جون بلندر
في نهاية الشهر الماضي، لم يفاجأ أحد عندما جمع مكتب إدارة السندات في المملكة المتحدة مبلغ 1.2 مليار جنيه استرليني عن طريق المزاد العلني على السندات البريطانية المرتبطة بالمؤشر والمستحقة في عام 2052، وبعائد بنسبة سالب 0.065 في المائة.
بلغ الطلب على الحماية من التضخم من قبل صناديق التقاعد درجة تحول دون أن يردعها العائد السلبي عن الاستثمار. على أن ذلك الخوف من التضخم يلقي بظلاله على الهبوط الأخير في العوائد الاسمية على السندات الحكومية ويضعها في ضوء غريب، على اعتبار أن انخفاض العوائد الاسمية مرتبط تقليدياً بتوقعات انخفاض النمو أو حتى الانكماش.
ما هو لافت للنظر بنفس القدر أن أسعار السلع الأساسية والذهب، وكلها تعتبر من فئات الأصول “الحقيقية” جنباً إلى جنب مع الأوراق المالية المرتبطة بالمؤشرات، قد انخفضت خلال الفترة التي تكون فيها الأسعار المرتبطة بالمؤشرات في ارتفاع.
هذه التقلبات والتنقلات الغريبة في ظاهرها علامة على الطريقة التي لم تعد بها الأسواق مدفوعة بالبحث المباشر من أجل الحصول على عوائد عالية، أو الحاجة إلى المحافظة على رأس المال.
هذه الأيام يصبح أحد الأصول أكثر “حقيقة” إذا كانت لديه خصائص جيدة مطابقة للالتزامات بالمعاشات التقاعدية. في الأيام التي سبقت إطلاق الحكومة البريطانية لأول سندات مرتبطة بمؤشر في عام 1981، كانت السبل الرئيسية للتحوط ضد تأثير التضخم على التزامات المعاشات التقاعدية، تمر عبر امتلاك العقارات أو المعادن الثمينة، ولم يكن أياً من ذلك يعتبر وضعاً جيداً للغاية من حيث الانسجام بين الأصول والعوائد. إن دورها في مكافحة التضخم تضاءل بعد ذلك حين أصبحت سندات دين الحكومة معزولة عن التضخم.
مع ذلك فإن جزءاً من السبب في أن العقارات التجارية في المملكة المتحدة اعتبرت كأداة للتحوط من التضخم، هو أن عقود الإيجار تلك كانت مهندَسَة مالياً. إن إدخال مراجعة الإيجار التصاعدي هي التي أعطت هذه الأصول غير السائلة، عوامل جذب للاستثمارات الضخمة في فترات ارتفاع الأسعار.
الآن تتم إعادة هندستها. إن استعداد محال السوبر ماركت الكبيرة في المملكة المتحدة لأخذ عقود إيجار مرتبطة بمؤشر أسعار التجزئة، يعني أنه يمكن لصناديق المعاشات التقاعدية استخدام العقارات لأغراض مطابقة المطلوبات، في حين أن العقارات التجارية التقليدية، والتي هي هجين ما بين الأسهم والسندات، تذهب إلى القسم المتبقي في المحفظة من الباحثين عن العوائد.
وبما أن عقود الإيجار المرتبطة لديها العائد الأولي الإيجابي، فإنها مطلوبة بطبيعة الحال كبديل عن السندات البريطانية المرتبطة بالمؤشر والمكلفة إلى حد كبير. هذه هي الحال أيضاً مع بعض أصول الملكية البديلة ومشاريع البنية التحتية تلك، التي تجمع بين الخصائص المتطابقة بشكل جيد مع مصادر الدخل، والتي لا تخضع لتقلبات الدورة الاقتصادية.
لا يمكن أن يقال نفس الشيء عن السلع الأساسية، التي كانت ميؤوساً منها كوسيلة للتحوط ضد التضخم الذي يقاس على مدى فترات طويلة جداً، على الرغم من كونها ضمن فئة الأصول الحقيقية.
توماس مالثوس، الباحث الإنجليزي في القرن التاسع عشرافترض أنه إذا كان لا بد من أن يتم إنتاج الطعام على مساحة محدودة من الأرض، فإن التكلفة الحدية لإنتاج الغذاء سترتفع مع مرور الزمن، وفي غياب التحكم في عدد السكان، فإن النتيجة ستكون المجاعة. أثبت التقدم التكنولوجي أنه كان على خطأ، حيث عمل ارتفاع إنتاجية العمل، على تخفيض ساعات العامل اللازمة لإنتاج وحدة معينة من أي سلعة.
حتى يومنا هذا، تستمر الخبرات الزراعية في التقدم التكنولوجي في مجال الكيماويات الزراعية وتقنيات الري وغيرها من الأمور. أسعار السلع الناعمة نسبة إلى السلع المصنعة ارتفعت باعتراف الجميع، وبشكل موحد منذ عام 2000، وهو ما يعكس الطلب المتزايد من الأسواق الناشئة.
هذا يزيد الحافز نحو مزيد من الابتكار. في عملية الشد والجذب بين العوائد المتناقصة والإبداع التكنولوجي على مدى القرن العشرين، كان الاتجاه طويل الأمد في أسعار السلع الناعمة يتجه إلى الأسفل باستمرار.
ينطبق نفس المنطق على السلع الصلبة، على الرغم من أن صعوبة تحقيق اكتشافات جديدة هي بمثابة عقبة قوية على العرض. مع مرور الوقت، عمل إدخال التحسينات في تكنولوجيا الاستخراج والكفاءة، على تقليص التكلفة الإجمالية. إذا ما تحركت الأسعار نحو الارتفاع بسبب الطلب القوي أو صدمات العرض، فإن توافر أرباح فائقة يجلب استثمارات جديدة إلى الأمام. حقيقة أن الصين واصلت في الفترة الأخيرة عملية تعويم الطلب على المعادن، لا يعني أن عوامل المرونة في العرض والإحلال قد تم تعليقها، فالنفط، باعتراف الجميع، حالة خاصة بسبب تزايد ندرة المعروض بشكل كبير، ولكن على مدى فترات طويلة، فشل النفط في التفوق على العائد على السندات الحكومية.
الأمر الذي يتبين أيضاً من نظرة على السلع هو مدى عدم الانضباط في فئة الأصول الحقيقية. ليس هناك شيء مشترك بين العوائد على الرز مثلاً، أو الفضة أو الأخشاب. الواقع أن أسعار الخشب تسير في اتجاه عام متصاعد على المستوى العالمي نسبة إلى السلع المصنعة منذ أكثر من 100 عام، وإنْ تَعرَّض هذا الاتجاه لاختلال خطير في فترة ما بين الحربين العالميتين.
في بريطانيا، في سوق مشوهة تشويهاً كبيراً بفعل الإعفاءات الضريبية، كانت الأخشاب تشكل استثماراً مذهلاً، خصوصاً أثناء الأزمة المالية. مؤشر IPD للغابات أظهر عائداً سنوياً إجمالياً بلغ في المتوسط 17.9 في المائة في السنوات العشر المنتهية في أواخر 2013، على الرغم من التراجع في الأسعار الحقيقية للأخشاب بنسبة 30 في المائة منذ أن بلغت ذروتها في منتصف التسعينيات.
وبالنسبة للذهب، الذي لا يعطي عوائد متصلة، فليس هناك شيء مشترك بينه وبين العقارات التجارية، التي تعطي المستثمرين دفعة مسبقة على دخل الشركات. النتيجة التي لا مفر منها هي أن فئة الأصول الحقيقية، ليس لها معنى حقيقي ثابت، يُذكَر.