كامل صالح
بعيدا من دخان الإطارات المشتعلة، وقطع الطرق أمام «مؤسسة كهرباء لبنان» ووزارة الطاقة والمياه، وما سببته من زحمة سير خانقة دامت ساعات أمس، علمت «السفير» أن ملف المراكز الشاغرة في ملاك «مؤسسة كهرباء لبنان»، لم يصل إلى مجلس الخدمة المدنية، وإن وصل إلى المجلس «فلا يمكن تنفيذه لمخالفته الصريحة لقانون تثبيت المياومين وجباة الاكراء في ملاك المؤسسة وفق مباراة محصورة، الذي أقرّه مجلس النواب في شهر نيسان الماضي».
وتؤكد مصادر متابعة للملف لـ«السفير» أن «الملف الذي أرسله مجلس إدارة المؤسسة إلى وزارة «الوصاية» الطاقة والمياه، يتضمن أكثر من مخالفة صريحة للقانون، ونية مبيتة بهدف التخلص من المياومين بحجة المباراة المحصورة»، مضيفة «وإذا أرسل إلى مجلس الخدمة، لا يعني هذا في حال من الأحوال، أنه سيصبح قابلا للتنفيذ، فالمخالفة قائمة وأصحاب العلاقة يمكنهم الاعتراض وإبطال الملف».
تفسير خاطئ
وتلفت هذه المصادر الانتباه إلى أنه من ضمن المخالفات التي يمكن إيجازها، أن هناك تفسيرا خاطئا من قبل إدارة الكهرباء لما ورد في نص قانون المياومين 287 تاريخ 30/4/2014، الذي أجاز للمؤسسة في المادة الأولى منه «ملء المراكز الشاغرة في ملاكها لوظائف إدارية وفنية بحسب حاجاتها في المديريات كافة من دون استثناء، بما فيها مديريتا التوزيع، وذلك عن طريق مباراة محصورة»، ومن ذلك:
أولا: «ان إدارة الكهرباء حددت في ملفها إجراء المباراة المحصورة لملء الشواغر في جزء من ملاكها، وليس كل ملاكها كما ينصّ القانون».
ثانيا: «تلحظ اللوائح الرسمية أن عدد المياومين يبلغ حوالي 1800 مياوم يشغلون وظائف في المؤسسة، ما يعني أن إدارة المؤسسة ملزمة بأن تشمل هذه الوظائف في ملفها، لا أن تحددها بـ897 مركزا، إذ كيف يمكن تفسير إجراء مباراة محصورة لـ1800 مياوم يشغلون وظائف في الكهرباء لملء 897 مركزا، فهذا تحايل فاضح على القانون!».
ثالثا: «تعمل شركات مقدمي خدمات التوزيع لمصلحة مؤسسة الكهرباء، يعني أن المراكز التي يشغلها الموظفون لديها، يجب أن تحتسب ضمن المراكز الشاغرة في المؤسسة».
ثغرة «حسب حاجاتها»
وإذ تكتفي هذه المصادر بهذه الملاحظات المبدئية على ملف الكهرباء، يفيد رئيس «لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه» النائب محمد قباني بأن «عدد الشواغر في كهرباء لبنان هو أكثر من ألفي مركز»، كاشفا عن «وجود تلاعب في مسألة الفئات».
ويقول قباني لـ«السفير»: «لم أكن مرتاحا للقانون الذي أقرّه مجلس النواب في نيسان الماضي، لا سيما لناحية ترك مؤسسة كهرباء لبنان أن تحدد الشواغر بحسب حاجاتها»، مضيفا ان «هذه الثغرة هي التي دخلت منها إدارة المؤسسة لتحديد عدد 897 مركزا شاغرا».
ويوضح أن «مشروع قانون المياومين السابق كان مختلفاً، ولم يكن ليترك هذه الثغرة كي تتحكم من خلالها إدارة الكهرباء بعدد المراكز الشاغرة».
وفي ما يتعلق بدور مجلس الخدمة المدنية، يوضح قباني أن «دور المجلس تنفيذي، ويمكنه إذا استلم ملف الكهرباء، أن يعيده إلى وزارة الوصاية بناء لطلبها، أو بناء لقرار صادر عن مجلس الوزراء».
الإمكانية وتوافر الحاجة
أمام هذا الوضع، يوضح وزير الطاقة والمياه أرتور نظريان لـ«السفير» أنه «وقّع الملف المرسل من الكهرباء إلى مجلس الخدمة المدنية، وحوّله إلى مديرية الاستثمار في الوزارة»، كاشفا أنه «اجتمع مع المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك، الذي أوضح له أن تحديد الشواغر بـ897 مركزا جاء تنفيذا لما ورد في القانون حول حاجة المؤسسة، وقد وافق عليه جميع المديرين في المؤسسة من دون استثناء، انطلاقا من مبدأ وجود إمكانية مع توافر الحاجة».
وفي ما يتعلق بلقائه مع وفد من المياومين أمس، يقول نظريان لـ«السفير»: «أخبرتهم أنني أطبق ما يقرّه القانون، وإذا كان لديهم أي اعتراض، أو يتهمون أحدا معينا بالتلاعب بعدد المراكز الشاغرة، فليقدموا لي ذلك خطيّاً لا شفهيّاً».
وبعد أن يؤكد أن «لا غايات سياسية في الملف»، يشير إلى أنه «يتعاطى مع الملف من منطلق إداري واحترام تنفيذ القوانين»، مضيفا «إذا كان هناك اعتراض على القانون فلا يكون في الشارع، بل يطلب من النواب أن يعدوا قانونا آخر يلحظ المطالب، ويطرح للتصويت في المجلس».
ويلحظ نظريان أن «العقد مع شركات مقدمي الخدمات ينتهي بعد حوالي سنتين، وإذا لم يجدّده مجلس الوزراء، يقدم مشروع قانون إلى مجلس النواب، لاستيعاب عمّال هذه الشركات في مؤسسة كهرباء لبنان وفق مباراة محصورة ووفق حاجاتها».
ويخلص نظريان قائلا لـ«السفير»: «أتفهم الوضع الاجتماعي الصعب للمياومين، لكن الحل لا يكون عبر إطلاق التهديدات وحرق الاطارات وإقفال أبواب مؤسسة عامة في وجه الناس، بل التوجه إلى النواب الذين وضعوا القانون، ليقدموا اقتراحا بتعديل البنود التي فيها غبن بحقوق المياومين».
جلسة استثنائية
في موازاة ذلك، عقد مجلس إدارة «مؤسسة كهرباء لبنان» جلسة استثنائية بحضور المديرين كافة، وبعض رؤساء المصالح في «معمل الذوق الحراري»، وذلك «لتعذر الدخول إلى المبنى المركزي»، وفق ما جاء في بيان صادر عن المجتمعين أمس. واتخذ المجلس العديد من القرارات منها: «أخذ العلم بكتاب مديري المؤسسة الموجّه إلى رئيس مجلس الادارة المدير العام في 11/8/2014 تحت عنوان: منعنا وباقي المستخدمين من الدخول إلى المبنى المركزي للمؤسسة. التأكيد بأن قرار مجلس الإدارة رقم 360-36/2014 تاريخ 6/8/2014 جاء تطبيقا للقانون رقم 287 تاريخ 30/4/2014 ولكتاب مجلس الخدمة المدنية رقم 1565/2014 تاريخ 27/6/2014، وبأن الـ897 مستخدما الذين حددت المؤسسة حاجتها إليهم، هم من عمال غب الطلب وجباة الإكراء في المؤسسة حصريا، ولا علاقة لعمال غب الطلب وجباة الإكراء في القاديشا بذلك».
وقرر المجتمعون إبلاغ وزيري الطاقة والمال ومجلس الخدمة وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي، بأنه «في حال الاستمرار بإقفال مداخل المبنى المركزي وبعض الدوائر في ظل عدم تدخل القوى الأمنية لوضع الأمور في نصابها، فإن المؤسسة ترفع مسؤوليتها عن أي ضرر قد يلحق بالمبنى المركزي للمؤسسة وبأي مركز آخر، كون هذه المراكز تضم مستندات وأموالاً بمليارات الليرات، وتحتفظ المؤسسة بحقها في الادعاء على الأشخاص المعنيين إذا ثبت وقوع أي حادث تخريبي أو تلف أو سرقة لأي منها».
وبعدما لوّح المجتمعون بأن «استمرار إقفال المؤسسة على هذا الشكل»، سيؤدي إلى «عدم القدرة على الاستمرار بتأمين التيار الكهربائي للمواطنين»، طالبوا «مصلحة القضايا والشؤون القانونية»، بـ«الادعاء الشخصي، بالاسم على كل من شهّر في الإعلام بإدارة المؤسسة ومديريها، وكل من ساهم في إقفال أبواب المؤسسة، وإحداث ضرر بالمحتويات الموجودة في دوائرها».
وقرّر المجتمعون أيضا «إبلاغ شركات مقدمي الخدمات بأن العمّال الذين يقومون بأعمال الشغب وإقفال المؤسسة حالياً هم تابعون لها، والطلب إليها اتخاذ الإجراءات المناسبة بحقهم إذا لزم الأمر».
في بيان آخر أمس، أعلنت المؤسسة أن «ما حذرت منه سابقا في ما يتعلق بالتحركات التي يقوم بها عمال غب الطلب وجباة الإكراء سابقا في المؤسسة، والعاملون حاليا لدى شركات مقدمي الخدمات، قد حصل فعلا الثلاثاء الواقع فيه 12/8/2014 في دائرة عاليه، حيث أقدمت العاملة ر.غ في مكتب الزبائن على الاستيلاء على دفتر الشعب التسلسلي ودفتر سجل الغرف، وأخفتهما بالتواطؤ مع العاملة م.م.، ما أدى إلى تعطيل العمل في الدائرة كلياً»، وأضافت «كما تفوّه بعض هؤلاء العمال بكلام ناب بحق مستخدمي المؤسسة في هذه الدائرة. وإزاء ذلك، ستقوم إدارة المؤسسة بالادعاء على العاملتين المذكورتين أمام القضاء المختص وفق ما تنص عليه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء».
مسيرة وإطارات وخيم
في العودة إلى تحرك المياومين الاحتجاجي أمس، كانت قد تسارعت الخطوات التصعيدية منذ ساعات الصباح، إذ بعد التجمع في المبنى المركزي، انطلقت مسيرة إلى مقر وزارة الطاقة، وبعدما لم يسفر لقاء وفد المياومين مع وزير الطاقة عن أي نتيجة ايجابية، قطع المياومون الطريق بالإطارات المشتعلة أمام الوزارة، ومن ثم أمام مؤسسة الكهرباء على المسلكين، مطالبين «باسترداد ملف الكهرباء، وتثبيت جميع المياومين وفق ما نص عليه القانون». كما دعوا القوى الأمنية إلى «حماية تحركهم الاحتجاجي من المندسين».
وتشدد مصادر «لجنة المياومين وجباة الاكراء في مؤسسة كهرباء لبنان» عبر «السفير» على أن «المؤامرة التي تحاك ضدهم لن تمر»، معلنة «الاستمرار بالإضراب المفتوح والاعتصام، ونصب الخيم اليوم الأربعاء في مقر المؤسسة والدوائر في المناطق، وإلى وقفة يوم الاثنين المقبل أمام مبنى مجلس الخدمة المدنية منعا لتطبيق المذكرة».
وتلفت مصادر اللجنة الانتباه إلى أن «الاعتصام المركزي أمام وزارة الطاقة، وبحضور المياومين من المناطق كافة، هو لإيصال رسالة إلى وزير الطاقة وكل المعنيين، بأن مذكرة الكهرباء التي صدرت مجزرة بحق العمال وهي مخالفة للقانون»، مطالبة «ديوان المحاسبة وكل المختصين بالمراقبة بأن يأتوا إلى المؤسسة لمراقبة الفساد ورصده»، كاشفة عن أن «بعض المتآمرين لا يزالون يتعاملون مع المياومين بالكيدية السابقة».
في سياق متصل، جدد «مجلس نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان» اثر اجتماعه أمس، «التأكيد على الأطراف السياسية كافة التي كانت وراء قانون تثبيت المياومين وجباة الاكراء، تحمل مسؤولياتها تجاه ما شاب هذا القانون من شوائب، وفي مقدمها ترفيع ملاك المؤسسة وملء المراكز الشاغرة بالعودة عن خطئهم وتصحيح المسار».