Site icon IMLebanon

استمرار الجدل بشأن قرار المجلس الدستوري: قانون الإيجارات غير قابل للتطبيق

Akhbar

هديل فرفور

«لم يعد القانون قابلًا للتنفيذ الآن قبل أن يبته المجلس النيابي» هذا ما أكده النواب المتقدّمون بالطعن في قانون الإيجارات، و«لجنة المحامين المكلفة متابعة الطعن وتعديل قانون الإيجارات»، أمس، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدوه في المجلس النيابي. يأتي تصريح النواب العشرة خلافًا لما أعلنته نقابة «مالكي العقارات والأبنية المؤجرة» قبل أيام، من أن «القانون الجديد للإيجارات ساري المفعول بدءًا من 28 كانون الأول 2014»، انطلاقا من اعتبار النقابة أن «القانون دستوري بامتياز، ومكتمل بعناصره الدستورية». وهو ما أعادت النقابة تأكيده، أمس، بعد زيارتها لوزير العدل أشرف ريفي، الذي نقلت عنه «اعترافه» بأن القانون الجديد ساري المفعول ويعد نافذًا في تاريخه، بحسب ما يقول رئيس النقابة جوزف زغيب، وهو ما لم يصدر اي تعليق في شأنه من جانب ريفي نفسه.

«لسنا ضد المالكين»، يقول النائب الوليد سكرية (احد النواب الطاعنين بالقانون)، الذي أكّد أن المسألة لا تقتصر على الوقوف الى جانب المستأجرين، لافتًا الى أنها «مسؤولية وطنية تستلزم تضافر جهود الجميع». «المسؤولية الوطنية» التي ينطلق منها سكرّية تعود الى التداعيات الاجتماعية التي تنجم عن إقرار القانون، والتي تحول دون استطاعة أي مواطن «الاستئجار أو التملّك في المدينة التي ستبقى وقفا على فئة دون أخرى». من هنا كانت دعوة النواب الى مواجهة هذا القرار بوصفه يشجّع على «الفرز الطبقي» ويتيح منافسة الأجنبي للمواطن اللبناني على امكانية التملّك أو الإيجار في العقارات، التي تشهد ارتفاعا ضخما في الأسعار. في المقابل، يرى المالكون أن دعاوى النواب ترمي الى تحقيقهم مصالح شخصية، تتمثل في كون معظمهم من المستأجرين القدامى، وبالتالي «في استفادتهم من تعطيل القانون».

وبين الطرفين، تظهر الحاجة الى تحمّل الدولة مسؤولياتها في وضع خطة سكنية تضمن لابن المدينة امكانية البقاء فيها. هذه «المسؤولية»، بحسب النواب المتقدمّين بالطعن، وبحسب المراجع القانونية، عادت الى المجلس النيابي، بعدما طعن المجلس الدستوري ببعض مواد القانون، إلا أن ذلك لم يعالج الانقسام الواقع حول تفسير القرار الصادر عن المجلس الدستوري في 6/8/2014، إذ إن كلا الطرفين يقوم بتأويله لمصلحته، ففيما يجد المستأجرون القدامى أن الطعن بمادة واحدة كفيل بـ«عرقلة» تطبيق القانون قبل بتّه مجددا في المجلس النيابي، متذرعّة بأن المواد التي عدّها المجلس مخالفة (المتعلّقة بدستورية اللجنة ذات الصفة القضائية) تمثل «صلب القانون»، وبالتالي فإن القانون برمته يصبح باطلًا. يقلّل المالكون من أهمية المادة التي طعن بها، متذرعين بأن المجلس الدستوري رد مراجعة الطعن ببقية المواد الأساسية (المتعلّقة بإصدار القانون ونشره وإقراره بمادة وحيدة، ولجهة العدالة الاجتماعية والمساواة والأمان التشريعي والحقوق المكتسبة وحرية التعاقد).
الحقيقة أن هذا «التأويل» هو نتيجة طبيعية لقرار المجلس الدستوري، الذي تصفه بعض المراجع القانونية بـ«المُربك». يقول المحامي ماجد فياض إن قانون الايجارات بمبادئه الاساسية قد أقر ما عدا ما يتعلق بآلية التقاضي، ولكن امكانية تطبيقه تستحيل ما لم يُعاد النظر فيه في المجلس النيابي لجهة تدبير الآلية القانونية المناسبة. ذلك أن القانون في جميع مواده باستثناء ما ذكر مما أبطله المجلس الدستوري يكون ساري المفعول لجهة المبادئ التي تحكم العلاقة التأجيرية بين المالك والمستأجر، والتي تخرج هذه العلاقة من حكم قانون الموجبات والعقود وتجعلها خاضعة للأحكام التي أوردها قانون الإيجارات. وبالتالي، فإن حق المستأجر في البقاء مدة من الزمن، وحقه في دفع بدلات ترتفع تدريجيا، يبقان محكومين بهذا القانون، لا بأحكام قانون الموجبات والعقود.
الا ان العقبة الاساسية التي ستحول دون تطبيقه، وفق فياض، هي ان ما ابطله المجلس يتناول آلية التقاضي نفسها، بحيث يستحيل تطبيق القانون من خلال اللجوء الى القاضي المنفرد للايجارات، كما «زعمت بعض الآراء»، لأنه وان كان جائزا اللجوء الى القاضي المنفرد الناظر في قضايا الإيجارات، عملا بقانون أصول المحاكمات المدنية، وعلى الرغم من أنه يستطيع أن ينظر بالدعوى بحكم ما خوله اياه القانون، الا انه في المقابل لن يستطيع أن يبت ما يثار أمامه حتى ولو شاء تطبيق هذا القانون، لأنه سيجد أن أحكامه مترابطة بعضها ببعض، اضافة الى أن الحقوق المعطاة للمستأجر بموجب هذا القانون، التي تبيح له أن يلجأ الى اللجنة (التي أبطل مجلس الدستوري وجودها)، بات محروما اللجوء اليها، وبالتالي انتقص حق الدفاع لديه كما انتقصت الضمانات المالية والقانونية التي أراد المشرع أن يعطيه إياها من قانون الايجارات.
فيما يرى المحامي بول مرقص أن هذا القانون «تشوبه عيوب كثيرة في الصياغة، وتنقصه الخطة الإسكانية التي كان من المفترض أن ترافقه»، لافتًا الى أن أعضاء المجلس الدستوري الثلاثة الذين سجلوا مخالفتهم (انطوان مسرّة وصلاح مخيبر ومحمد بسام مرتضى) لم يخالفوا قرار المجلس الدستوري برمته، بل اقتصرت مخالفتهم على إبطال أحكام القانون. الأمر الذي يعني وفق مرقص «تأكيدهم على مبدأ دستورية القانون».
وبالتالي، فإن القانون الجديد بحسب مرقص «سيطبّق مع انقضاء الأشهر الخمسة الباقية لنفاذه أي بتاريخ 28 كانون الأول 2014. بما فيه التعديل الذي قد يُدخل عليه من مجلس النواب تصويباً للأحكام موضوع الإبطال المقضي به من المجلس الدستوري، على اعتبار أن نفاذ القانون يكون بعد ستة أشهر على نشره، وقد مضى على النشر نحو شهر، ما يجعل القانون واجب التطبيق بعد انقضاء نحو 5 أشهر من اليوم».
بين هذين الرأيين، يقف المستأجرون والمالكون في حيرة من أمرهم، فأي اجتهاد هو الصحيح؟ الاعتقاد الشائع ان اعضاء المجلس الدستوري اختاروا الالتباس في قرارهم، ربما بهدف نزع اي مسؤولية عن عاتقهم ورميها على من يتلقفها. المشكلة اننا في دولة لا يتلقف فيها احد المسؤولية.

الكرة في ملعب مجلس النواب

يقول أحد أعضاء المجلس الدستوري، إن إبطال بعض مواد قانون الإيجارات، الذي أقرّه مجلس النواب، سيطرح إشكالية أساسية؛ ففيما بات على مجلس النواب أن يعيد صياغة المواد القانونية، التي ردّها المجلس الدستوري، ليس واضحاً ما إذا كان القضاء العادي سيؤدي دوراً في بت النزاعات المتعلقة بهذا الأمر، قبل إنهاء مجلس النواب صياغته لهذه البنود، أم أنه سينتظر مجلس النواب حتى ينهي تعديلاته على البنود المردودة .
الخطوة التي قام بها المجلس الدستوري لجهة إبطال مواد معينّة، المحصورة في كيفية بت النزاعات حول تخمين بدل المثل الذي يحق للمستأجر (التعويض المالي المحتسب على أساس قيمة التخمين)، تثير بطبيعتها اشكاليات كبرى لا اجوبة حاسمة عنها، لا بل يشير عضو المجلس، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن المواد التي وافق عليها المجلس الدستوري أصبحت نافذة، إذا كانت قابلة للتطبيق، أما القضايا التي تتعلق بمواد غير قابلة للتطبيق، مثل «تخمين بدل المثل»، فلا يمكن تطبيقها قبل أن يعيد مجلس النواب تعديلها وصياغتها، بما يتلاءم مع الدستور. غير أنه في هذه الحالة سيبقى السؤال المطروح قائماً: هل يتولّى القضاء العادي الاجتهاد في حل النزاع الذي قد ينشأ بين المالك والمستأجر؟
خلفية هذه الإشكالية تأتي، بحسب عضو المجلس الدستوري، من كون هذا القانون جاء في إطار معالجة مشكلة عمرها أكثر من 70 سنة، ولم يدرسها مجلس النواب كلّه، بل تولى دراستها بضعة نواب في اللجان النيابية. والأسوأ من ذلك، أن «مجلس النواب وافق عليها بمادة وحيدة بلا مقدّمات». وعندما طُعن بهذا القانون أمام المجلس الدستوري وابطلت مواد قانونية، عنى هذا أن «الكرة أصبحت في ملعب مجلس النواب».
ولا يوافق عضو المجلس على أن القرار مسيس، بل يلمح إلى كونه قراراً دستورياً يعيد تنظيم العلاقة بين السلطة السياسية والمجلس الدستوري. فهذا الأخير أدى واجبه بالنظر في كيفية تطبيق القوانين، وارتأى أن هناك أمورا تحتاج إلى التوضيح، لأن هذا القانون يمسّ عددا كبيرا من اللبنانيين، ويجب أن يكون تطبيقه واضحاً.