Site icon IMLebanon

مصر: بعد تراجع استثمارات القطاع الخاص إلى ‏61%‏ .. الحكومة تتقدم لملأ الفراغ الاستثماري

Ahram

محمد إبراهيم

كشفت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي2014/2015 عن تراجع نصيب القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات المنفذة من70% قبل25 يناير إلي61%.

واكد عبد الفتاح الجبالي مستشار وزير التخطيط ان احد أهم المبررات التي دفعت الحكومة الي تخفيض نسبة مساهمة القطاع الخاص في خطة التنمية للعام المالي الجاري هو عدم قدرته علي المشاركة في اعمال التنمية, بالوتيرة المطلوبة, مشيرا الي ان ذلك لم يأت من فراغ, وإنما جاء بعد سلسلة من اللقاءات المطولة مع ممثلي القطاع الخاص الذين اكدوا انهم سوف يضخون استثمارات لن تقل عن206 مليارات جنيه, من الاستثمارات الكلية البالغة336.9 مليار جنيه.

وأكد خبراء الاقتصاد ان اسباب هذا التراجع تعود بالأساس الي تردي الاوضاع الامنية, واستمرار التوقف الجزئي أو الكلي في عدد كبير من المنشآت الصناعية, وتوقف الاكتشافات الجديدة خلال السنوات الاربع الماضية, لكن من المتوقع ان تسجل ارتفاعا ملحوظا في العام الجاري وتحديدا في قطاع التشييد.

وطالب خبراء الاقتصاد بضرورة اعادة النظر في دور الحكومة بوصفها مستثمرا مباشرا لمواجهة الضغوط التي قد يمارسها بعض رجال الاعمال وعدم الاستجابة لمطالبهم.

قال مستشار وزير التخطيط إن خطة التنمية الجديدة تضمنت استثمارات حقيقية, وليست وهمية, مشيرا الي أن نسبة الـ70% التي كانت تتغني بها الحكومات السابقة كانت مجرد ارقام وكلام سياسة, وللتحقق من ذلك يجب التدقيق في المنفذ الفعلي في الخطط السابقة, مشيرا الي عزم الحكومة بحث جميع المشاكل والمعوقات التي تحول دون مشاركة القطاع الخاص في التنمية خاصة قطاع الصناعة الذي شهد تراجعا غير مسبوق في معدلات التنمية في السنوات الاخيرة.

ومن ناحيته ارجع الدكتور محمود عبد الحي مدير معهد التخطيط الاسبق, انخفاض مساهمة القطاع الخاص في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلي العديد من الآثار

الاقتصادية السلبية التي شهدتها مصر عقب ثورة يناير, وأهمها تراجع النشاط الاقتصادي في القطاعات المحركة للنمو مثل قطاعات الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والسياحة, وتراجع نشاط القطاع الخاص ومساهمته في نمو الناتج المحلي الاجمالي نتيجة لضعف الثقة في مناخ الاستثمار, وارتفاع تكلفة الانتاج بسبب اضطراب الاوضاع الامنية وصعوبة الحصول علي النقد الاجنبي لاستيراد المواد الخام اللازمة للانتاج, وأخيرا خروج الاستثمارات الاجنبية.

واوضح د. عبد الحي ان تباطؤ النشاط الاقتصادي كان السبب الرئيسي وراء تراجع اداء القطاعين العام والخاص, لافتا الي ان الاخير يساهم في خطط التنمية الاقتصادية منذ عام91, وكان يقوم بالاستثمار, رغم انتهازيته وسعيه لتحقيق الربح.

وقال ان الدولة لجأت في العام الماضي لتعويض الانخفاض في معدلات الاستثمار الخاص الي سياسة الانفاق التوسعي وزيادة الانفاق الاستثماري العام علي المشروعات التي تؤدي الي ارتفاع الطلب علي المنتجات المحلية, لتوفير فرص عمل, وتوفر في الوقت نفسه الخدمات الاساسية للفئات المحدودة الدخل, وتخفيف الاعباء المعيشية علي المواطنين, رغم عجز الموازنة وتراجع الايرادات.

وقال ان مشكلة القطاع الخاص انه لا يريد الاعتراف بان مصر دخلت عصرا جديدا, يختلف عن ايام ما قبل25 يناير, وانهم مازالوا يمارسون ضغوطا علي الدولة من اجل استمرار المزايا التي كانوا يحصلون عليها, مثل الائتمان الرخيص, وشراء الاراضي باسعار متدنية, مؤكدا انه ليس ضد القطاع الخاص المبدع, الذي يحقق ارباحا بالملايين, بشرط ان تكون مشروعة, وفي الوقت نفسه يخدم المجتمع.

وطالب د. عبد الحي الرئيس عبد الفتاح السيسي بتغيير سياسة الامتناع عن ان يكون للحكومة دور في الاستثمارات الانتاجية المباشرة, كتعمير الصحراء لانتاج القمح وغيره من المشروعات ذات الاولوية لتخفيف العبء علي ميزان المدفوعات, كما طالب الحكومة بطرح مشروعات جديدة علي القطاع الخاص, مثل تحلية المياه, وانشاء محطات للطاقة الشمسية.

وعارض عبد الحي بشدة توجه الحكومة الحالية لاقامة عاصمة ادارية جديدة علي طريق القاهرة السويس, مشيرا الي ضرورة ان توجه الحكومة استثماراتها في هذه المرحلة الي التعليم والصحة, والتصدي لقضايا البطالة والفقر, وإحداث تغيير جوهري في مناخ الاستثمار, لإعادة الثقة للقطاع الخاص.

الرؤية غير واضحة

ومن جانبها قالت د. عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية سابقا, ان ما حدث خلال السنوات الاربع الماضية ترك اثارا سلبية علي معدل الاستثمار والانتاج, وبالتالي علي معدل النمو الذي لم يتجاوز في السنوات الثلاث الماضية2%, وتعد نسبة متدنية لانها تغطي تقريبا معدل نمو السكان, ولا تسمح بأي زيادة في دخول المواطنين, في حين تراوح معدل النمو قبل25 يناير ـ في بعض السنين ـ ما بين6.5% و7%, ورغم الازمة المالية العالمية في2008 بلغ5.5%.

وقالت ان الخلل الذي حدث بعد25 يناير في صورة تراجع لدور القطاع الخاص اثر بشكل واضح علي معدلات نمو الناتج المحلي, التي كانت سيئة بطبيعة الحال, حيث بلغ1.8% عام2010/2011 نتيجة عدم مشاركة القطاع الخاص كما ينبغي في النشاط الاقتصادي, مما أخل بمعدل النمو, وكذلك معدلات التشغيل التي انعكست علي ارتفاع معدل البطالة, مما كان له تأثير سلبي علي النشاط الاقتصادي.

وقالت ان موقف الحكومة غير واضح تجاه دور القطاع الخاص, ويشوبه الالتباس, رغم لقاء الرئيس السيسي ورئيس الوزراء بعدد من رجال الاعمال, بدليل فرض ضرائب جديدة ليس لها ما يبررها في فترة كساد, وعدم قدرة علي النمو, كل هذا يؤدي الي نتائج عكسية علي الاقتصاد, كما يجب ان تدرك الحكومة ان التعامل مع القطاع الخاص لا ينبغي ان يقتصر علي مقابلة كبار المستثمرين من اصحاب الصوت العالي, وإنما ينبغي عقد لقاءات مع اصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة الأكثر تأثيرا في التشغيل.

وتتوقع د. عالية أن تشهد الفترة المقبلة محاولات ضعط من جانب الحكومة علي كبار المستثمرين لضخ استثمارات جديدة في بعض المشروعات الكبيرة, وجذب استثمارات عربية, ورغم ذلك لن يتجاوز معدل النمو3%.

وقالت ان تحقيق معدل نمو لا يقل عن6% لتعويض السنوات العجاف التي مرت بها مصر يتطلب من الحكومة, إعطاء دفعة كبيرة للاستثمار, وتشحيع القطاع الخاص علي ضخ استثمارات جديدة من خلال, تحسين بيئة الاعمال, والحد من التعقيدات الادارية, وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة ومساعدتها علي العمل بكامل طاقتها الانتاجية, والتوسع في نظام المشاركة بين قطاعي الاعمال العام والخاص لإقامة المشروعات بهدف زيادة الطاقات التشغيلية, والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وربطها بالمشروعات الكبيرة الحجم.

القطاع الخاص لن يعود

وقالت الدكتورة ايمان الشربيني, مدير مركز دراسات الاستثمار وتخطيط وادارة المشروعات بمعهد التخطيط القومي, ان ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية اثبت بما لا يدع مجالا للشك, ان القطاع الخاص ـ بدون تعميم ـ فشل في تحريك عجلة التنمية بسبب سلوكه, وعدم فهمه لحقيقة مسئوليته وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية, وإلي النظرة المتعجلة في جني الارباح.

وقالت ان القطاع الخاص تعود علي المزايا والحوافز التي كانت تمنحها له حكومات ما قبل25 يناير, بدعوي تشجيعه علي قيادة التنمية, قبل ان تطمئن علي قدرته في تحمل المسئولية, وتخلت عن قطاع الاعمال العام, كما تخلت عن دورها الرقابي, مما أدي الي تراجع معدلات الاستثمار بسبب عدم كفاية الاستثمارات الخاصة.

وقالت لقد أتيحت للقطاع الخاص المشاركة في عملية التنمية بداية من الانفتاح الاقتصادي, وقد ظهر تشجيع الحكومة جليا في أوائل التسعينيات ولايزال, حيث التقي الرئيس السيسي وكبار المسئولين في الحكومة مؤخرا برؤساء منظمات الاعمال حتي يشعروا بالطمأنية والاستقرار لضمان مشاركتهم في مختلف الانشطة الاقتصادية, وزيادة معدلات الاستثمار.

وطالبت الحكومة بالتخلي عن سياستها في التغاضي عن أخطاء رجال الأعمال بحجة التخوف مما قد يثيره ذلك من قلق قد يضر بزيادة معدلات النمو, وعدم الرضوخ لمطالبهم او الضغوط التي قد يمارسونها, مؤكدة ان القطاع الخاص لن يعود الي دوره السابق في القريب العاجل, كما يتوقع البعض, لكن يجب علي الحكومة توفير البيئة المناسبة للاستثمار الجيد.