تقرير آية يونس
لن اكتب عن جبيل كما في كتب التاريح والجغرافيا، لا عن موقعها المميز ولا عن ميزاتها الثقافية كمدينة الحرف. فاختيار مدينة جبيل كأفضل مدينة عربية للعام 2013 لم يكن صدفة، فقد اثبتت هذه المدينة ان الارادة في اعادة انهاض الحضارة القديمة تخطّت كل الصعوبات وحاجز الوقت لتبرهن ان لبنان الصغير في مساحته كبير بميزاته، فعاد المجد القديم الذي طال انتظاره في جبيل واشرقت شمس بيبلوس من جديد.
سكان جبيل
يعتبر سكان جبيل انها كانت قبل 5 سنوات تقريباً “مدينة أشباح”: فبعد غياب الشمس وحلول الظلام تصبح الشوارع خالية من السيارات والناس، وللدلالة على السكون الذي كانوا يشعرون به، استعانت سلوى بتعبير “كبّ الابرة بتسمع رنّتها” واكّدت لنا انها كانت تخاف على اولادها عندما يخرجون من المنزل في الليل. زواريب مظلمة، محال مقفولة، مطاعم معدودة وشبه خالية من الناس.
روبير شاب في السابع والعشرين من عمره اخبرنا انه منذ 7 سنوات، كانت “النزلة عالمينا” بالنسبة له مشوار ليس سهلا، فميناء جبيل كان مكانا “مشبوها” بالنسبة للأهل، يقول روبير، فكلّ يوم تعيد أمّه الأسطوانة نفسها: انتبهو من الزعران! وعن الفارق بين جبيل 2005 وجبيل 2013، قال زاهي “الفرق من السما للأرض، جبيل القديمة ما بتشبه جبيل اليوم”.
مدينة تعود الى الحياة
تساءل الكثيرون كيف تحولّت بيبلوس من مدينة السكون الى مدينة ضوضاء وحركة ليليّة لم تشهدها من قبل. الجواب كان واضحا عندما فسّر لنا اصحاب المحال والمقاهي الجبيلية انّ البداية كانت مع تسلم البلدية الجديدة لمهامها، فأنيرت الطرقات، وتأمنت الاضاءة 24/24، بواسطة المولدات الكهربائية. وتشجع اصحاب محال الثياب على الفكرة التي طرحها المختصون في البلدية، وهي تحويل محالهم الى مطاعم ومقاه ليلية “pubs” فتعود اليهم بمداخيل مالية اكبر. وهذا ما حصل. فتحت المقاهي على طول “السوق القديم” في جبيل وبدأت الحركة الليلية تكبر وتزداد يوماّ بعد يوم حتى وصل صداها الى المناطق الاخرى.
جبيل أحلى
لم يكن اختيار شعار “جبيل احلى” من قبل البلدية حبراً على ورق. فعندما تزور المدينة اليوم سترى الفارق بين جبيل منذ 5 سنوات وجبيل الآن. من مشاريع العمران والنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية، تبرهن ان ثقة الناس بمسؤولي المنطقة كبير وهو السبب الرئيسي الذي حقّق هدف البلدية في سنوات قليلة وأعاد الى جبيل رونقها الذي اشتاق اليه السكان.
يقول اهالي جبيل أن اموالهم لم تذهب هدراً فهم يرون اثناء المشي في شوارع المدينة الأمل في مستقبل أجمل يتنعّم به اولادهم. بدأت مشاريع العمران والبناء، فزفتت الطرق واسست الحديقة العامة والمعرض الفينيقي كما ان رجال الشرطة لا يفارقون الشوارع منذ ساعات الصباح الأولى حتى اواخر الليل. فأشعر هذا الوضع السكان بالأمان والطمأنينة.
وسام زعرور، عضو في البلدية، اكّد ان ارتفاع سعر متر الأرض والشقق في جبيل يعود الى التغيّر الذي حصل والذي زاد المداخيل على اصحاب المحال من مطاعم فمقاه فأصحاب شقق وتجار. كما أعيد الى جبيل الطابع الحضاري القديم من خلال ترميم واجهات السوق السنة الماضية بالحجر الرملي، فظهرت معالم المدينة الراقية. ولم تكتف جبيل هنا، بل حصلت زينتها الميلادية عام 2012 على لقب “اجمل الزينات في لبنان” الأمر الذي زاد عدد زوارها كثيراً من المناطق اللبنانية كافة.
اهتمّت البلدية بجميع التفاصيل وادقّها من تنظيم السير الى المواقف وسيارة للبلدية مكشوفة تنقل مجاناً الناس في المدينة ليتمتّعوا بمعالمها السياحيّة ويلتقطون الصور.
لم يقف طموح السكان والبلدية معا الى هذا الحد. فبعد المدينة الرياضية التي أمنت فرص عمل كثيرة للشباب وحرّكت احلام محبّي الرياضة، هناك مشاريع أكثر في صدد الدراسة والتحضير والتمويل معاً.
برهنت جبيل انّ ثقة الناس بالمسؤولين والاحتراف الاداري ومحاربة الفساد والمشاريع المدروسة هي السلاح الوحيد لاعادة لبنان الى ما كان عليه في السابق. فسنوات قليلة كانت كافية لاعادة احياء قلب مدينة مهمّة فقدت جوهرها لوقت طويل بالاضافة الى الاستقرار الأمني والمحبة بين السكان رغم اختلاف الانتماء السياسي والفكري والطائفي بينهم. فكما استطاعت جبيل ان تكون “احلى”، فلبنان قادر ان يكون “احلى وأحلى”.