IMLebanon

العراق: مفتاح الحل في الاقتصادات الجديدة

Joumhouriya-Leb

“جو سرّوع”

التهميش المذهبي الذي ساد خلال حكم البعث وما رافقه من إقصاء وما شهده من عنف مذهبي وعرقي، وما أعقبه من إدارة أميركية سيئة للعراق في مختلف مكوّناتها المدنية والعسكرية والأمنية وحتى الانمائية، وإن كانت مرحلية، تمثّلت بسياسة اجتثاث البعث وتغيير النظام بعناوين ديموقراطية عريضة أتت الى السلطة بحكومة المالكي التي سرعان ما انزلقت الى سياسة إقصاء وتهميش سياسي ومذهبي واسعة أنتجت دوامة من العنف والعنف المضاد، والذي تصاعد في فترة حكم المالكي الثانية على التوالي بشكل مضطرد وسط احتجاجات مذهبية واسعة قوبلت بتصَلّب سياسي شديد مدعوم بقمع عسكري واسع وقاس، وتعمّقت هذه الاحتجاجات بانتخابات برلمانية مشكوك بنزاهتها أعطَت المالكي أكثرية برلمانية زادت من تشدّده وإصراره على ولاية ثالثة على رأس السلطة التنفيذية مهما كلّف الأمر.

في المحصّلة إنّ الظروف الآنفة الذكر التي مررتُ عليها بإيجاز مطلق قد وَلّدت الأحداث الأخيرة غير المسبوقة والمتسارعة التي تعصف بالعراق وتتمثّل باجتياحات واسعة تحت لواء «داعش» انطلاقاً من الموصل الى صلاح الدين وغيرها، تسارعت من جهة بدعم من قبل خلايا سنية واسعة التمثيل ومكتملة التجهيز، ومن جهة أخرى بتخَلّي أفواج كبيرة من الجيش العراقي عن المواجهة.

من الحكمة الآن، وبعد مرور ما يزيد عن الثلاث السنوات من عمر الربيع العربي، أن نقسّم دول هذا الربيع الى مجموعتين: الاولى تضمّ مصر وتونس، والثانية تضمّ ليبيا وسوريا واليمن. المجموعة الاولى شهدت صراعاً على السلطة رافقته بعض الأحداث الامنية تفاوتت حدّتها بين مصر وتونس.

شهدت مصر وصول الأخوان المسلمين الى السلطة واخراجهم منها بفعل ضغط شعبي مَهّد لانتخاب المشير عبد السلام السيسي على رأس الجمهورية المصرية. أمّا تونس فقد أطاحَت بحكم بن علي بواسطة حراك شعبي شامل أوصلَ الإخوان المسلمين إلى السلطة، ولكن ما لبثوا أن وافقوا بعد مخاض عسير على مشاركتها مع قوى سياسية أخرى في البلد.

الدولتان تشهدان أحداث عنف على قدر مقلق من الخطورة في مصر، وعلى وتيرة أقل خطورة نسبيّاً في تونس. في حين توصّلتا الى اعتماد خارطة طريق وتنفيذها، وهي تهدف الى ارساء مبادىء وأسس ديموقراطية لحكم البلاد وتداول السلطة في ظلّ أوضاع اقتصادية صعبة وتحديات معيشية كبرى. أمّا باقي دول الربيع العربي (اليمن، ليبيا، سوريا) فتشهد أحداثاً أمنية خطيرة تُنذر بعواقب مصيريّة على جميع الصعد، بما فيها وحدة البلاد الإنسانية والجغرافية.

أضف الى كل هذا الأفق المسدود قضيّة العرب الكبرى فلسطين بكلّ مآسيها وضريبة الدم التي يدفعها الشعب الفلسطيني بكل فئاته يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة وقرناً بعد قرن، ما يفجّر الإحتقان الفلسطيني شعباً ومقاومة بين الفينة والأخرى، وآخرها ما تشهده غزة العنفوان والكرامة من قتل بأقصى الحقد من دون تفرقة بين رضيع وفتى وشيخ وامرأة، ما يجعل من هذه القضية المحور الذي دارت في فلكه وعلى امتداد تاريخه معظم السياسات العربيّة بجميع تجاذباتها وتعقيداتها وتشعباتها الاقليمية والدولية، من دون أن يكون لهذه السياسات أيّ مردود إيجابي بالمفهوم الضيّق والواسع، إن لم يكن سلبياً، على قضية فلسطين أو على الحالة الفلسطنية الاقتصادية والانسانية.

يعتبر العراق من الدول العربية التي تتمتع بثروات نفطية هائلة وموارد أخرى اقتصادية متنوّعة هامة واحتياجات نمو وتنمية مختلفة الجوانب وبالغة التكاليف على المدى القصير والمتوسط والطويل.

من هذا المنطلق كانت الحرب الأميركية على العراق في العام 1990 تاريخ انطلاق الحرب المكشوفة والمفتوحة في العراق على حنفيات العالم العربي الثلاث: (1) البترول (2) البترو دولار (3) توفير «طلبات» وحاجات العالم العربي الاستهلاكية والتنموية والعسكرية. وتواصَلت بحرب أسلحة الدمار الشامل التي أوصلت مجرياتها إلى العراق الذي نشهده اليوم.

إنّ جميع القوى الخارجية المتحالفة والمتصارعة بالوكالة أو بالأصالة في الداخل لديها مصالح أساسيّة وهيكليّة في هذه الدولة العربية الهامّة، كما تسعى كل واحدة منها كي تستأثر، لا بل تحتكر، الكَمّ الأكبر والأهم من المنافع.

وفي سبيل هذا اعتمدت كل منها، منفردة أو أحياناً متحالفة، طرقاً وأساليب أقلّ ما يمكن أن يقال فيها إنها ميكيافلية مطلقة، تمكّنت بواسطتها من الوصول على بعض المواقع وتحقيق بعض النتائج. ولكن لا هذه المواقع ولا تلك النتائج يمكن ان تعتبر مقبولة إن من جهة ما هو مأمول، أو من جهة الفرَص الواعدة والمجزية الذي يقدّمها العراق آنياً واستراتيجياً.

بالتأكيد ما يُقال عن العراق في هذا المجال ينسحب بنسَب متفاوتة على باقي دول المنطقة العربية، وفقاً لأهميّتها الاستراتيجيّة. إنطلاقاً من ذلك يتّخذ الصراع على الثروات مسلكاً دموياً كما أوردنا سابقاً في بعض دول الربيع العربي. أمّا في باقي الدول العربية التي تتمتع بثروات طبيعية فهو يتّخذ مسلكاً سياسياً متعدد الأطراف.

وفي مطلق الأحوال إنّ التمادي في هذا الصراع بشقّيه العسكري والسياسي، سينال من هذه الثروات وسيقلّص مردودها ويزيد من امكانية إهدارها بما يُنذر بتداعيات بالغة الخطورة على الاستقرار الأمني والاقتصادي، وبالتالي سيضاعف من مشاكل هذه الدول الاجتماعية والمعيشية. كما انّ هذا الصراع يختزن في طيّاته تهديدات جيو سياسية ستنسحب سلباً على مصالح الجميع من دون استثناء، وتزيد التطرّف تطرّفاً، والتشدّد تشدّداً.