Site icon IMLebanon

الدولة الفاشلة بين مفهوم الدولة الراعية ودولة الريع

lebanon-economy

جمال شُعيب

تصبح الدولة فاشلة إذا ظهر عليها عددٌ من الأعراض أولها أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها أو أن تفقد إحتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها. وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها. وثالثها (وهو الأهم من وجهة نظر المواطنين) عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة. ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية.
تندرج الخدمات البلدية والصحية والتعليمية ضمن قائمة الخدمات الأساسية والتوزيعية. كما تندرج مستلزمات إقامة وإدامة أسس التوافق على شرعية الدولة كراعية لمصالح جميع سكان البلاد وليس مصالح فئة أو فئات معدودة منهم.
هذا هو التعريف الدولي المتفق عليه لمفهوم الدولة الفاشلة الذي تبني منظمات دولية، منها
Fund for Peace
عليه احصاءاتها لقياس مؤشرات الدول نسبة الى معايير الفشل المعتمدة، ونحن هنا لا يمهنا المؤشرات الأمنية والسياسية لأننا سنركز على قطاع “الخدمات الحكومي” ونسبة اهتمام الإدارات والمؤسسات الحكومية اللبنانية بمعالجة الأزمات الخدماتية الطارئة.
لبنان الذي يقبع في المرتبة 46
(FFP Rank 2013)
بمعدل وسطي يبلغ 86.3 نقاط للمؤشرات المعتمدة للقياس، دخل الترتيب الأخطر ضمن دائرة الدول المصنفة تحت خانة الأكثر فشلاً في المرتبة العاشرة عام 2008، بعدما وصل للمرتبة الـ28 عام 2007، عاد ليبتعد تدريجياً عن دائرة الخطر ويحتل المرتبة 46 في الدائرة البرتقالية الأقل خطراً في آخر احصاء للعام 2013.
قد يفهم من هذا الأمر ان لبنان قد خرج من تصنيف الدول الأقرب الى الفشل، لارتباط المؤشرات بعوامل أخرى عديدة غير “الخدمات العامة”، أما في حقيقة الأمر، فالواضح ان لبنان قد تدرج صعوداً في الفشل في توفير أدنى مقومات الخدمات العامة الأساسية للمواطن منذ العام 2008 وصولاً إلى اليوم.
يعتبر توفير خدمتي الماء والكهرباء للمواطن في عصرنا الحالي من بديهيات الحقوق الأساسية الواجب على الدولة تأمينها، والحال في لبنان كما باقي الخدمات العامة باستثناء المخصص منها للفائدة الريعية، يستمر في التراجع يوماً بعد يوم، حتى بات المواطن اللبناني القاطن في الأطراف، لا يلتمس نور الكهرباء إلا لبضع ساعات في اليوم لا تتجاوز الست ساعات، ولا تصل قطرات الماء الضعيفة إلا بالتقطير، وليوم واحد اسبوعياً أو إثنان في أحسن الأحوال، ولمدة ساعات قليلة لا تكفي لتعبئة برميلين (سعة 50 ليتر/غالون) إن لم تنقطع قبل ذلك.
أما الدور الرعائي الحكومي للمواطن في ظل هذا النوع من الأزمات، فالواضح من طريقة تعاطي الوزارات والإدارات المسؤولة عن هذين القطاعين الحيويين، أنه مفقود لصالح الدور الريعي، بدليل مسارعة المسؤولين الى اعتماد الحلول التي لا تحدث فارقاً واضحاً في نسبة توفر الماء والكهرباء، وتعتمد بالدرجة الأولى على “شراء الخدمة” من مؤسسات أو دول أخرى، مقابل بدل مالي يستنزف خزينة الدولة ولا يقدم للمواطن أي قيمة مضافة على النقص الحاصل في تزوده بكلا الخدمتين ماءاً وكهرباءاً ولو بدرجة ملحوظة ونسبية.
فلا لجنة الأشغال العامة والطاقة على نشاطها في عقد الجلسات، ولا اللجان التي شكلت حكومياً، ولا إدارات مؤسسات كهرباء لبنان ومصالح المياه، تحركت بشكل فاعل وشكلت لجان الطوارئ الجدية، للعمل على حل أزمتي الماء والكهرباء بشكل فعلي، ولو تخفيضاً لساعات التقنين وزيادة لساعات التزود بالخدمة أو تحسيناً لمستوى العدالة في التوزيع على المناطق والأطراف تحديداً.
التقديرات بخصوص قطاع الكهرباء تشير الى أن العجز المتراكم يشكل نحو 40 في المئة من الدين العام، ومن المتوقع ان يصل الى الخمسين في المئة من عجز الخزينة في الاعوام المقبلة، يقابله احتمال بزيادة الطلب على الاستهلاك 2000 ميغاوات اضافية في 2018، علما المتوافر الآن هو 1500 ميغاوات مع عجز على الطلب يبلغ نحو 1100 ميغاوات.
وبحسب تصريح وزير المالية الحالي علي حسن خليل، فإن سقف الانفاق على الكهرباء هو 3096 مليار ليرة كما كان عام 2013، أي أنه تم تثبيت سقف الانفاق دون أي زيادة ملحوظة في ساعات التغذية للمناطق والأطراف باستثناء بيروت التي بقيت تتغذى بواقع ٤ أضعاف التغذية التي تحصل عليها باقي المناطق.
أما قطاع المياه، الذي يعاني هذا العام شحاً كبيراً في الموارد، وتقنيناً حاداً يصل إلى حدود ضخ المياه للمشتركين بواقع يوم واحد في الأسبوع ولساعات قليلة، وبضغط ضعيف يجعل من عملية تخزين برميل واحد، إنجازاً كبيراً للمستهلك (المشترك).
وكالعادة وبدل المسارعة الى إيجاد حلول مستدامة، كحفر آبار إضافية، أو وضع اليد على آبار خاصة وتحويلها للنفع العام (مع تسديد البدلات المناسبة)، عمدت لجنة الأشغال والطاقة وبعد عدة اجتماعات الى التوصية باستيراد المياه من تركيا وبأسعار يؤكد العديد من المختصين إمكانية توفير مبالغ منها بالإضافة الى الوقت الضائع قبيل حلول الأزمة الكبرى المتوقعة بعد شهر من الآن.
إذاً وكما يتوضح من النموذجين الأقرب الى مصلحة المواطن الحياتية اليومية، استبدلت الدولة اللبنانية مفهوم الرعاية ومصلحة المواطن، بمفهوم الريع الذي يستنزف الخزينة لصالح شركات خاصة، فيما لا يبدو أن هناك أي مصلحة مالية للدولة من خلاله، لا ربحاً ولا توفيراً على الخزينة، وبالتأكيد لا مصلحة لها في ابعاد سمة “الفشل” عن إدارتها للخدمات المتوجبة عليها تجاه المواطن اللبناني.