Site icon IMLebanon

دول “البريكس” تتحدى هيمنة اميركا من خلال مصرف للتنمية…نحوالبحث عن عملات بديلة آمنة

BRICS

هيمنة السياسة الاميركية على الساحة الدولية، وأحادية القطب رغم المحاولات الروسية، أمر واضج وجلى، كما أن القدرات الاقتصادية الهائلة والمتشعبة وتغلغلها وسيطرتها على بنى الاقتصاد العالمي، أمر لا يحتاج إلى دلائل وإثباتات.
الا ان “غول” الدولار الاميركي الذي سيطر لعقود طويلة، منفرداً، يعاني اليوم من أزمات وتحديات، أحدها وأهم تجلياتها، هو التراجع العام في نمو التجارة الدولية في العقود الثلاثة الماضية كانعكاس لحالة الركود العالمية.
أما ما يجمع عليه الخبراء كتحد قاس، أمام هيمنة الدولار الأمريكي، فهو تداعيات انشاء دول مجموعة “البريكس” مصرفاً للتنمية خاصاً بها اضافة الى انشاء “الصندوق الاحتياطي” .
فالهزات المالية التي بدأت تضرب العملة الأمريكية من حين لآخر من جهة، والعقوبات التي باتت اميركا توزعها يميناً وشمال، جعلت دول “البريكس” تعيد التفكير بإيجاد عملة أو عملات بديلة تمكنها من الاحتفاظ بقيمة صرف عملاتها الوطنية وقيم مدخراتها الدولية في حال حصول تقلبات جذرية في قيمة العملة العالمية الواحدة. اضافة الى خلق آليات خاصة بها لتحقيق أهدافها الاقتصادية في السوق المالية العالمية.
فما هي خلفيات هذا القرار، أبرز أهدافه وتداعياته؟ وهل يشكّل تحدياً لهيمنة الدولار الاميركي على الاقتصاد العالمي؟
رئاسة بالمداورة كل خمس سنوات
في ختام القمة السادسة لدول مجموعة البريكس التي عقدت في فورتاليزا في البرازيل، في منتصف شهر تموز، أعلنت دول المجموعة انشاء مصرفها للتنمية الذي سيكون مقره في شنغهاي، وسيبلغ رأسماله خمسين مليار يورو، إضافة إلى إنشاء الصندوق الاحتياطي بقيمة مائة مليار يورو. وسيرى المصرف النور ويبدأ بتقديم القروض فعلياً في عام 2016، بعد إقراره على مستوى السلطات التشريعية في البلدان المعنية. ويقدر الاحتياطي المشترك على الأرجح بـ 240 مليار دولار يسمح لها بتفادي الاستعانة بصندوق النقد الدولي. وسيكون الرئيس الأول لـ “صندوق التنمية الجديد ” هندياً.
وفي وقت لاحق، قالت وزارة المالية البرازيلية، إن البرازيل ستكون الرئيس الثاني لبنك بريكس للتنمية بعد انتهاء فترة رئاسة الهند. وأضافت الوزارة في بيان أن كلاً من الدول الخمس ستتولى رئاسة البنك لفترة خمس سنوات.
ومن المقدر أن يصبح الصندوق جاهزاً للتشغيل في قمة بريكس القادمة في روسيا، وسيجري تمويله في بادئ الأمر بواسطة الصناديق السيادية للدول الخمس الأعضاء في المجموعة.
وستحاول دول المجموعة التوافق بشان هندسة مالية جديدة، وهي فكرة قديمة جديدة تركز عليها دول هذا النادي الذي يمثل أربعين في المائة من سكان العالم، وخمس اجمالي ناتجه الداخلي.
ويقول رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي: “سيخدم المشروع شعوب البريكس ويدعم شعوبا أخرى في طريق النمو أيضا. وسيتجذر المشروع ضمن تجاربنا كدول اقتصادات ناشئة ” .
مخاض سنتين … ومحاصصة ديمقراطية
فكرة تأسيس هذا البنك كانت قد بحثت في قمة سان باولو وأقرت في قمة يوهنسبورغ في العام الماضي لمجموعة دول “بريكس” إلا أن خلافات تنظيمية حالت دون تحقيق هذه الفكرة حتى الآن وجرى تجاوز الاختلافات في وجهات النظر.
كما لم يكن الاتفاق على انشاء المصرف سهلاً ولا وليد فكرة متسرّعة، انما استمرت المحادثات قرابة عامين متأرجحة بين طموحات الصين والهند للتمتع بنفوذ أكبر في المؤسسة الجديدة، مقارنة بحصص الآخرين الى ان استقرت الصفقة على حصول الجميع على حصة متساوية: المقر سيكون في الصين، الرئيس الأول سيكون هندياً، الرئيس الأول لمجلس الحكّام سيكون روسياً، الرئيس الأول لمجلس المديرين سيكون جنوب أفريقياً.
وهذا ما اعتبره وزير المال البرازيلي غيدو مانتيغ ” محاصصة ديمقراطية ” وشدّد على أن البنك، بخلاف المؤسسات الدولية الأخرى مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ـ المُدارين أميركياً وأوروبياً ـ، سيكون ” ديموقراطياً على نحو فعلي “.
الهدف .. استقلالية عن مؤسسات الغرب المالية
قررت البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا إنشاء المؤسستين الماليتين، كي تجعل منها ركيزة لاستقلاليتها حيال المؤسسات المالية التي يهيمن عليها الغرب. وتسعى دول البريكس الحريصة على استقلالها، والتي تمثل 43 % من التعداد السكاني العالمي وتنتج ربع اجمالي ناتج الكوكب، إلى إنشاء مؤسسات وآليات مشتركة تسمح لها بتجنب النظام العالمي الذي يهيمن عليه حاليا الغرب وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي مروراً بوكالات التصنيف الائتماني. وفضلاً عن إنشاء مصرف انمائي قد تضع مجموعة بريكس أيضاً في الإحتياط قسماً من احتياطياتها الهائلة من العملات – 4400 مليار دولار – تملك الصين ثلاثة أرباعها – لمساعدة بعضها البعض اذا دعت الحاجة. وهذا الاحتياطي المشترك قد يجهز بنحو مئة مليار دولار بحسب حاكم المصرف المركزي البرازيلي الكسندر تومبيني.
واذ اعتبرت رئيسة البرازيل ديلما روسيف إن بنك بريكس وصندوق الاحتياطيات خطوتان مهمتان لإعادة تشكيل البنيان المالي العالمي. أضافت أنه على الرغم من تباطؤ النمو في اقتصادات الأسواق الناشئة فإنها تبقى محركاً للنمو العالمي.
وقالت روسيف إن زعماء بريكس يحثون صندوق النقد الدولي على التحرك قدماً في إصلاحاته لنظام الحصص التصويتية للصندوق.
وبحسب الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، فإنّ آلية الدعم النقدي ستساهم في احتواء الهشاشة التي تواجهها الاقتصادات المختلفة، من جراء وقف سياسة التوسع النقدي في الولايات المتّحدة، أي برنامج التسيير الكمي أو شراء المصرف المركزي للسندات الحكومية، بهدف تحفيز السوق المالية، ما يعني أن اقتصادات المجموعة لن تعود مرهونة كلياً لسياسات واشنطن أو لعقوباتها.
خلق آليات خاصة لتحقيق الاهداف
في جانب آخر، اعتبر بعض الخبراء ان الموافقة على تأسيس بنك التنمية لدول “بريكس” تكشف أن بلدان “بريكس” بإمكانهم خلق آليات خاصة بهم لتحقيق أهدافهم الاقتصادية في السوق المالية العالمية ما يجعل دولاً أخرى وفي مراحل متأخرة من تأسيس بنك التنمية أن تشارك في رأسماله بالرغم من أن دول “بريكس” تنوي الحفاظ على إدارة البنك في كل الأحوال.
خاصة وأن الهزات المالية التي بدأت تضرب العملة الأمريكية من حين لآخر جعلت دول “بريكس” تعيد التفكير بإيجاد عملة أو عملات بديلة تمكنها من الاحتفاظ بقيمة صرف عملاتها الوطنية وقيم مدخراتها الدولية في حال حصول تقلبات جذرية في قيمة العملة العالمية الواحدة لأنها مهتمة بثرواتها العامة والخاصة لتخرجها سليمة من دائرة الأزمات الدورية التي مازالت تضرب الاقتصاد الأمريكي على مدى العقود الثلاثة الماضية والتي كان لها أثر كبير على القطاع المصرفي والمالي العالمي بل وعلى الاقتصاد العالمي برمته .
مشاريع مرتبطة
ومن مشاريع الدول الخمس ايضا تأسيس وكالة تصنيف ائتماني تكون بمثابة آلية تأمين ومجلس لرجال الاعمال. كما يجري الحديث ايضا عن كابل تحت البحر يسمح بنقل معطيات من البرازيل الى روسيا عبر جنوب افريقيا والهند والصين وهو مشروع تقدر كلفته بـ1.2 مليار دولار. في الوقت نفسه فإن الصين والبرازيل تأملان في التوصل إلى اتفاق لإجراء المبادلات التجارية بينهما بالعملات المحلية لها من أجل التخلص من سيطرة الدولار الأمريكي. ويقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين بحوالي 75 مليار دولار سنوياً.
مع أو ضد ؟
في حين اعتبر البعض ان قرار دول مجموعة بريكس إنشاء مصرف للتنمية لا يهدد صندوق النقد الدولي، اعتبرت اوساط أخرى بأن هذه الخطوة تهدف الى منافسة المؤسسات المالية التي يسيطر عليها الغرب . حيث ستجد المؤسسة الجديدة نفسها في وضع قوي بسبب العقبات التي تعترض إصلاح صندوق النقد الدولي. الاصلاح المفترض أن يعيد التوازن في الصندوق لصالح الدول الناشئة التي يعتبر تمثيلها ضعيفاً جداً في الوقت الحالي على مستوى حقوق التصويت.
وسيوفر “صندوق النقد المصغر”، أي احتياطي العملات الصعبة، الذي تحضره مجموعة “البريكس” نوعاً من الحماية الأساسية لمواجهة تقلبات الأسواق مع مئة مليار دولار: 41 مليارا تقدمها الصين، و18 مليارا الهند والبرازيل وروسيا وخمسة مليارات جنوب افريقيا.
أهمية خاصة لجنوب أفريقيا والهند وروسيا؟
اعتبر الخبراء الاقتصاديون ان تحقيق مثل هذه المؤسسة سيغير الوضع، وأشاروا إلى أن جنوب افريقيا أو الهند سيكون بامكانهما الحصول على احتياطات هائلة وسيسمح ذلك لهما بالصمود أمام انهيار اسواقهما، بسبب تطورات السياسة النقدية الاميركية.
في المقابل، تحدث الخبراء عن أهمية خاصة لروسيا إذ أن الموضوع ينطوي على أهمية رمزية كبيرة في وقت تجد فيه موسكو نفسها معزولة على الساحة الدولية بسبب الازمة الاوكرانية: خاصة إثر إبعادها من مجموعة الثماني، حيث بات اقتصادها قريباً من الانكماش بسبب التهديد بفرض عقوبات غربية.
بعض الخبراء اعتبر أن هناك أبعاداً جيوسياسية لهذه الخطة، إذ أنها تأتي في وقت يهاجم فيه الغرب روسيا، لسياستها في شرق أوروبا، ويفرض عليها عقوبات. خاصة وان الضغط على الروبل والتلويح بعزل روسيا عن المؤسسات المالية العالمية شكّل أخطر أوجه “العقاب الغربي”، بعد اندلاع أحداث شرق أوكرانيا وسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم.
منظومة البريكس وتأثيرها على التجارة الدولية
في هذا الاطار، لا يمكن غض النظر عن تأثير منظومة الـ “بريكس” على التجارة الدولية، والانطلاق منه لتقدير مفاعيل انشاء المصرف الخاص على الاقتصاد العالمي…
ففي أيلول 2012 زاد حجم التجارة السنوية بين الأعضاء الخمسة فى “البريكس” بنحو ست مرات في العقد الماضي ليصل الى 300 مليار دولار أمريكي عام 2013 .
كما إن حصة التجار البينية لدول البريكس بناء على الرقم المعلن عام 2012 قد بلغت 300 مليار دولار.. بذلك فان معدل نمو هذه التجارة البالغ 600 % في عقد واحد يعطي أفقاً واسعاً لاحتمالات نوعية، مع تأسيس بلدان “البريكس” مصرفها التمويلي الخاص.
أي أن حصة دول البريكس في التجارة الدولية السلعية هي 15% تقريباً و11% تقريباً من الخدمات التجارية العالمية وهي لا تقيم كلها بالدولار طبعاً، فمنها مايتم وفق عملات محلية لشركاء البريكس التجاريين، لكن هذه التعاملات لا تزال قليلة نسبياً، ولكن تنامي حصة البريكس في التجارة الدولية ونمو تجارتها البينية بهذا التسارع يضع سيناريوهات قاتمة بالنسبة للدولار.