Site icon IMLebanon

مع أبواق الحرب، تتفوق الجغرافيا السياسية على التمويل …رادار المستثمرين يرصد المخاطر على السوق

FinancialTimes

جيمس ماكينتوش

من الصعب فتح التلفزيون دون مشاهدة ما يذكرك بصورة مروعة بأخطار الحرب، سواء كان ذلك في أوكرانيا أو العراق أو مرور مائة عام على الحرب التي أطلق عليها مع الأسف اسم: “حرب لإنهاء كل الحروب”، أي الحرب العالمية الأولى.
لقد أدرك المستثمرون هذا الأسبوع على المخاطر، حيث زادت عقوبات استراتيجية الصاع بالصاع من روسيا، من الضغوط على اقتصاد أوروبا. مع دخول إيطاليا الركود الثالث خلال سبع سنوات، لا تعد المنطقة بيئة ملائمة للصمود أمام الصدمات.
أخذت الأسهم والسندات الأمر على نحو سيئ: دخلت أسهم منطقة اليورو منطقة التصحيح، بانخفاض بلغ أكثر من 10 في المائة من أعلى مستوى لها في حزيران (يونيو).
ونجا مؤشر فاينانشيال تايمز 100 بصورة طفيفة، ما أدى إلى انخفاضه بما يزيد قليلاً على 5 في المائة من الذروة الأخيرة، وذلك قبل الاندفاع الذي حل عصراً والذي استثاره القصف الأمريكي في العراق، الأمر الذي ساعد على خفض أسعار النفط. الأسهم الأمريكية، التي تعتبر أقل تعرضاً للتعاملات مع روسيا، شهدت حتى انخفاضاً أقل.
وانخفضت عائدات السندات الألمانية بالطريقة نفسها، مع انخفاض السندات لأجل عشر سنوات إلى ما هو فوق 1 في المائة، وهبوط السندات لأجل سنتين إلى ما دون الصفر. ينبغي على المستثمرين مرة أخرى الدفع لامتلاك السندات الألمانية قصيرة الأجل.
وسط الكآبة التي تحيط بالعوامل الجيوسياسية، هناك تهديد أقل منطقية يجب على المستثمرين النظر فيه: وهو السياسة النقدية الأمريكية.
لقد بدأت الأسواق التفكير في مسألة ماذا يحدث عندما ينتهي مجلس الاحتياطي الفيدرالي من شراء السندات. إنه يسير على الطريق المؤدي إلى الانتهاء من ذلك في تشرين الأول (أكتوبر) أو كانون الأول (ديسمبر)، والكثير من المال يعتمد على ما إذا كانت نهاية التيسير الكمي ستمثل بداية لدورة جديدة من رفع أسعار الفائدة. لقد كانت الأسواق مفرطة الحساسية حول الاقتراحات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يرفع أسعار الفائدة في وقت أسبق مما كان متوقعاً.
وكانت “موجة الانسحاب التدريجي المثيرة للمشاكل” في العام الماضي تدور حول المخاوف من ارتفاع أسعار الفائدة أكثر من كونها تتعلق بالانخفاض التدريجي لمشتريات السندات، كما أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي – مثل بنك إنجلترا – كان يحاول إقناع حاملي السندات، أنه حتى عندما ترتفع أسعار الفائدة، فإنها لن ترتفع بالقدر الذي كانت عليه في الماضي.
يحتاج المستثمرون لثلاث وجهات النظر حول السياسة النقدية. أولاً: ما هو تأثير إنهاء التيسير الكمي؟ ثانياً: كم المدة التي سينتظرها “الاحتياطي الفيدرالي” لرفع أسعار الفائدة فوق الصفر؟ ثالثاً، إذا كانت دورة الأسعار الجديدة وشيكة، ماذا سيحدث للأسهم؟

الأسئلة الثلاثة…مترابطة
ارتفعت توقعات تشديد السياسة في الشهر الماضي، حيث إن أسواق العقود الآجلة وضعت قبل أسبوع احتمالات رفع الفائدة بحلول حزيران (يونيو المقبل) بأنه في حدود 50-50. منذ ذلك الحين، انخفض الاحتمال، على الرغم من أن عدة تقارير اقتصادية أقوى من المتوقع عززت الآمال بالنمو.
انتقل مقياس سيتي جروب، الذي يشير إلى المدى الذي وصلت فيه البيانات الاقتصادية، مرة أخرى بتوقعاته إلى المنطقة الإيجابية للمرة الأولى منذ أيار (مايو)، وأصبح الاقتصاديون أكثر تفاؤلاً. ووفقاً لمؤسسة Consensus Economics فقد ارتفع متوسط التنبؤ بالنمو لهذا العام من 1.6 إلى نحو 2.1 في المائة خلال شهر.
لا ترى سوق السندات أموراً مريحة بالنسبة إليها. المستثمرون يطالبون بعلاوات أقل من أجل امتلاك السندات الطويلة الأجل مقارنة بالسندات قصيرة الأجل – وهو ما يعني بلغة السندات تفلطح منحنى العائد. هذا ما نراه يحدث طيلة العام، وهو بالمعدلات التقليدية علامة على احتمال إبطاء الاحتياطي الفيدرالي للاقتصاد، وانخفاض النمو على المدى الطويل.
هناك تفسير آخر لذلك، أساسه فكرة النهاية الوشيكة للتيسير الكمي. في حال تساوي جميع العوامل الأخرى، ينبغي أن تؤدي عملية شراء “الاحتياطي الفيدرالي” للسندات إلى الدفع باتجاه هبوط العوائد. في الواقع، ما حدث هو العكس في جميع الحالات الثلاث من التيسير الكمي، وربما بسبب أن تأثير عملية شراء “الاحتياطي الفيدرالي” للسندات وقع تحت ثقل دعم المعنويات التي ولّدها. دخل المستثمرون في المزيد من المخاطر، وباعوا السندات. كانت النتيجة واضحة في زيادة العوائد، وكذلك في منحنى العائد الذي يعتبر أكثر حدة. وعلى خلاف المتوقع، كلما اشترى مجلس الاحتياطي الفيدرالي المزيد من السندات طويلة الأجل، ترتفع العائدات على السندات طويلة الأجل حتى أسرع من تلك التي على السندات قصيرة الأجل.
حدث الشيء نفسه منذ أن أشار الانخفاض إلى أن نهاية الجولة الثالثة من التيسير الكمي أصبحت وشيكة. وفي الوقت الذي خفض فيه “الاحتياطي الفيدرالي” المشتريات، أصبح المستثمرون أكثر حذراً. هذا لا يبشر بالخير بالنسبة للأشهر القليلة المقبلة، حيث تقترب نهاية شراء مجلس الاحتياطي الفيدرالي للسندات.
ماذا عن الأسهم؟ حسناً، عانت هي أيضاً بعد انتهاء الجولتين الأولى والثانية من التيسير الكمي. وقد صمدت بصورة أفضل هذا العام، ولكن هبوط عوائد السندات لا يوحي بأي نوع من الثقة بالنمو الذي يصاحب عادة ارتفاع الأسهم.
يجب أن يكون الأمل بأن أسواق السندات تعتبر حذرة للغاية، ولكن بما أن الاقتصاد الأقوى يؤدي إلى أسعار فائدة أعلى، فماذا عن الأسهم؟
إن بداية دورتي الأسعار الأخيرتين في عامي 1994 و2004 أثبتتا أنهما أوقات مناسبة للشراء (رغم أن الأسهم استغرقت عاماً للتعافي من الصدمة في عام 1994). في كلتا الحالتين، كانت أسعار الأسهم عالية جداً – في حالة عام 2004، وحتى أكثر من الآن.
وأثبتت التقييمات الضخمة أنها مبررة لعدة سنوات في الوقت الذي كانت تتطور فيه فقاعة التسعينيات، ومرة أخرى في القرن الحالي حيث انتشر النمو الاقتصادي الذي تغذيه الديون على شكل زيادة الإيرادات.
الحجة الداعية إلى التفاؤل حول الأسهم تتكرر الآن، حيث إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يفي الآن بوعده، بالحفاظ على أسعار فائدة أقل مما ستكون عليه في حالة الانتعاش العادي.
الحُجة الداعية إلى التشاؤم هي أن الإفلاس الذي أعقب في نهاية المطاف الطفرتين كلتيهما أقرب بكثير الآن مما كان عليه في ذلك الحين، حيث شجعت سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة المستثمرين على الدخول في رهانات، لا تكون مستدامة إلا مع المال السهل. عندما تنطلق أبواق الحرب، تتفوق الجغرافيا السياسية على التمويل. وفي بقية الأوقات، عليك أن تقلق بشأن السياسة النقدية.