موريس متى
أدّى صدور قرار المجلس الدستوري رقم 2014/6 حول دستوريّة القانون الجديد للإيجارات في 6 آب بردّ الطعن في غالبية مواد القانون وبطلان 3 مواد تتعلق بلجنة التّخمين، إلى حصول حالة من الالتباس في كيفيّة تفسير القرار حيال سريان مفعوله ونفاذه في التاريخ المحدد في 28 كانون الأول المقبل.
المالكون هلّلوا للقرار باعتباره قضى بردّ غالبيّة الأسباب الموجبة للطّعن في شأن إصدار القانون ونشره وإقراره بمادة وحيدة ولجهة العدالة الاجتماعية والمساواة والأمان التشريعي والحقوق المكتسبة وحرية التعاقد، وبالتالي فإنّ القانون برأيهم ساري المفعول ويجب تطبيقه في بداية السنة المقبلة. والمستأجرون أيضًا أعلنوا رضاهم عن القرار لأنّه قضى بطعن 3 مواد في القانون تعتبر أساسيّة برأيهم وبالتالي وجب ردّه إلى مجلس النواب للتعديل، وهذا الأمر قد يفتح الباب أمام تعديلات أخرى يطمحون إليها في بعض البنود.
على ضوء هذا الواقع الجديد، أكّد مصدر رفيع المستوى في المجلس الدستوري لـ”النهار ” أنّ المجلس أعلن بطلان 3 مواد فقط ما يعني اعتبارها غير موجودة هي المواد 7 و 13 و الفقرة ب 4 من المادة 18، فيما أبقى على سريان العمل بالمواد الأخرى، وبالتالي فإنّ القانون ساري المفعول ولم يتمّ بطلانه، وعلى مجلس النواب تعديل المواد الثلاث خلال المهلة السّابقة لتاريخ التّطبيق لتفادي حصول أيّ نوع من الإشكالات القضائيّة وضمان عمل صندوق دعم ذوي الدخل المحدود من المستأجرين، والذي يتوقّف العمل به في حال استمرار وقف العمل بلجنة التخمين والمنوط بها تحديد الفئة التي تستفيد من الصّندوق. واعتبر المصدر أنّ حيثيّات القرار تتضمّن تعليلاً وافيًا لأسباب البطلان واقتراحًا واضحًا عن كيفيّة تعديل المواد لجعلها ملائمة لجوهر الدستور. وفي ما خصّ تطبيق القانون في تاريخه المحدّد، فلا شيء يعيب التّطبيق في 28 كانون الأوّل، إما وفق العلاقة الرضائيّة بين المالك والمستأجر، أو باللجوء إلى قضاة الإيجارات وتحديدًا القاضي المدني المنفرد للفصل في النزاعات.
من جهته، أكّد مصدر قضائيّ آخر في المجلس الدستوري للـ”النهار” أنّ القانون صالح بكامل عناصره باستثناء 3 مواد وبالتالي يفترض تطبيقه وفق التاريخ المحدّد في بداية السنة المقبلة، معتبرًا أنّ المشترع سعى في بناء هذا “القانون البرنامج” إلى “تأمين العدالة المتوازنة والأمان التشريعي والعودة إلى المعايير التي ترعى العلاقة التعاقديّة”. وخلص المصدر إلى القول إنّنا أمام حالتين قانونيّتين في الفترة المقبلة في حال عدم تعديل الموادّ الثلاث التي تمّ الطعن بها من المجلس الدستوري لأيّ سبب كان، فإمّا أن تطبّق المحكمة بنود القانون الجديد للإيجارات معدّلا أو ببنوده الحالية غير المطعون بها، أو أن تعمد إلى تطبيق قانون الموجبات والعقود الذي يرعى العلاقة بين المالك والمستأجر في حال ارتأت المحكمة عدم تطبيق القانون الجديد لعلّة عدم تعديله.
وكان قد خالف قرار المجلس الدستوري 3 قضاة هم: أنطوان مسرّة، محمّد بسام مرتضى، وصلاح مخيبر. وجاء في مخالفتهم أنّهم يتّفقون مع الأكثريّة على ردّ أسباب الطعن الرّامي إلى إبطال قانون الإيجارات الصّادر في 8/5/2014 لكنّهم يخالفون القرار حيال البند المتعلّق بإبطال اللجنة (لجنة التخمين) والنّصوص العائدة إليها. وبعد مطالعة مفصّلة استعرض فيها القضاة رأيهم في توصيف اللجنة باعتبارها تستجمع كل الشروط التي تجعلها إدارية ذات صفة قضائية، وفي عدم تضاربها مع مضمون المادة /20/ من الدستور كونها لجنة إدارية ذات صفة قضائية تختلف عن السلطة القضائية المنصوص عليها في الدستور، وفي عدم وجود أيّ انتهاك دستوري من مجلس النواب صاحب السلطة التقديرية في تعيين اللجان وتحديد أعمالها وصلاحيّاتها، وفي اقتضاء إعطائها الحقّ في إصدار قرارات نهائيّة وغير مقابلة للمراجعة كون الأمر يتلاءم مع طبيعة اللجان ومهماتها وحدودها، خلصوا إلى موقف مؤيّد لردّ الطّعن لهذه الجهة (لجنة التخمين) واعتبار القانون المطعون فيه، بعناصره كافة، غير مخالف للدّستور.
وللتذكير خرج المجلس الدستوري يوم 6 تموز الجاري بقرار نهائي معلل تحت الرقم 2014/6 أبطل فيه جزئيا المواد المتعلقة باللجنة التي أنشأها القانون لبتّ النزاعات في شأن بدل المثل، فيما ردّ الطعن في المواد الاخرى ، وقد حظي القرار بتأييد 7 قضاة من أصل 10 في المجلس الدستوري. جاء في خلاصة ما يتعلق بالإبطال الجزئي في القرار: “لقد أبطل القرار المواد 7 و13 و الفقرة “ب 4″ من المادة 18 من القانون المطعون فيه، وهي المواد المتعلقة باللجنة التي أنشأها القانون لبتّ النزاعات حول بدل المثل. إن أسباب إبطال هذه المواد هي عدم توافر المواصفات والشروط التي تؤدي الى منح اللجنة الصفة القضائية، وجعل قرارات اللجنة مبرمة وغير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة”. أما المادة 7 من القانون تنص على ما يأتي: “تنظر في تطبيق الاحكام المتعلقة بدفع الزيادات على بدلات الايجارات لجنة مؤلفة من قاض عامل أو متقاعد كرئيساً ومن أربعة أعضاء، يمثل أحدهم المالكين، والثاني المستأجرين والثالث تنتدبه وزارة المال والرابع تنتدبه وزارة الشؤون الاجتماعية (…) ويكون لهذه اللجنة الصفة القضائية. أما المادة 13 من القانون فتتضمن: “في جميع الحالات، يعتبر القرار الصادر عن اللجنة نهائياً ونافذاً وعلى أصله ولا يقبل أي طريق من طرق المراجعة. أما الفقرة “ب 4” من المادة 18 فجاء فيها: “إذا اختلف التقديران (تقريرا التخمين العاري) جاز لكل من المؤجر والمستأجر ان يلجأ الى اللجنة في المحافظة التي تبع لها المأجور وذلك للفصل في النزاع الناشئ عن الاختلاف (…)”.
إذًا، اليوم أمام مجلس النواب 5 أشهر لإقرار التعديلات اللازمة في المواد الثلاث التي تمّ إبطالها من المجلس الدستوري قبل الدخول في مرحلة تطبيق القانون بموادّه الأخرى في 28 كانون الأوّل 2014 وأبرزها ما يتعلّق بتطبيق الزّيادات على بدلات الإيجار وآلية عمل صندوق دعم ذوي الدخل المحدود من المستأجرين، ومما لا شك فيه سيؤدي الى سلسلة نزاعات قضائية بين المالكين والمستأجرين. ومن هنا يبقى المطلوب الخروج بقرار نهائي وواضح حيال هذه الملف يكون مرجعا لأي نزاعات محتملة.