IMLebanon

العراق: مفتاح الحل في الإقتصاديات الجديدة

aljoumhouria-new-logo

جو سروع

يحقّ لكلّ من يهتم ويراقب تسارع وتيرة الأحداث الدامية التي شهدها العراق ويشهدها، وتحديداً الأحداث الأخيرة، أن يستبعد أن تكون بعض الدول المعنية قد فوجئت بها أو على الأقل تجهلها تماماً وتجهل ما يمكن أن ينتج عنها. ويؤيّد هذا الحق لعمق الأحداث العسكرية واتساعها في ظل وجود مخابراتي واستقصائي شبه علني لهذه الدول على الأرض وفي دول الجوار.

ويعزّز هذا الاستبعاد ردات الفعل المختلفة على هذه الأحداث على رغم قساوتها وشراستها الانسانية، والتي اقتصرت حتى الآن على النبرة العالية والفعل الخافِت، ما يَشي بأنّ هذه الدول لا تمانع إن لم تسع إلى مدّ الصراع من سوريا إلى العراق حيث الحلبة أوسع والظروف ملائمة لإيجاد أفضلية عسكرية في مقابل الأفضلية القائمة حالياً في سوريا، من شأنها أن توازن مواقع الأفرقاء السياسيين وطنياً وإقليمياً ودولياً.

في المحصّلة وباختصار، أرى أنّ الأهمية الاستراتيجية للعراق وتَسارُع الأحداث وتصاعُد وتيرتها على أكثر من صعيد وتداعياتها المحتملة البالغة السلبية على مصالح جميع الأفرقاء المعنيين في الداخل والخارج، من شأنها أن تحثّ هؤلاء الأفرقاء على مراجعة أدائهم والنتائج والتكاليف بالنسبة الى انخراطهم المباشر وغير المباشر على امتداد السنوات الثلاث الماضية بالأحداث الدامية التي شهدتها وتشهدها بعض دول عالمنا العربي، ومدى فشلهم أو نجاحهم في التأثير في هذه الأحداث وحماية مصالحهم الاستراتيجية وحتى الآنية. برأيي انّ دفّة ميزان أيّ مراجعة في هذا الخصوص ستميل الى تثقيل الفشل الفاضح والمُكلف، ناهيك عن المآسي الانسانية والاجتماعية والاقتصادية التي أنتجها هذه الصراع أو سينتجها.

من هنا أرى أنّ منطوق المصالح قد يحتّم على هذه الدول أن تعيد النظر في أطر استراتيجياتها وأن تراجع حساباتها بواقعية تنطلق من الاعتراف المتبادل بالمصالح.

كما يبدو أنّ هناك إمكانية لا بأس بها نابعة من قناعة قد تكوّنت عند الجميع تتمثّل بمبادلة صراعهم المفتوح والمكلف على الثروات بحد أدنى من التفاهم بصدق والتزام في ما بينهم على فك أسر هذه الدول للخروج الصحيح والصحي من مآسيها التي كان لهم اليد الطولى فيها، ليس حُبّاً بها بل حفاظاً على مصالحهم في هذه الدول وانتقاء لتداعيات هذه الأخطار المتعددة الجوانب على بلادهم وعلى شعوبهم.

إنّ الثروات التي مَنّ بها الله تعالى على بلد من دون آخر هي للتثمير في تأمين الرفاهية الاجتماعية لأصحابها أوطاناً وأهلاً، وللاستثمار في مستقبل أجيالهم، وكذلك للمساهمة في تخفيف وطأة الفقر في الدول الأقلّ حظاً من خلال استثمارات تخلق فرص عمل جديدة وتعطي مردوداً مجزياً، وهذا أمر ضروري. وهو كان مطلوباً، ليس اليوم، بل منذ أن كانت هذه الثروات.

على عالمنا العربي أن يبني على الخبرات التي اكتسبها من مجمل التجارب التي شهدها ليرتقي أداءه الوطني والقومي، لا سيما أنه يختزن، إلى جانب موارده الطبيعية، موارد بشرية قادرة بكل المعايير والمقاييس على تأمين الإنطلاقة المطلوبة والكفيلة ببناء أوطان وأمّة تعي تماماً كيف تبنى قدراتها التنافسية وترسّخ أمنها وأمانها وتُطمئِن أهلها في حاضرهم ومستقبل أجيالهم. وكذلك، عليه أن يبقى على اطلاع واسع على مجمل التطورات الجيوسياسية ومصالح الدول عنده ومصالحه عند هذه الدول، وذلك على الصعيدين الأهلي والقومي.

إننا نعيش اليوم في عالم ما زال يعاني الأزمة المالية والمصرفية غير المسبوقة التي أصابته منذ العام 2008 من دون أن توفر بلداً كبيراً كان أو صغيراً، والتي يبدو أنها لم تتم فصولاً الى الآن. إذ إن معدلات النمو بعد ست سنوات من عمر الأزمة، ما زالت متواضعة، وغير ثابتة، وغير كافية، للإيفاء بمسؤليات الدول الإنمائية والتنموية والإقتصادية والإجتماعية.

وهذا أمر ينتج احتقاناً اجتماعياً وإنسانيّاً إن لم تتمّ معالجته مباشرة بطرق وأساليب عملية ومقنعة وبالسرعة المطلوبة، ومن شأنه أن يتحوّل إلى اعتراضات شعبية واسعة تحمل في طياتها أبعاداً لا يمكن الاستهانة بها.

من هذا الشريان ينبع الصراع على الثروات، ويتفاقم. إذ إن الإقتصاد هو الفاصل الآني والمفصل الإستراتيجي، والسياسة هي الاقتصادات الحديثة والكفيلة بتأمين المصالح وترسيخها وتعزيزها واستدامتها وإرساء سبل إدارتها وتطويرها. ولنا بما نشهده اليوم في العالم عموماً وبعض دول عالمنا العربي خصوصاً خَير شاهد على هذا.

أعتقد أنّ غالبيّة القادة العراقيّين ومن مختلف مواقعهم يدركون تماماً الخطر الكبير الذي يُداهِم بلدهم وأهلهم، ويتحلّون بقدر كبير من الحكمة والواقعية والدراية. كما أنهم على بَيّنة بأنّ ما يدور عندهم وحولهم إنما هو حلقة متكاملة أصبحت واضحة السبل والغايات، وإنّ الوقت قد يكون حان وإنّ الظرف مؤات لتفكيكها، فيتوافقون في ما بينهم بُغية الحدّ من الضرر الذي أصابهم والذي يمكن ان يصيبهم، وذلك من خلال تواصلهم لتجنيب بلدهم الأسوأ، والتكتّل وراء مصالحه وتغليبها على كل مصلحة مهما كانت ضيقة أو واسعة، لتأمين تجاوز أحواله الحالية البالغة الدقة فتصبح أكثر تماسكاً وأشدّ عزماً وأكثر قدرة على إطلاق مرحلة نمو وتنمية دينامية ومستدامة تلاقي توقعات أهله لعَيش كريم وآمن ومطمئن طال انتظاره.

كذلك أعتقد من منظور مكمل أنّ تشابُك مصالح كل الأفرقاء المعنيين واهميتها الاستراتيجية قد يحتمّ تغليب الحل على الفوضى. إذ إنّ خطر الفوضى الكبيرة والجارفة من شأنه أن يجعل من صراعهم على الثروات صراعاً عقيماً يهدد مصالحهم بصورة عامة ويذيب الثروات ويهددها بصورة خاصة في زمن الأولوية للإقتصاد والمنافسة الحادة على الأسواق لضرورات النمو والتنمية، كونهما في أصل الاستقرار الاجتماعي الأمني. وهذا ثمن ليس بالسهولة على أحد مهما كان موقعه أو قدره أن يدفعه، وأن يداري خطورة تداعياته المختلفة الاتجاهات والمتعددة الجوانب.

في المقابل، انني أدرك تماماً، في زمن تتشابَك فيه الملفات وتتعقد على امتداد منطقتنا العربية وفي العالم، انّ تفهماً وتفاهماً بين جميع الأفرقاء ينطلق ممّا سبق عرضه في اتجاه حل متوازن وشامل يلزمه وقت غير قليل – ولكن من المهم بمكان ألّا يكون طويلاً – لبناء وتعزيز ثقة مفقودة وحقن دماء مهدورة، وقد يسبقه صراعات بقاء وسلطة دامية وعنيفة داخل الجماعات الموجودة على الأرض على خلفية الخلافات العقائدية والمنهجية والمتباينة في بنية هذه الجماعات.

وأميلُ الى الاعتقاد أنّ انطلاقة حلّ قد تكون مقبلة بالتوافق بين الأفرقاء السياسيين في داخل العراق، وبدعم من الأفرقاء السياسيين من خارجه. مع العلم أنّ هذه الانطلاقة بتعقيداتها المتنوّعة وبُعدها المفصلي قد يلزمها الكثير من الأخذ والرد. ومن الممكن أن تكون هذه الانطلاقة المفتاح لحلّ باقي المشاكل القائمة والشائكة في العالم العربي، وفقاً لقياس كلّ مشكلة، وبالتالي استبدالها بمراحل إعمار ونمو وتنمية تتجاوز المدى المتوسط الى الطويل.