Site icon IMLebanon

لبنان: حلّ أزمة قوارير الغاز يبدأ باستعادة الشركات ملكيّتها

al-hayat

عدنان الشهال

برزت في لبنان أزمة قوارير الغاز الفاسدة على أثر ما نشر في بعض الصحف عن الموضوع، إضافة الى حوادث حريق في المتاجر والمنازل، علماً أن مثل هذه الحوادث ليس مشمولاً بأي ضمان تعويض. ومن أسباب هذه الحوادث جهل المستهلكين في التعاطي مع القوارير، وغياب نشرات الإرشاد التي كانت شركات الغاز توزعها على زبائنها، والتي كانت تتضمن أصول التداول، لا سيما تزويدها بساعة الضغط. ويحظّر أيضاً وضع قارورة الغاز في مكان مُغلق لا تهوئة فيه أو في الطبقة السفلى من المنزل. وهناك معلومة أساسية عن طبيعة الغاز، وهي أنه لا يتسرّب عمودياً إنما أُفقياً.
كانت شركات الغاز تملك قوارير مأمونة سواء تلك المصنعة كلياً أو المستوردة، ومدة صلاحيتها لا تزيد على خمس عشرة سنة (وفقاً لتعليمات مجلس البحوث الصناعية). وكان لكل شركة علامة تجارية خاصة بها، وتُطلى قواريرها بلون مختلف عن ألوان قوارير الشركات الأخرى، وهي مسؤولة عن صيانتها.
تتشابه اليوم معظم قوارير الغاز المتداولة في السوق ومظهرها لا يبدو مطمئناً. ولعلّ من المفيد إعطاء بعض المعلومات عن كيفية تصنيع القارورة:
تستخدم صفائح معدنية بسماكة لا تقل عن 3 ملليمترات، وتخضع هذه الصفائح لمكابس حيث تأخذ شكل القارورة من جُزءيْن يتمّ لحامهما كهربائياً، وتدخل القارورة إلى فرن بدرجة حرارة عالية لتخرج من الفرن جسماً واحداً متماسكاً. وبعد تبريد القارورة تطلى على مرحلتين بدهان خاص لحمايتها من الصدأ والعوامل الخارجية، ثم تُطلى بدهان يشير إلى الشركة صاحبة العلاقة. ثم يضاف إليها تركيب السكْر وساعة الضغط مع اختبار الأنبوب الذي يوصل القارورة بالجهاز المنزلي.
يذكر أن لبنان بدأ استخدام الغاز عام 1958 عندما بدأت مصفاة «مدريكو» (الزهراني)، وبلغ إنتاجها السنوي 1110 أطنان. وفي 1964 حذت مصفاة طرابلس (IPC) حذوها بعد رفع طاقتها بإضافة وحدات جديدة إليها، ومن تموز (يوليو) إلى آخر السنة بلغ إنتاجها 2110 أطنان. إلّا أن إنتاج المصفاتين لاحقاً لم يكن يغطي كامل استهلاك لبنان، لذلك عمدت شركات الغاز إلى استيراد الكميات اللازمة لتلبية الطلب المحلي على هذه الطاقة النظيفة، وكانت تمثل 55 في المئة من كامل حجم الاستهلاك.
في البداية انحصرت تجارة تعبئة الغاز وتوزيعه بالشركات صاحبة الامتياز باستثمار المصفاتين. ومع تزايد الطلب عليه وانحساره على مادة الكيروسين، نشأت شركات أخرى واستطاعت، على رغم المنافسة من الشركات الأساسية، أن تحتل موقعاً في السوق. وكانت الحوادث محدودة بسبب جودة القوارير وصيانتها دورياً. أما اليوم، فإن معظم الحوادث تقع أساساً لفساد القوارير وتقادمها وغياب الصيانة.
ويُروى أن عائلة مؤلفة من الزوج والزوجة وابنتهما، أمضت السهرة خارج المنزل ولدى عودتها آخر الليل فوجئ الزوج وهو يدخل المنزل برائحة غاز قوية، وبدلاً من أن يسرع إلى فتح النوافذ لتهوئة المكان أشعل النور الكهربائي فكانت الكارثة.
إن النظام الذي كان قائماً منذ بدء استهلاك الغاز في لبنان حتى اندلاع الحرب عام 1975، اختلّ، وكان أبرز ما تميّز به، أن شركات الغاز امتنعت عن استخدام الشاحنات الصغيرة لنقل قوارير الغاز إلى مراكز البيع، وأصبح صاحب الشاحنة يتاجر ببعض قوارير الغاز، في حين كان لزاماً على المواطن أن يأتي بالقارورة إلى أحد مراكز التعبئة لملء قارورته.
وبعد عودة الأمن والاستقرار إلى لبنان، وفي خطوة لإعادة تنظيم القطاع وتحديث القوارير، صدر المرسوم الرقم 3356 تاريخ 2/04/1993 الذي نظّم صناعة القوارير وفقاً للمواصفات الفنية اللبنانية، وبإشراف من مجلس البحوث الصناعية، وانسحبت هذه المواصفات على تصنيع القوارير محلياً أو المستوردة من الخارج. ويبدو أن شركات الغاز لم تكن في وضع مالي يساعدها على تطبيق نصوص المرسوم المذكور، علماً أنه خلال الأحداث لم يكن بالإمكان صيانة القوارير أو استبدالها، فعمدت إلى خطة تحررها من قيود المرسوم 3356، لتبيع القوارير العائدة ملكيتها إليها للمستهلكين لقاء بضعة دولارات.
وهنا كانت بداية الأزمة: قوارير قديمة معظمها تآكل بفعل الصدأ، ولا تُعرف هويتها أو إلى أي شركة تعود، وبات تداولها مشتركاً بين الشركات فضلاً عن غياب الصيانة. حاولت وزارة الطاقة تصحيح الوضع، فأصدر الوزير القرار الرقم 83 في تاريخ 5 حزيران (يونيو) عام 2003 يقضي باستبدال مليوني قارورة خلال سنتين ونصف السنة بمعدل 800 ألف قارورة على ثلاث مراحل. وقضى القرار «بأن تتولى عملية الاستبدال شركات استيراد الغاز، على أن تتحمل هذه الشركات كامل المسؤولية المدنية الناجمة عن استعمال القوارير وصيانتها، مع إجراء التأمينات اللازمة لدى شركات الضمان وإبرازها للوزارة». وحدّد القرار بدل استبدال القارورة بمبلغ 1500، ليرة لبنانية على أن يُضاف هذا البدل الى جدول تركيب الأسعار.
أهم مفاعيل القرار 83 أن عملية الاستبدال فشلت لأن قوارير الغاز لم تعد ملكاً للشركات بل للمستهلكين، وليس للوزير أي سلطة ليفرض على شركات الاستيراد عملية الاستبدال. والبند الوحيد الذي نفذ هو «بدل الاستبدال» الذي أدخل على جدول تركيب الأسعار، وأغلب الظنّ أن الشركات لا تزال تستوفيه حتى الآن. يضاف إلى ذلك أن إقدام شركات الغاز على بيع قواريرها إلى الغير هو مخالفة لمضمون الرخصة الممنوحة للشركات لتعبئة الغاز وتوزيعه من دون قوارير تملكها. ثم إن عملية البيع هذه مخالفة لكل النصوص القانونية المتعلقة بالإتجار بالغاز. والمخالفة الأولى تتعلق بنص المرسوم الاشتراعي الرقم 33/ 1967 الذي قضى بحماية ملكية قوارير الغاز للشركات بناءً لطلب هذه الشركات بعد فقدان عدد منها، سواءً في عمليات التهريب أو في استخدامها لغير غرضها.
إن حلّ أزمة الغاز اليوم وعدم تكرارها، لا بدّ من أن يبدأ بعودة ملكية القوارير إلى الشركات ذاتها، واعتبار ملكيتها للمستهلك ملغاة.