أظهر التقرير الاقتصادي لبنك عودة عن الفصل الثاني من العام 2014 بعض النتائج الايجابية لبعض القطاعات الاقتصادية على الرغم من تراجع مؤشرات أخرى، مؤكداً أن الفرصة لا تزال سانحة للتحسن على الرغم من المخاطر المحيطة بلبنان، متوقعاً نمواً اقتصادياً بنسبة 2 في المئة استناداً لتوقعات صندوق النقد الدولي.
وإذ لحظ التقرير عدم عودة التعافي إلى القطاع السياحي الذي تراجع حوالي 9.1 في المئة على أساس سنوي، أشار إلى تحسن حركة التحويلات نحو لبنان بنسبة 9.1 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2013، وهي بلغت حوالي 8.8 مليارات دولار. كما أشار إلى أن ميزان المدفوعات حقق فائضاً بما قيمته 216 مليون دولار على الرغم من ارتفاع الميزان التجاري حوالي 8.6 مليارات دولار.
لحظ التقرير زيادة موجودات مصرف لبنان الخارجية حوالي 3.1 مليارات دولار لتصل مستويات قياسية بلغت حوالي 37.1 مليار دولار في نهاية النصف الأول.
ولفت الانتباه إلى أن الدين العام بلغ 65.7 مليار دولار بزيادة حوالي 9.5 في المئة على صعيد سنوي. وذكر أن الصادرات الصناعية والزراعية شهدت تراجعاً كبيراً خلال هذه الفترة، بلغت حوالي 29.3 في المئة بالنسبة للقطاع الصناعي.
أما قطاع البناء فحقق نمواً إيجابياً بتزايد عمليات البيع حوالي 6.6 في المئة، وارتفاع قيمة المبيعات العقارية 17.7 في المئة. وأشار التقرير إلى حصول بعض التحسن في تداولات البورصة خلال النصف الأول من السنة نتيجة وجود الطلب المحلي.
بالنسبة إلى النشاط المصرفي، فقد لحظ التقرير تحسن الموجودات بما قيمته حوالي 5.6 مليارات دولار بنسبة أقل بحوالي 7 في المئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي. وأشار إلى أن موجودات القطاع المصرفي بلغت حوالي 170.5 مليار دولار بزيادة نسبتها 3.4 في المئة بتراجع عن نمو السنوات الماضية بحوالي 16 في المئة. ولحظ التقرير زيادة في التسليفات المصرفية بحوالي 5.7 في المئة بما قيمته 2.7 مليار ونمو التسليفات بالعملات فاق النمو بالليرة اللبنانية.
هنا أهم ما جاء في التقرير الفصلي حول القطاعات الأساسية:
استمرار التلبّد الإقليمي
خلال النصف الأول من العام 2014، شهد الاقتصاد اللبناني بعض التحسن النسبي كما تشير إليه معظم مؤشرات القطاع الحقيقي، لكن النمو بقي دون القدرة الفعلية للاقتصاد على تسجيل المستوى المرجو منه، وذلك في خضم استمرار التلبّد الإقليمي وتداعياته المباشرة على الساحة المحلية. في هذا المناخ، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العام 2014 وذلك من نسبة 1 في المئة، وفق تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، إلى نسبة 2 في المئة، وفق تقرير مشاورات المادة الرابعة الصادر حديثاً.
إن تطور معظم مؤشرات القطاع الحقيقي يدعم التحسن النسبي في النشاط الاقتصادي. فمن بين المؤشرات التي سجلت نمواً إيجابياً في النصف الأول من العام 2014، نذكر تسليمات الإسمنت (+7.4 في المئة)، حجم البضائع في مرفأ بيروت (+3.9 في المئة)، مبيعات السيارات الجديدة (+7.5 في المئة)، قيمة المبيعات العقارية (+17.7 في المئة)، عدد رخص البناء الممنوحة (+14.5 في المئة)، إنتاج الكهرباء (+16.4 في المئة)، وقيمة الشيكات المتقاصة (+4.2 في المئة).
أما أبرز المؤشرات التي سجلت انخفاضاً صافياً، فهي عدد المسافرين عبر مطار بيروت (-1.8 في المئة)، سرعة دوران النقد (-3.5 في المئة)، عدد السياح (-9.1 في المئة)، الواردات (-4.7 في المئة) والصادرات (-28.3 في المئة).
في ظل هذا الأداء المتفاوت في مؤشرات القطاع الحقيقي مع ميله بعض الشيء باتجاه المنحى الإيجابي، بلغ المؤشـر الاقتـصادي العام الصادر عن مصرف لبـنان 283.8 في شـهر أيار 2014، أي بزيادة نسبتــها 5.9 فـي المئـة مقارنةً مع شهـر كانـون الأول 2013، وبزيـادة نسبتـها 4.1 في المئـة مقارنةً مع شهر أيار 2013. وقد سجل المؤشر الاقتـصادي العام متوسطاً قدره 278.8 في الأشهر الخـمسة الأولى من العام 2014، أي بنمو نسبته 3.0 في المئة على أساس سنوي، في حين أنه كـان قد نـما بمتوسط قدره 2.7 في المئة خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.
في موازاة ذلك، لا تزال نسبة تضخم أسعار المستهلك تشهد المزيد من الانحسار لتبلغ متوسط سنوي قدره 1.2 في المئة في شهر حزيران 2014، وهو أدنى مستوى له خلال أكثر من عقدين من الزمن.
تدفقات الأموال الوافدة
إن التحسن النسبي في المناخ الاقتصادي قد ولّد زيادة في تدفقات الأموال الوافدة بنسبة 9.1 في المئة، لتعوّض بذلك العجز التجاري المتنامي، ما أدى إلى فائض في ميزان المدفوعات. في الواقع، إن النمو في تدفقات الأموال الوافدة من 8.1 مليارات دولار إلى 8.8 مليارات دولار قد تجاوز ارتفاع العجز التجاري من 8.5 مليارات دولار إلى 8.6 مليارات دولار، ما أدى إلى فائض في ميزان المدفوعات بقيمة 216 مليون دولار في النصف الأول من العام 2014، وذلك عقب عجوزات متتالية بقيمة 2 مليار دولار في العام 2011، و1.5 مليار دولار في العام 2012، و1.1 مليار دولار في العام 2013. يذكر أن الفائض في ميزان المدفوعات في النصف الأول من العام 2014 قد تأتّى نتيجة ارتفاع صافي الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان بقيمة 3.1 مليارات دولار، في مقابل تراجع صافي الموجودات الخارجية لدى المصارف بقيمة 2.8 مليار دولار. وفي نهاية شهر حزيران 2014، بلغت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان مستوىً قياسياً بلغ 37.1 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 79 في المئة من الكتلة النقدية بالليرة و22 شهراً من الاستيراد.
على صعيد القطاع المصرفي، كان النمو في قاعدة الودائع متواضعاً، وذلك بقيمة 4.1 مليارات دولار خلال النصف الأول من العام، في مقابل نمو بقيمة 6.3 مليارات دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وهو أقل بنسبة 23 في المئة من متوسط نمو النصف الأول من الأعوام الخمسة المنصرمة.
يعزى نمو الودائع أساساً إلى ودائع المقيمين التي نمت بقيمة 4.0 مليارات دولار، مع مراوحة في ودائع غير المقيمين خلال النصف الأول من العام 2014.
في موازاة ذلك، إن نمو محفظة التسليفات لدى المصارف كان أكثر زخماً هذا العام مقارنة مع العام الماضي، بحيث نمت التسليفات المصرفية بقيمة 2.7 مليار دولار في النصف الأول من العام 2014، مقابل 1.4 مليار دولار في النصف الأول من العام 2013.
على صعيد الربحية، فإن الأرباح الصافية في النصف الأول من العام قد حافظت تقريباً على مستوى الفترة المماثلة من العام 2013. إذ انخفضت هذه الأخيرة بنسبة 2.5 في المئة، وهي بظل نمو إيجابي للموجودات المصرفية والأموال الخاصة، أدت إلى تراجع نسبة العائد على متوسط الموجودات والعائد على متوسط الأموال الخاصة إلى مستويات منخفضة تاريخياً بلغت 0.98 في المئة و11.21 في المئة على التوالي.
أما أسواق الرساميل في لبنان، بشقي أسواق الأسهم وأسواق السندات، فقد عكس أداؤها التحسن النسبي في المناخ الاقتصادي عموما. إذ ارتفعت أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة 5.5 في المئة في ظل نشاط أقوى في حجم التداول، بحيث ارتفعت قيمة التداول بنسبة 54 في المئة لتصل إلى 204 ملايين دولار في النصف الأول من العام 2014، ما رفع نسبة قيمة التداول السنوية إلى الرسملة البورصية من 2.7 في المئة إلى 3.8 في المئة.
في موازاة ذلك، تقلصت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية في لبنان من فئة خمس سنوات بمقدار 48 نقطة أساس لتصل إلى 345 نقطة أساس في نهاية حزيران 2014، ما يعكس تحسناً في النظرة السوقية إلى المخاطر الائتمانية عموما.
في ما يلي تحليل مفصل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاع العام والقطاع المالي، فيما تتطرّق الملاحظات الختامية إلى تقييم نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر للاقتصاد اللبناني في الوقت الراهن.
الزراعة والصناعة.. تراجع كبير
في النصف الأول من العام 2014، عرف القطاعان الأول والثاني أداءً محليّاً متبايناً وسجّلا تراجعاً نسبياً على المستوى الخارجي؛ فالطلب المحلي شهد المزيد من الارتفاع على الواردات الزراعية لكنه انخفض على الواردات الصناعية، فيما سجّلت صادرات القطاعين الزراعي والصناعي تراجعاً كبيراً مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2013.
البناء: نمو إيجابي
واصل القطاع العقاري تحقيق أداء إيجابي مع تسجيله المزيد من التحسّن على عدّة جبهات في النصف الأول من العام 2014. فعدد عمليات البيع العقارية ازداد بنسبة 6.6 في المئة على أساس سنوي في النصف الأول من العام 2014، ما أسفر عن ارتفاع القيمة الإجمالية للمبيعات العقارية بنسبة 17.7 في المئة بينما زادت مساحات رخص البناء الجديدة بنسبة 14.5 في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.
الوضع النقدي: موجودات مصرف لبنان
في النصف الأول من العام 2014، اتّسمت الأوضاع النقدية بنمو الموجودات الخارجية لمصرف لبنان في ظلّ بعض التحويلات لمصلحة الليرة اللبنانية، وعقود استرداد شهادات إيداع بالعملات الأجنبية من قبل مصرف لبنان، كما بمزيد من نمو الكتلة النقدية بالليرة، وبمزيد من الاكتتابات بسندات الخزينة اللبنانية بالليرة من قبل الجهاز المصرفي، كما يُستدلّ من انحسار تدخّل المصرف المركزي في السوق الأولية، ناهيك عن انخفاض معدلات الفائدة على السندات من الفئات الطويلة الأجل.
في هذا السياق، زادت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان بقيمة 1.8 مليار دولار في النصف الأول من العام 2014 (مقابل 1.4 مليار دولار في النصف الأول من العام 2013)، جرّاء تحويلات صافية من العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية في سوق القطع، وعقود استرداد شهادات إيداع بالعملات الأجنبية من قبل المصرف المركزي. بنتيجة ذلك، بلغت الموجودات الخارجية لمصرف لبنان 37.1 مليار دولار في حزيران 2014، ما يوازي 21.6 شهراً من الاستيراد و79 في المئة من الكتلة النقدية بالليرة.
تعزيز النشاط التسليفي
سجّل النشاط المصرفي نمواً معتدلاً في النصف الأول من العام 2014؛ فقد زاد نشاط القطاع، الذي يُقاس بالموجـودات المجمّعة للمصـارف العاملة في لبنان بنسبة 3.4 في المئة في النصف الأول من العام الحالي، بحيث وصل مجموع هذه الموجودات إلى 170.5 مليار دولار في حزيران الفائت. بيد أن نمو الموجودات الإجمالية بقيمة 5.6 مليارات دولار في هذه الفترة جاء أقلّ بنسبة 7 في المئة من نموه في النصف الأول من العام 2013، وأقلّ بنسبة 16 في المئة من متوسط نموه في الفترة ذاتها من السنوات الخمس الماضية.
نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر
في خضم التلبّد المستمر في الأجواء السياسية والأمنية على الساحة الإقليمية، تزداد التساؤلات حول مدى قدرة الاقتصاد اللبناني على تحمّل الضغوط المتزايدة جراء الاضطرابات الراهنة إقليمياً والأجواء الشائكة محلياً، خصوصاً أن الاقتصاد الحقيقي قد ضعُف على مدى السنوات القليلة الماضية في ظل بيئة ماكرو اقتصادية أكثر ضبابية. وفي حين يصح القول بأن بعض أوجه الاقتصاد المحلي قد شهد مناعة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه في الوقت نفسه شهد لبنان تردياً صافياً في أساسياته الماكرو اقتصادية مع تزايد المخاطر القائمة وتنامي الاختلالات الهيكلية.
إذا أردنا تقييم الوضع الراهن وآفاق الاقتصاد اللبناني من خلال تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات، نذكر ما يلي:
على مستوى نقاط القوة، نذكر الدخل الفردي المرتفع والأعلى بين البلدان المجاورة، الدعم القوي من قبل المغتربين اللبنانيين للاقتصاد الوطني، التدفقات المستمرة للأموال الوافدة والمدعومة بقاعدة كبيرة من المدخرات الخارجية، الإطار الرقابي الصارم للقطاع المصرفي اللبناني، السجل الطويل من الاستقرار النقدي، المستويات القياسية للموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان بالقيم المطلقة والقيم النسبية، الديمومة المحققة على صعيد استقرار الأسعار مع نسبة تضخم منخفضة نسبياً، ناهيك عن قدرة لبنان تاريخياً على تسديد ديونه العامة المستحقة بالرغم من الأزمات الاقتصادية والسياسية الحادة التي ألمّت بالبلاد.
وفي ما يتعلق بنقاط الضعف، نذكر الأوضاع السياسية الداخلية الشائكة في ظل المنسوب المرتفع في حدة التجاذبات السياسية المستمرة محلياً، المديونية العامة الكبيرة والعجز المالي المرتفع مقارنة مع حجم الاقتصاد المحلي، العجز التجاري الكبير وما يولّده من عجوزات مستدامة في ميزان الحساب الجاري، التراجع في حركة الاستثمار الإجمالي في ظل حالة من الترقب والتريث في أوساط المستثمرين المحليين والإقليميين، ما أجّل القرارات الاستثمارية الكبرى في البلاد، إضافةً إلى النمو الاقتصادي الواهن للعام الرابع على التوالي.
أما على صعيد الفرص، فنذكر النمو الممكن للطلب الإجمالي في ظل فجوة كبيرة بين الناتج الفعلي والناتج الممكن تحقيقه، القطاع الخدماتي القوي والمتنوع والدور الذي يمكن أن يستحوذه على المستوى الإقليمي، الفرص الجمّة التي تحملها إعادة إعمار سوريا للمؤسسات اللبنانية عموما، وأخيراً الاحتياطيات الكبيرة من النفط والغاز التي من شأنها توفير مخرج لمعضلة المالية العامة على المدى الطويل.
على صعيد المخاطر، نذكر التداعيات المباشرة والمستمرة للاضطرابات الإقليمية على الاقتصاد الوطني، تردي الأوضاع الأمنية الداخلية على الرغم من الخطط الأمنية المشدّدة في جميع أنحاء البلاد، الضغوط الداخلية جرّاء الأعداد الكبيرة والمتزايدة من اللاجئين السوريين في لبنان، التردي النسبي في الأساسيات الماكرو اقتصادية في ظل تزايد الاختلالات المالية والخارجية، إضافةً إلى التداعيات السلبية المحتملة لمسألة سلسلة الرتب والرواتب على الاقتصاد اللبناني عموما.
في ظل هذا المناخ، وفي حين أن المخاطر السياسية والاقتصادية تتجلّى بشكل ملموس، إلا أن الفرص الحقيقية لا تزال قائمة في سياق معادلة مجزية بين المخاطر والعوائد، خصوصاً على المدى الطويل.
في هذا السياق، يذكر أن الرهانات في المدى الطويل على الأسواق اللبنانية قد أثبتت صوابيتـها، بتـوفيرها عوائد مجزية نسبياً مقارنة مع الأسواق المماثلة. وفي حين أن لبنان مرّ بعدة حلقات من الصدمات الداخلية والخارجية، فقد نجح دوماً في الخروج من أتون الأزمات على المدى البعيد. من هنا، إن مسار الاقتصاد الوطني والأسواق اللبنانية على المدى الطويل يعزز فكرة أن الاقتصاد محكوم بتقلبات دورية ينتفي معها كل من التشاؤم عند تأزم المناخ الداخلي أو التفاؤل عند انتعاش الظروف المحلية. فليس للتشاؤم الدائم أو للتفاؤل المفرط أي أسس عقلانية في بيئة اقتصادية تشوبها تقلبات دورية متكررة عموماً.