للأسبوع الثاني على التوالي، يستمر ابتزاز المجموعات الإرهابية المسلحة للدولة وأهالي العسكريين الـ 36 المخطوفين، بعدما انتهت “مبدئياً”، المعارك بين الجيش وهذه المجموعات في عرسال. وحتى الآن، لا يبدو مسار العملية التفاوضية جديّاً، في ظلّ التباس الدور الذي تقوم به “هيئة العلماء المسلمين”، حتى على تيار المستقبل. وجديد المسلحين، التوجّه نحو “وقف التفاوض مع الدولة، احتجاجاً على عدم تلبية شروط حسن النية”، كما أكد عضو الهيئة الشيخ عدنان أمامة لـ”الأخبار”.
وأشار أمامة إلى أن “الهيئة قد تنسحب من عملية التفاوض، إفساحاً في المجال أمام مفاوضين آخرين”. فيما علمت “الأخبار” من مصادر مقربة من “داعش” أن الخاطفين لن يرضوا بأي فدية مالية، “وهم يطالبون بإطلاق الموقوف السوري عماد جمعة ووسجناء آخرين، وإلا سيقتلون عدداً من المخطوفين”.
وتكرّر مصادر بارزة في قوى 8 آذار ما يقوله المستقبليون، عن انزعاج مستقبلي واضح من دور الهيئة “القطرية الهوى”. وتقول مصادر وزارية بارزة في تيار المستقبل لـ”الأخبار” إنه “حان الوقت لتتنحى الهيئة عن ملفّ التفاوض، ويتسلمه فريق أمني متخصص من ضباط في استخبارات الجيش وفرع المعلومات وشعبة معلومات الأمن العام”. وأشار الوزير المستقبلي، إلى أن “هدف المسلحين منذ بداية عملية الخطف هو التبادل مع عدد من الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية، بعدما هددوا في الماضي باختطاف مدنيين لاستبدالهم بالموقوفين”. وأشار المصدر إلى أن “العملية طويلة ومعقدة للغاية، وإذا لم تتم إدارة الملف بشكل أفضل مما يحصل الآن، فإن الأمر قد يشكّل انتكاسة لصورة الدولة وهيبة المؤسسات العسكرية”. في حين، نفت مصادر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لـ”الأخبار” ما تردد عن نية قطر عدم التوسط لإطلاق سراح العسكريين، على غرار ما فعلت في قضية مخطوفي أعزاز. وأكدت مصادره أن “الإمارة لم تبلغ الحكومة اللبنانية أنها لن تتدخل، بعدما كانت قد قطعت علاقاتها مع داعش وجبهة النصرة وأخواتهما”. إلا أن أمامة قال لـ”الأخبار” إنه “تبلغ بالمعلومة لكن ليس من مراجع رسمية” ، واصفاً إياها بـ”المنطقية”، لأن “أيديولوجية تلك الجماعات باتت بعيدة عن قطر وسياساتها، ولا سيما في هذه المرحلة”,
وزار وفد من الهيئة إبراهيم، أول من أمس، ووضعه في أجواء عملية التفاوض التي تجريها مع الإرهابيين، علماً بأن إبراهيم كان قد زار السفير السعودي علي عواض عسيري، أول من أمس، وسط ترجيحات عن وساطة ملكية قد تخوضها السعودية مع الخاطفين. كما تلقى اتصالات من عدد من أهالي الأسرى، يطالبه بالتدخل في الوساطة.
واستكمل، أمس، الوسيط، المكلف من قبل وفد الهيئة، تنقله في جرود عرسال، للتواصل مع الخاطفين وجهاً لوجه. إلا أن أمامة رفض إعطاء أي تفاصيل عن آلية التنقل والمكان الذي يجتمعون فيه. ونقل الوسيط “انزعاج جبهة النصرة، إحدى الجهات الخاطفة، من قرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر الادعاء على 43 سورياً، بينهم عشرة موقوفين؛ على رأسهم الموقوف عماد جمعة، بعدما طلب صقر الإعدام وأحالهم إلى قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا”. ونقل الوسيط أن “قرار صقر والمداهمات التي نفذها الجيش في تجمعات النازحين السوريين في عرسال والمنية وغيرها تهدد عملية التفاوض برمتها”.
وفي ما خصّ تفاصيل التفاوض، وخصوصاً بعد تسليم “داعش” فيديو يظهر سبعة جنود مختطفين، وما سمته “شروط حسن النية” المطلوبة من الدولة اللبنانية، قبل الشروع في تقديم “المطالب الجدية”، ولا سيّما الإفراج عن الموقوفين الإسلاميين، يمكن الإشارة إلى أن غالبية بنود المرحلة الأولى يمكن اعتبارها “محققة”، وخصوصاً أن الجيش اللبناني، وحتى بعد انتهاء المعارك في عرسال، لم يدخل البلدة، وأن انتشاره وتعزيز قطعاته اقتصرا على نقاطه السابقة، في وادي حميد ووادي الحصن ووادي الرعيان وعقبة الجرد، بالإضافة إلى محور رأس السرج ـــ المهنية. حتى إن دخول الجيش منذ أيام إلى عرسال كان “رمزياً”، إذ دخلت آلياته العسكرية بقصد الانتقال عبر البلدة إلى نقاطه المتقدمة، من دون أن يحصل أي تثبيت لنقاط داخلها. أما بشأن النازحين السوريين في مخيمات عرسال، فيؤكد أحد فاعليات عرسال لـ”الأخبار” أن المسلحين سعوا خلال أيام المعارك في عرسال، إلى “جر الجيش نحو استهداف المدنيين من العراسلة والنازحين السوريين، من خلال تركيب رشاشات متوسطة بين أماكن وجود المدنيين، إلا أن محاولاتهم الدنيئة باءت بالفشل”.
أما عن المطلب الثالث والمتمثل بضمان تلقي جرحى المسلحين للعلاج في مستشفى دار الأمل الجامعي، وما تحدث عنه المسلحون حول “تعذيب الجرحى والتصفية الجسدية”، فقد نفى مسؤول أمني لـ”الأخبار” كل ما يشاع عن تعرض الجرحى في المستشفى للتعذيب أو التصفية، مشدداً على أن الجيش “يلتزم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها اتفاقية جنيف”، وأن الجيش “ليس من أخلاقياته إيذاء الجرحى وتعذيبهم”، كاشفاً أن “جرحى المسلحين يعالجون في مستشفى دار الأمل الجامعي بإشراف يومي من قيادة الجيش والصليب الأحمر اللبناني”.
تجدر الإشارة إلى أن جرحى المسلحين نقل معظمهم بسيارات إسعاف تابعة للجيش، ويعالج حالياً في المستشفى ضمن قسم العناية الفائقة تسعة جرحى من مسلحي “داعش” و”النصرة”، تتفاوت إصاباتهم بين المتوسطة والخطيرة. أحاديث ومعلومات “التعذيب والتصفية الجسدية” تجافي الحقيقة بحسب معلومات حصلت عليها “الأخبار”، ذلك أن جرحى المسلحين التسعة (ثمانية سوريين وآخر يرجح أنه من دولة خليجية)، يتلقون العلاج في قسم العناية الفائقة الذي لا يدخله إلا الممرضات والأطباء، في حين يخضع القسم من الخارج لحراسة مشددة من الجيش.
وعلمت “الأخبار” أن أحد جرحى المسلحين والبالغ من العمر 16 عاماً، نقل بداية المعارك في عرسال إلى مستشفى دار الأمل، وهو مصاب بطلق ناري في الرأس، وفي حالة “موت دماغي”، وأنه توفي أثناء خضوعه لعملية إنعاش وإسعافات أولية. أما الجريح فهد فاضل (26 عاماً)، فقد نقل بسيارة إسعاف تابعة للجيش اللبناني، وهو مصاب بجروح “مفتوحة وبالغة” في الرأس والرقبة والصدر والبطن والخصر، يرجح أنها ناجمة عن انفجار. والجريح مصاب بنزف حاد في البطن نتيجة عملية جراحية فاشلة أجريت له في المستشفى الميداني في عرسال، قبل نقله إلى بعلبك، وقد خضع لعملية جراحية، وسرعان ما تعرض لجلطة رئوية سريعة، توفي على أثرها، وقبل أن يتمكن أي عنصر أمني من التحقيق أو حتى التكلم معه.
وعليه، ينتظر أهالي العسكريين المختطفين وعائلاتهم نتائج عملية التفاوض بفارغ الصبر. وهم شرعوا في تحركات واعتصامات للمطالبة بإطلاق أبنائهم، وقد علّقوا تحركاتهم وآمالهم على عملية التفاوض، في انتظار ما ستؤول إليه في الأيام القليلة المقبلة. وبعد زيارة أهالي العسكريين المحتجزين وعائلاتهم لقائد الجيش العماد جان قهوجي قبل أيام، زار وفد منهم أمس المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء إبراهيم بصبوص، والمدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، على أن يلتقوا رئيس الحكومة تمام سلام يوم غد. وقال قهوجي خلال استقباله عائلة العقيد الشهيد داني حرب، الذي استشهد خلال اشتباكات عرسال، “لا مساومة على كرامة الجيش وعسكرييه كافة، وإن قضايا الشهداء والجرحى والمفقودين العسكريين ستبقى في طليعة الاهتمامات”.