مصر منذ ما يسمى الربيع العربي عام 2011، والذي سرعان ما انقلب إلى خريف، وهي تعاني من مصاعب كثيرة. وعلى رأسها الوضع الاقتصادي الذي تأثر بسوء الإدارة وبالانكماش العالمي والتضخم المصدر من الخارج. بل ان هذه المصاعب ربما كانت هي المحرك الأساسي للأحداث التي أدت إلى تلك التغيرات الدرامية التي رأيناها خلال السنوات القليلة الماضية.
طبعاً منذ بداية عام 2011 وإلى يومنا هذا تضاعفت المشاكل الاقتصادية عدة مرات في هذا البلد الشقيق العزيز علينا. والسبب في ذلك هو انخفاض العديد من مصادر الدخل التي كانت تعتمد عليها في السابق. وعلى رأسها تأتي تحويلات العمالة المصرية والعائد من السياحة. فتحويلات المصرين العاملين في الخارج قد تقلصت خلال النصف الاول من العام المالي الجاري 2013/ 2014 إلى 8.441 مليارات دولار مقارنة بنحو 9.276 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام المالي الماضي 2012/ 2013. أي بتراجع نسبته 8.9%. كذلك فإن العائد من السياحة هو الاخر قد انخفض بنسبة كبيرة جداً 30%. وهذا أدى إلى تقلص العائد من السياحة بنسبة 43%. فإذا أضفنا إلى ذلك هروب رؤوس الأموال إلى الخارج وتراجع التدفقات النقدية فإنه يمكن أن تصور الوضع الصعب الذي يواجه رئيس مصر الطموح عبدالفتاح السيسي.
من هنا فإن مصر على المستوى القريب لا يمكنها التخفيف من حدة الوضع الصعب الذي تواجهه الا من خلال زيادة التدفقات النقدية بصورة سريعة. وهذا ممكن تحقيقه فقط عبر زيادة تحويلات الأجانب وتشجيع السياح على القدوم إلى مصر وكذلك من خلال رفع حجم الصادرات. وعلى هذا الأساس فليس مستغرباً أن يتوجه الرئيس المصري في أول زيارة له للخارج إلى المملكة على المستوى العربي وإلى روسيا على المستوى العالمي. فالمملكة، بالإضافة إلى العلاقة الأخوية المتميزة التي تربطها بمصر، تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المصريين العاملين فيها والتي يقدر عددهم بمليوني عامل. ولهذا فإن تحويلاتهم إلى بلدهم تصل إلى ثمانية مليارات دولار، أي بنسبة 60% من إجمالي تحويلات المصريين بالخارج.
كذلك فإن روسيا تهم مصر في هذا الوقت بالذات لتحقيق هدفين سريعين على الأقل. الأول هو زيادة عدد السياح الروس إلى المنتجعات المصرية والذين تقلص عددهم في الفترة الأخيرة بنسبة كبيرة. كما أن روسيا، في ظل المقاطعة الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، محتاجة إلى زيادة وارداتها الزراعية من خارج هذه البلدان. وهذا يصب في مصلحة مصرية من أجل مضاعفة صادراتها الزراعية الى روسيا.
طبعاً هذا على المستوى القريب. أما على المدى البعيد فإن مصر تحتاج من أجل دفع عجلة التنمية وتحسين مستوى المعيشة إلى زيادة الانفاق الاستثماري. وهذا أمر يحتاج إلى ترتيبات عدة أهمها الوضع الأمني والقواعد المنظمة للاستثمار. وأعتقد أن مصر حتى تستطيع النهوض بالقطاع الصناعي والزراعي والخدمي تحتاج إلى وضع حوافز كافية لتدفق رؤوس الأموال من الخارج. فرؤوس الأموال المصرية وحدها غير كافية لدفع عجلة الاقتصاد بشكل متسارع والتعويض عن الزمن الضائع منذ يناير عام 2011.