عندما فكر سامر الحاج بإقامة مشروع استثماري في لبنان، قرر بناء مغسل للسيارات. فحصل على الرخصة المطلوبة لهذا المشروع مع الاجازة بحفر بئر ارتوازية تخوله الحصول على المياه لغسيل السيارت. ولكن فكرة هذا المشروع انقلبت رأساً على عقب عندما استفحلت أزمة المياه في بيروت، فعمد الى استغلال مياه البئر لبيعها الى المواطنين على اعتبار انها تجارة مربحة أكثر. صحيح أن مصادر هذه المياه معروفة، ولكنها لا تخضع للمراقبة من المراجع المعنية، وهي يمكن تالياً أن تكون غير صالحة للشرب او الاستخدام، علماً أن حجة الحاج أن “هذه المياه ليست في حاجة الى تعقيم أو مراقبة كونها مخصصة للإستخدام الشخصي والمنزلي فقط”.
وفي ظل أزمة المياه التي يعانيها لبنان، يلجأ العديد من مقتنصي الفرص، اسوة بالحاج، الى التفتيش عن مصادر مياه لبيعها، ولكن المشكلة أن هذه المياه في معظمها ملوث وغير صالح حتى للاستخدام الشخصي بدليل أنها تسبّبت بأمراض جلدية عند الكثير من المواطنين، علماً أن اسعار هذه المياه ليست في متناول الجميع إذ تكلف بين الخمسين والمئة ألف ليرة اسبوعياً.
وتؤكد المسؤولة عن قسم مراقبة وسلامة الغذاء وعضو الهيئة الإدارية في جمعية المستهلك – لبنان، المهندسة ندى نعمه أن “مياه الصهاريج غير صالحة لا للشرب ولا حتى لعمليات التنظيف. فهي تباع بطريقة غير قانونية ومن دون مراقبة، ما يجعلها تشكل خطراً على صحة المواطن”.
وبما أن مصادر المياه الرسمية مفقودة، يضطر المواطن الى استخدام مياه الصهاريج ” رغم أن معظمها مالح وملوث بالجراثيم والبكتيريا” وفق ما توضح نعمه التي أشارت الى أن “الجمعية قامت أخيراً بفحص المياه المعبأة ومياه الشفة فوجدت فيها نسبة كبيرة من التلوث الميكروبي”، ما دفعها إلى التساؤل عن خطورة حال مياه الصهاريج. وشدّدت على “ضرورة مراقبة مياه الصهاريج من قبل وزارة المياه والطاقة والبلديات”.
واذ استغربت إنقطاع المياه مبكراً هذه السنة قبل إنتهاء فصل الصيف، لم تستبعد “أن تكون مياه الدولة تُحجب قصداً عن المواطنين لتُباع من القطاع الخاص”.
ومع اقتناعها بأن لبنان غني بالموارد المائية، ناشدت المسؤولين حفر آبار واستجرار المياه من المناطق قبل التفكير باستيرادها من الخارج.
من المسؤول عن مراقبة مياه الصهاريج قبل وصولها الى المستهلك، وهل هي ملوثة كما يشاع؟ “النهار” سألت المدير العام لوزارة الصحة وليد عمار، فأكد أن “مصالح المياه هي المسؤولة عن مراقبة نظافة المياه، وليس وزارة الصحة التي تتدخل فقط في حال كان انعكاسات صحية من جراء استخدام المياه، فتعمد حينها الى أخذ عينات منها لتتأكد اذا ما كانت ملوثة أم لا”. وفي حين نفى وجود أي وباء جلدي أو غير اعتيادي ناتج من تلوّث المياه، لفت الى أن “ثمة أمراضاً جلدية في مناطق اللاجئين السوريين ناجمة عن الظروف الصحية وعدم توافر المياه، ولكن خارج هذا الاطار لم نتلق أية شكاوى من المواطنين، كما أننا لم نلحظ أي شيء غير اعتيادي”.
اذا كانت وزارة الصحة حملت مسؤولية مراقبة نظافة المياه وسلامتها الى مصالح المياه، فإن الاخيرة القتها على وزارة الطاقة. إذ أكدت مصادر في مصلحة مياه عين الدلبة أن “وزارة المياه والطاقة والبلديات هي المسؤولة عن مراقبة مياه الصهاريج، والتأكد من توافر شروط الصحة العامة فيها”. ولم تكتف بتحميل المسؤولية الى الوزارة، بل شدّدت كذلك على أن “نظافة المياه من مسؤولية أصحاب الآبار والصهاريج”. ومن الشروط التي يجب توافرها في مياه الصهاريج، لفت المصدر الى انه “على الآبار أن تكون في أماكن ملائمة وعلى عمق محدد وأن تُفحص مياهها أسبوعياً”. كما أنه “على أصحاب الآبار والصهاريج أن يقوموا بتكرير وتعقيم المياه باستمرار. والاهم أنه على أصحاب الصهاريج التأكد من نظافة خزاناتهم”. إلا أن هذه الشروط “للأسف لا تُحترم، والمياه التي تصل الى المواطنين من الصهاريج في غالبيتها ملوثة وغير صالحة للاستخدام”.
مرة جديدة، تفشل الدولة في توفير حاجات المواطن الأساسية، ويفشل معها القطاع الخاص في أن يكون بديلاً منها. فها هو سيناريو الكهرباء يتكرر مع مشكلة المياه وينعكس اعباء إضافية على المواطن. أما الجهات الرسمية، فكل منها يلقي اللوم على الآخر ويحمله المسؤولية. فهل تُضاف مشكلة المياه إلى هموم اللبناني اليومية التي يتعايش معها بدل حلها جذرياً؟