إيفا الشوفي
الأرقام والنظريات العلمية، على الرغم من أهميتها، لا تلمس فعلاً حجم المعاناة، كما وصفتها إحدى الفلسطينيات بحزن شديد «نحن نُذبح يومياً داخل المخيمات والتجمعات من الناحية الاقتصادية والاجتماعية». في ظل غياب الخدمات الحضرية الأساسية عنها، وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من أبسط حقوقهم المدنية، تُعتبر التجمعات الفلسطينية البالغ عددها 42 من بين المجتمعات المضيفة الأكثر تهميشاً في لبنان.
تستضيف هذه التجمعات 110 آلاف لاجئ فلسطيني من سكانها الأصليين، إضافة إلى 30 ألف فلسطيني لجأوا من سوريا بعد الأزمة، ما يعني زيادة سكانية بنسبة 28 في المئة. هذه الزيادة انعكست ضغطاً غير مسبوق على البيئة الحضرية والحياتية لهذه التجمعات وعلى الموارد الضئيلة المتوفرة فيها، ما أدّى إلى زيادة حجم التوترات داخلها وتعزيز المنافسة على الموارد بين اللبنانيين والفلسطينيين. تختلف التجمعات التي شملتها الدراسة عن المخيمات المعروفة للفلسطينيين، فالتجمعات هي أحياء تقع جغرافياً خارج المخيمات الرسمية ولا يستفيد اللاجئون المقيمون داخلها من الخدمات التي تقدمها الأونروا التي تعمل حسب تفويضها داخل المخيمات الرسمية فقط.
تعكس الدراسة نتائج متوقعة بسبب غياب استراتيجية واضحة من قبل الدولة لإدارة قضية اللاجئين. السبب في ذلك ليس عجز الدولة عن وضع استراتيجيات كهذه، وإنّما عدم رغبتها في بناء واقع سليم يحتضن اللاجئين والهدف من ذلك واضح: إبقاء التنافس على الموارد والخدمات الأساسية قائم بين فقراء لبنان واللاجئين الفلسطينيين الذين تبلغ نسبة الفقر في أوساطهم 65 في المئة. ما يؤكّد ذلك هو واقع التجمعات الفلسطينية واللبنانية على حد سواء، الذين يعانون من شعور بالإقصاء الاجتماعي والحرمان الاقتصادي ناجم عن وجودهم بالقرب من المراكز المدنية الغنية، حيث تقدّم أفضل الخدمات. الفارق الوحيد هو العلاقة مع السلطات المحلية، أي البلديات، إذ إنه في حال توافر الموارد اللازمة للبلديات، فإنها تعطيها للمناطق التي تنتخبها والتي لا تدخل التجمعات الفلسطينية في نطاقها، ما يجعل هذه التجمعات خارج اهتمامات البلديات و«الأونروا». من هنا ركّز المجتمعون على تنمية سبل التعاون مع السلطات المحلية ودور البلديات في التدخّل لتنمية هذه التجمعات في إطار التنمية المستدامة، إلى حد دمجها في البلديات. هذا لا يمكن أن يحصل برأي الحاضرين إلا بإحدى آليتين: إمّا أن تتدخل الحكومة لدى البلديات من أجل إنماء هذه التجمعات، أو من خلال اشتراط الجهات الدولية التي تمنح المساعدات للبلديات إشراك التجمعات الفلسطينية في مشاريع الإنماء.
اللاجئون، فلسطينيون وسوريون، يؤثرون على المناطق الفقيرة التي يسكنون فيها، ما يعزز «جغرافيا الإقصاء والحرمان» التي تنتهجها الدولة. هذا ما يؤكده تصريح منسق الأمم المتحدة في لبنان بالإنابة روس ماونتن بأنّ «العدد الأكبر من اللاجئين السوريين موجود في مناطق وبلدات يسكنها العدد الأكبر من اللبنانيين الذين يعانون الفقر. إذ تبيّن أن 242 بلدة تستضيف 90 في المئة من اللاجئين، تسكنها نسبة 70 في المئة من الفقراء في لبنان».
يقع العدد الأكبر من التجمعات في صيدا (14 تجمعاً)، تليها صور (12 تجمعاً) والشمال في المرتبة الثالثة (8 تجمعات)، أمّا بيروت والبقاع فيضمان 4 تجمعات في كل منهما. تناولت الدراسة أزمة الإسكان التي يعانيها اللاجئون والمتمثلة بانعدام الاستقرار، إذ يمكن طردهم من بيوتهم في أي لحظة لأن 22% منهم يقيمون على أراض عامة من دون إذن السلطات، أما 19% فيقيمون بإذن من المالكين. معظم هذه المساكن تحتاج إلى إعادة تأهيل وتجهيز. أظهرت الأرقام أن ثلث سكان التجمعات يستفيد فقط من الخدمات المدنية الأساسية، بينما لا يحصل عليها الآخرون، وقد ازداد الضغط على هذه الخدمات مع تدفق اللاجئين الفلسطينيين من سوريا. أمّا الخدمات التربوية فهي لا تشمل ثلثي التجمعات، حيث لا يوجد مدارس سوى في المخيمات، إضافة إلى الاكتظاظ الكبير في الصفوف. الجزء الأخير من الدراسة تحدّث عن الدخل والفقر وسوق العمل. هذا الجزء يشكّل جوهر المشكلة التي تمنع الفلسطينيين في لبنان من الدخول في عملية الحراك الاجتماعي بسبب غياب الفرص التي تحقق هذا الهدف. لبنان لم يوقّع على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين (1951)، وبالتالي لا يتمتع هؤلاء بالحقوق المدنية والاقتصادية، كما أنّ تركيبة سوق العمل تحجب معظم الفرص عن الفلسطينيين من أجل كسب مدخول. ما جدوى العلم إذا لم يكن بالإمكان استثماره بالعمل واستثمار العمل بالتملّك؟ إشكالية طرحها المناقشون الذين طالبوا بإعادة النظر في التشريعات والقوانين لإعطاء الفلسطيني حقه الطبيعي في العمل والتملّك، ما يحسّن المستوى المعيشي للكثير من هؤلاء وينعكس بدوره على الواقع الصحي والخدماتي. يعمل معظم اللاجئين الفلسطينيين لحسابهم الخاص في وظائف موسمية، ما يعني عدم وجود دخل ثابت وغياب الاستقرار المالي، ويعتمدون على التحويلات الخارجية كدخل أساسي لهم. ما حدث حالياً داخل هذه التجمعات نتيجة لجوء فلسطينيي سوريا إليها هو ازدياد التنافس على الوظائف التي تتطلب مهارات ضئيلة مثل: البناء، النجارة، التنظيف … هذه المنافسة لا تحصل مع اللبنانيين، وإنما بين الفلسطينيين أنفسهم. المحصلة هي ارتفاع حدّة التوترات داخل التجمعات الفقيرة. الدكتور ساري الحنفي، المشارك في إطلاق الدراسة، انتقد كثرة الأبحاث التي تقوم بها المنظمات حول الفلسطينيين «كلما ازدادت الأبحاث قلّت السياسات»، طالباً من المنظمات أن تسمّي الأشياء بشكل واضح «المانحون لا يحبون انتقاد الحكومة، لا يحبون أن يقولوا إن وزارة العمل تنتهك القانون اللبناني بعدم السماح للفلسطينيين بالعمل».