش المناطق المجاورة من خلال فتح مطار القليعات تتم من خلال تشغيل المئات من الناس من المناطق المجاورة، وحتى من خبراء الطيران، وحتى الفنادق المتواجدة بقربه تنتعش، وايضًا من خلال تنشيط الحركة في المحال التجارية القريبة من المطار، فعندما نفتح مطارا نخلق مدينة من حواليه.
ونعتقد أن مقولة «الإنماء المتوازن» تأخذ بعدها الواسع حينما يكون فتح مطار القليعات ليس على حساب استمرارية مطار بيروت، وذلك بطريقتين من خلال تخصيصه مطاراً «للتشارترز»، وثانياً «لإستقبال شركات طيران غير موجودة في بيروت».
المميّزات والخصائص الهامة التي يمتاز بها «مطار القليعات»
باتت المطالبة بتشغيل مطار القليعات مطلباً مشروعاً وحيوياً ليس لمنطقة شمال لبنان وحسب وإنما لكل لبنان وبشكل خاص على نطاق الدور الإنمائي الذي سيلعبه في مستقبل منطقة عكار على مختلف النواحي والمستويات.
ويمتاز هذا المرفق الإقتصادي بخصائص تشكّل جواذب لإطلاق ورشة عمل تأهيله وفقاً لمتطلبات منظمات الطيران المدني الدولية، وهناك أمور فنية ولوجستية لا بد من توفرها في هذا الاطار لتشغيله وفي مقدمها إدارة المطار والهيئة التشريعية التي ستشرف على إدارته والتي تلّزم حركته وتراقب تنفيذها.
وفي ما يتعلق بالبنى المتوفرة فيه حالياً وفقاً لرأي المدير العام للطيران المدني في لبنان الدكتور حمدي شوق:
– مدرج اتجاهه ممتاز جداً لكنه يحتاج الى تأهيل.
– الممرات غير متوفرة.
– مبنى صغير كان يخدم الواقع القائم على مدى 30 عاماً.
من هنا أهمية تلزيمه للقطاع الخاص الذي يتولى تسيير حركته خصوصاً أن هناك الكثير من شركات الطيران التي تفضّل الهبوط في المطارات البديلة بدلاً من مطارات العواصم.
{ وعن فوائده فتكمن بكونه:
– مرفق مهيّأ لنقل البضائع في الدرجة الأولى نظراً لوجود مساحة شاسعة.
– قادر على تقديم خدمات للركاب من مسافرين ومتنقلين.
– يتمتع بقدرات مؤكدة لدر الأموال وتوفير فرص للعمل بشكل واسع.
وكل هذه المعطيات وكل هذه المواصفات والخصائص والمؤهّلات تستدعي بمجموعها جدّية متناهية من الحكومة اللبنانية من حيث وضع الأسس القانونية والتشريعية على أرض الواقع وتطبيقها وفقاً لبرنامج زمني معّد وآلية عمل واضحة ومعلنة وشفافة لكي لا تبقى المطالبة بتشغيل مطار «القليعات» في إطاره الإعلامي والسياسي البعيدين كل البُعد عن واقع هذا المطار وحقيقته.
منطقة حرّة متممة لمشروع إطلاق مطار القليعات
نضيف في هذا السياق أن مطار القليعات وبالإستناد الى دراسة الجدوى المعدة من قبل المؤسسة العامة لتشجيع الإستثمار (إيدال)، أن لديه قابلية لإحتضان منطقة حرّة تمتد على مساحة 500.000 م2 على بعد 25 كلم شمالي مدينة طرابلس و7 كلم الى الجنوب من الحدود اللبنانية – السورية. كما تتصل بالطريق الدولية – الخط الساحلي ومرفأ طرابلس.
ستقوم شركة خاصة ببناء تشغيل وإدارة المشروع على قاعدة BOT في إطار قانون المناطق الحرة الذي سيطبق تحت إشراف «المؤسسة العامة لتشجيع الإستثمارات في لبنان «IDAL».
يتطلب المشروع إستثماراً أساسياً قيمته 13 مليون دولار أميركي لإشادة البنى التحتية إضافة الى إستثمار إختياري قيمته 11 مليون دولار أميركي يوظف من خمس الى عشر سنوات في إشغال البنى الفوقية.
يراعى تصميم المنطقة الحرة الطراز الأوروبي مع التشديد على القيمة الجمالية للمحيط. سيتم تجهيزها بكافة الخدمات والتسهيلات ووسائل الراحة اللازمة لتسهيل أعمال المستأجر في مجالات التخزين والصناعات الخفيفة وغيرها.
وتتجلى فوائد المشروع بكل هذه المعطيات التي أفادت بها مؤسسة «إيدال»:
– بنية تحتية، خدمات وأنظمة اتصال متقدمة ومتطوّرة.
– مخازن، مصانع ومكاتب جاهزة للإيجار القصير أو الطويل الأمد.
– شبكة توزيع سهلة وسريعة الى أسواق الشرق الأوسط وأوروبا.
{ مركز خدمات سريعة لتأمين:
– المعاملات الحكومية.
– توظيف وتدريب اليد العاملة.
– المعلومات والإرشادات.
– مرونة القوانين.
– حق الملكية الكاملة للأجانب.
– إعفاء المؤسسات والأفراد من الضرائب.
– إجراءات حكومية مبسّطة.
– حرية تحويل الرساميل والأرباح الى الخارج.
– إلتزام تام بالسرية المصرفية.
– إنعدام التمييز في القوانين التجارية بين المستثمر المحلي والأجنبي.