أشرف رشيد
يطرح الحظر الذي فرضته روسيا على واردات الغذاء من بعض الدول الغربية العديد من التساؤلات لدى المستهلكين الروس وخبراء الاقتصاد عن مدى تأثيره على السوق الروسية وعلى اقتصادات الدول الغربية، ومنه الصراع السياسي الذي ينحو منحا اقتصاديا.
فقد أعلن رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيدف في السابع من أغسطس/آب الجاري أن بلاده قررت فرض “حظر كامل” على واردات المواد الغذائية التي ينتجها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والنرويج.
ويشمل الحظر الذي يمتد لعام كامل منتجات الألبان ولحم البقر ولحم الخنزير والدواجن والفواكه والخضراوات والمكسرات.
الانعكاسات الداخلية
ويقول المحلل الاقتصادي في مجموعة “إنفست كافيه” الاستثمارية رومان غرينتشينكو إن العقوبات الروسية المضادة هي رد مناسب على الضغوط الاقتصادية الخارجية، كما أن هذه الخطوة تتماشى مع التوجه الاقتصادي الروسي الجديد الهادف إلى الاستغناء عن الواردات، والعمل على تحقيق أقصى قدر من الاكتفاء الذاتي.
ويضيف رومان أن هذا التوجه مغاير تماما للتوجهات السابقة التي كانت مبنية على الانفتاح والاندماج في الاقتصاد العالمي.
وأشار رومان إلى أن قضية الأمن الغذائي أثيرت في السابق كواحدة من التهديدات الإستراتيجية لروسيا، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن حجم استيراد المواد الغذائية ارتفع في روسيا خلال الفترة ما بين 2000 و2013 سبع مرات، من سبعة مليارات إلى 43 مليار دولار سنويا.
وأقر رومان بوجود انعكاسات سلبية داخلية، منها على سبيل المثال ارتفاع معدلات التضخم الذي قد يتجاوز 7٪ هذا العام، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية، لكنه استبعد أن تكون الزيادة في أسعار المواد الغذائية ناجمة عن شحها، نظرا لأن المواد الغذائية المحظورة سيتم تعويضها إلى حد كبير من الإنتاج المحلي ومن السلع المستوردة.
أما السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار فهو -بحسبه- حالة الترقب والأثر النفسي لا أكثر، وهذا كله سيلقي بظلاله على القدرة الشرائية، وعلى معدل النمو الاقتصادي بشكل عام.
ضرر أوروبي
ويقول الخبير الاقتصادي ألكسيه أفونتسوف -من جهته- إن الاتحاد الأوروبي هو الطرف الأكثر تضررا، ذلك لأنه الشريك التجاري الأول لروسيا، ففي عام 2013 بلغ حجم الصادرات الأوروبية إلى روسيا 12 مليار دولار تقريبا، بينما تشكل المواد الغذائية نحو 42% من الصادرات الكلية. وأوضح أفونتسوف أن نسبة تأثر دول الاتحاد الأوروبي بالعقوبات متفاوتة، حيث إن فنلندا والنرويج ولاتفيا ستتحمل القسم الأكبر من التبعات.
فالاقتصاد الفنلندي -كما يقول- مرتبط بشكل كبير بالسوق الروسية، إذ تشكل حصة الاتحاد الروسي نحو 14٪ من حجم التبادل التجاري الكلي لفنلندا، لدرجة أن بعض كبار المصدرين الفنلنديين قد يواجهون صعوبة في الخروج من الأزمة.
وبعد الإعلان عن إجراءات الحظر الروسية، أعلنت شركة “فاليو” الفنلندية إيقاف خطوط إنتاجها المخصصة لتلبية المتطلبات الروسية من منتجات الألبان، علما أن منتجات فاليو تشكل 40% من صادرات فنلندا الغذائية إلى روسيا.
أما في ليتوانيا فقد يؤدي الحظر -كما يقول أفونتسوف- إلى تخفيض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 2.5 % وهو حجم الصادرات الليتوانية لروسيا، كما يشير أفونتسوف.
وفي المقابل، ستكون عواقب الحظر أقل إيلاما بالنسبة للولايات المتحدة، حسب الخبير الاقتصادي الروسي. ففي عام 2013 بلغت قيمة صادرات المواد الغذائية الأميركية لروسيا 1.2 مليار دولار.
ويمثل هذا الرقم أقل من 1٪ من إجمالي المنتجات الزراعية المصدرة من الولايات المتحدة، مما يعني أن تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد الأميركي لا يكاد يذكر، ولا يختلف الوضع كثيرا في حالة كل من أستراليا وبريطانيا.
وفي المحصلة، قد تسهم العقوبات الغربية والعقوبات الروسية المضادة في تغيير علاقات تجارية قديمة ظلت قائمة بين روسيا والغرب منذ عقود من الزمن، والتحول لبناء شراكات جديدة.
وبالنسبة لروسيا، سيكون هناك تحول واضح باتجاه زيادة التعاون مع مجموعة بريكس ورابطة الدول المستقلة ودول أميركا اللاتينية وتركيا وإيران وبعض الدول العربية لتلبية احتياجاتها الغذائية، وذلك بالتزامن مع تنفيذ برامج وطنية لدعم الإنتاج الغذائي الروسي.