لطالما تغنى اللبنانيون بأن بلدهم تمتد مساحته طولاً على صفحة الماء المتوسطي الأزرق، وتعوم أرضه فوق بحيرة مياه عذبة لا تنضب من المياه الجوفية، وتزخر جباله وسهوله بالينابيع والأنهار التي تتدفق غزيرة .. لكن للأسف .. نحو البحر.
لبنان الذي يمكنك فيه، بكل بساطة وبعد حفر بضعة أمتار نزولاً، الحصول على الماء، بات مواطنوه يعانون أزمة مياه حادة، وأصبحت صهاريج المياه تسبب زحمة أكثر من الفانات، ويكاد أصحابها لا يستطيعون “تلبية” كافة الطلبات التي تصلهم على مدار الساعة.
المناخ المتوسّطي الذي يميز لبنان بتنوعه الفصلي، يتميّز بغزارة المتساقطات في فصل الشتاء (من كانون الثاني/يناير إلى نيسان/أبريل) وبفترة جفاف تمتد على مدى الأشهر المتبقية من السنة. حيث يبلغ متوسّط المتساقطات 800 ملم تقريبًا وتتراوح بين 600 ملم و900 ملم على السواحل و1400 ملم في المرتفعات، وتهبط إلى 400 ملم في شرقي البلاد وما دون 200 ملم في الشمال الشرقي. وهي تساهم على المنسوب 2000 م وما فوق في المحافظة على استمرارية تصريف الينابيع خلال فترة الجفاف وتزايد غزارتها خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/يناير إلى أيّار/مايو (75% من التصريف السنوي) ويتدنّى إلى 16% خلال حزيران/يونيو وتمّوز/يوليو و9% خلال الأشهر الخمسة المتبقيّة من آب/أغسطس إلى كانون الأول/ديسمبر. بيد أنها بدأت تشهد تغيرًا مع تدني نسبة المتساقطات وتقلص فترة الشتاء نظرًا إلى عامل الانحباس الحراري الذي يشهده، منذ فترة، حوض البحر الأبيض المتوسط.
لقد أصبحت مؤخرًا مسألة المياه في لبنان ذات أهمية كبرى نظرًا إلى محدودية استفادة لبنان من هذا المورد، ولكون فترة الجفاف تمتدّ على فترة تزيد عن سبعة أشهر في السنة. أصبحت قلة المياه وهدرها في البحر المتوسط أحد العناصر الأساسية في الحدّ من تطوّر البلاد ونموّها الاقتصادي. علماً أن إجمالي كمية المياه المتجدِّدة داخل الأراضي اللبنانية تقدر بحوإلي 2.7 مليار م3*.
ان الإحصاءات الرسمية الأخيرة تحدِّد عدد السكان المقيمين في لبنان للعام 2005 بحوإلى 4.8 ملايين نسمة مع نسبة النمو السكاني السنوي التي تقدَّر بحوإلى 2.7%، فيما يقدَّرمجموع كمية الطلب على مياه الشرب والصناعة وفق المعايير المعتمدة من قبل وزارة الطاقة والمياه وتقارير البنك الدولي بـ 300 ليتر /نسمة/يوم. أما بالنسبة إلى الطلب على مياه الري فإن المساحة المروية العام 2008 هي 100.000 هكتار بحسب إحصاءات منظَّمة
FAO
ووزارة الزراعة، بالاضافة إلى أن المساحة المتوقّع ريّها حتى العام 2050 هي 280.000 هكتار. وزارة الطاقة والمياه كانت قد حدّدت الحاجة إلى مياه الريّ بما فيه الهدر في شبكات الجر والتوزيع كالآتي:
10.000 متر مكعب للهكتار في السنة للعام 2000.
8.000 متر مكعب للهكتار في السنة للعام 2015.
بالتالي، وعلى الرغم من تعدُّد مصادر المياه في لبنان، فإن الواقع العملي يظهر وجود عجز بالميزان المائي مردّه إلى هدر حوإلى 1.2 مليار م3/سنة في البحر بالإضافة إلى أزمة متعدِّدة الجوانب، حيث يغلب الشحّ والتقنين طوال السنة، ما أدى إلى ازدياد الحاجات المائية (خاصة مياه الشرب والاستعمال المنزلي والري نتيجة التطور الاجتماعي الناجم عن تضاعف عدد السكان، وتبَدّل العادات والتقاليد الاجتماعية)، يضاف إلى هذا كله، العدد الهائل من النازحين الذين لجأوا الى لبنان منذ بداية الأزمة في سوريا.
إذاً ما كان مقدراً أنه وبحسب المعايير بواقع 300 ليتر للفرد، أصبح موزعاً على 3 أفراد أي بواقع 100 ليتر للفرد، إن لم يكن أقل، مع ازدياد أزمة المياه حدة، وارتفاع أيام تقنين المياه، وشح الآبار الساحلية بغالبيتها، وغياب أي مشروع رسمي للتعامل مع هذه الأزمة بشكل جدي.
جل ما فعلته الدولة اللبنانية، هو انعقاد لجنة الأشغال النيابية التي أوصت ببدء اتصالات سريعة لتأمين 100 ألف ليتر مكعب ابتداء من أول شهر أيلول لصالح مؤسستي مياه بيروت وجبل لبنان، وأكد رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة، النائب محمد قباني، أن هاتين المؤسستين سبق وطلبت منذ ٤ أشهر تأمين هذه الكمية لصالحها.
ولفت قباني الى أن “اقتراح استيراد المياه من تركيا اقرته لجنة الطاقة والمياه ولم يعترض عليه احد”، موضحا أن “الكلام حول بيع المياه الى قبرص غير صحيح”، مشددا على أن “هناك سوء ادارة لقطاع المياه، ومحاسبة مصلحة الليطاني واجب دائم ونقوم بها لكن مع الاسف هناك سوء الادارة”.
وكان المدير التنفيذي لملتقى “التأثير المدني” زياد الصايغ، قد أكد أن “المفارقة الكبرى هي أن لبنان سبق أن عرض على قبرص في تشرين الأول الماضي، أن يبيعها المياه، فكيف يصبح لبنان بعد -6 7 أشهر هو من يحتاج الى استيراد المياه؟” لافتاً الى أن “المشكلة الكبرى التي برزت في توصيات لجنة الطاقة النيابية هي أن لبنان قرر تحويل المياه الى سلعة في وقت تعتبر المياه حقاً إنسانياً، وقرر تحويلها الى مادة تجارية في الوقت الذي نعتبرها ثروة وطنية، ونحن نملك ما يكفي من الموارد المائية”.
المنتدى الذي كان قد أطلق خطة شاملة للحفاظ على الموارد المائية، طرح سلسلة حلول، أبرزها ترشيد الإستهلاك، والتعاون مع البلديات لوقف الهد الزراعي، الاستفادة من المياه الجوفية.
ويشمل اقتراح المنتدى في خطته
“Blue Gold”
وضع مخطط توجيهي للآبار الارتوازية قبل مصادرتها من قبل الدولة، الإستفادة من نهري العاصي والدامور، والإستفادة من ينابيع المياه العذبة تحت البحر في شكا وصور.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه القيمون على
“Blue Gold”
هذه الحلول بمثابة اعادة الاعتبار لعملية بناء سياسة مائية في لبنان، تؤكد مصادر وزارة الأشغال والطاقة من جهتها أن كافة هذه المشاريع هي مشاريع طويلة المدى، قد تستغرق أشهراً وأكثر، فيما لبنان أمام فترة زمنية محددة للبدء باستيراد المياه، لا يجب أن تتجاوز بداية شهر أيلول من العام الحالي.
إذاً، وبغض النظر عن مدى ملاءمة التحرك الرسمي لجدية وخطورة “أزمة المياه”، يبقى من المهم التشديد على أن عبور هذه الأزمة بسلام ودون ارباك أو تأثيرات كبيرة أو مخاطر صحية، أمر قابل الحدوث، لكن هذا لا يعني أن لبنان لن يواجه أزمة جديدة في المياه، كلما قلت كمية المتساقطات، في غياب المعالجات الجدية والحاسمة، والمسألة لا تستلزم من المعنيين لا التنقيب عن الماء، ولا استجلاب خبراء عالميين للبحث عن “المياه العذبة” في البحر، فالثروة المائية اللبنانية متوفرة ومنظورة، وجل ما على الدولة اللبنانية فعله، ايجاد الطرق والوسائل لحفظها وتجميعها أولاً، ثم تأمين طرق لتوزيعها بشكل عادل ومنظم، مع العمل بشكل متواصل على تخفيف الهدر على المستويين “الجمعي” و”الفردي”.في الدكوانة. في الوقت عينه أكمل تخصصه الجامعي في كليتي الحقوق والآداب. مارس المحاماة وافتتح مكتبه الخاص. ومنذ الستينيات وهو يغني المكتبة اللبنانية بمؤلفاته وأعماله النثرية والفكرية والشعرية. وتولى رئاسة “اتحاد الكتاب اللبنانيين” من عام 1998 حتى العام 2002.
في الستينات، أصدر جوزف حرب باكورته النثريّة “عذارى الهياكل” (1960)، لكن هذه الباكورة اختفت من التداول بسبب التسرع في طباعتها، ودخل الشاعر لاحقاً “الإذاعة اللبنانية” حيث قدم بصوته برنامج “مع الغروب” (1966) وكتب قصائد كلاسيكية، وكانت هذه بدايته في العمل الإذاعي وكتابة المسلسلات التلفزيونية، منها: “أواخر الأيام”، “باعوا نفساً”، “قالت العرب”، “قريش”، “أوراق الزمن المر”، و”رماد وملح”.
أصدر جوزف حرب ديوانه الأول “شجرة الأكاسيا” عام 1986، يومها كان يعيش في أجواء اليساريين، وكرّت السبحة من خلال ديوان “مملكة الخبز والورد” و”الخصر والمزمار”، “السيدة البيضاء في شهوتها الكحلية”، و”شيخ الغيم وعكازه الريح”، و”المحبرة، رخام الماء”.
الكتابة بالمحكية اللبنانية لا تقلّ أهمية عن كتابة قصيدة الفصحى بالنسبة جوزف حرب. في احدى مقابلته أوضح أن “المحكية هي لغة الناس وهي مليئة بالشعر الذي يخاطب جوانبه الانسان”. وهو أصدر بالمحكية “مقص الحبر”، “سنونو تحت شمسية بنفسج”، “طالع ع بالي فل”، و”زرتك قصب فليت ناي”.وسيبقى ديوانه الأشهر “المحبرة”، الذي صدر عام 2006 أكبر ديوان في التراث العربي من 1750 صفحة.
كان للترحال تأثيره في ثقافته وشخصيته والكتب التي قرأها أو قدِّر أن يحصل عليها، من أحمد شوقي الى سعيد عقل والأخطل الصغير وأمين نخلة، وكان للكنيسة وطقسها دورهما في تشكيل لغته الشعرية، وحتى نمط حياته وعلاقته باللغة والشعر
ارتبط اسم الشاعر الراحل بالسيدة فيروز التي غنت الكثير من قصائده وأبرزها: “لبيروت”، “حبيتك تنسيت النوم”، “لما عالباب”، “ورقو الأصفر”، “أسامينا”، “إسوارة العروس”، “زعلي طول”، “بليل وشتي”، “خليك بالبيت”، “رح نبقى سوا”، “فيكن تنسو”، “البواب”، “يا قونة شعبية”.
كما لحَّن وغنَّى له الفنان مارسيل خليفة: “غني قليلاً يا عصافير” و”انهض وناضل”. ولحَّن له رياض السنباطي: “بيني وبينك” و”أصابعي”. وإلى الآن لم تصدر الأغنيتان بصوت فيروز. كما لحَّن له رياض السنباطي: “بيني وبينك” و “أصابعي”.
وفي نهاية التسعينيات شغل حرب منصب رئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين لأربع سنوات.
وكان حرب قد نال العديد من الجوائز التكريمية في حياته منها: جائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة الفكر العربي، والجائزة الأولى للأدب اللبناني من “مجلس العمل اللبناني” في دولة الإمارات العربية.في سنواته الأخيرة غادر جوزف بيروت وصخبها، وركن داخل منزله الريفي شرق صيدا، على أعلى تلّة مطلة على البحر الى ان غيبه الموت في 9 شباط 2014 .
قالوا عنه
الشاعر محمد علي شمس الدين : “إن ثمة انفجاراً شعرياً، على غرار أي انفجار كوني، حصل في صدر جوزف حرب فأعطى على امتداد ثلاثة وعشرين عاماً ثلاثة عشر ديواناً تتميز بالغزارة العالية في الكم والنوع
الشاعر المصري فاروق شوشة : “لا تفارق الموسيقى شعر جوزف حرب ولا تجافيه. هي فيه ومعه نبض ملازم.
الدكتور ديزيريه حبيب سقّال: “ومن الواضح أن هذا الشاعر، في دواوينه، لا يخضع لقوة المؤتلف في الإيقاع الشعري، حتى في التغييرات الإيقاعية التي أحدثتها الحداثة الأولى في الشعر العربي، بل يذهب أبعد من التجريب، ويستنبط أشكالاً إيقاعية تلائم طبيعة تجربته الوجودية الملحمية التي يعبر عنها.”