خليل زهر
أوصت لجنة الأشغال العامة والنقل والمياه النيابية اللبنانية عقب جلستها المنعقدة برئاسة النائب محمد قباني في 9 تموز (أيلول)، بالتعاطي مع أزمة الجفاف التي يعانيها لبنان على أنها «كارثة طبيعية» وطالبت الحكومة بـ «إعلان حال طوارئ مائية». وطرحت مجموعة توصيات لافتة من بينها «استيراد المياه من تركيا، ووقف ري المزروعات الموسمية والحدائق لقاء التعويض على المزارعين، ومصادرة الآبار لقاء تعويض أصحابها، ووقف هدر المياه على شطف الطرق وغسيل السيارات»، وغيرها من الإجراءات.
لكن معظم اللبنانيين، خصوصاً من يسكنون بيروت ومحافظة جبل لبنان، يعانون النقص في إمدادات المياه منذ سنين، وتكبدهم مشتريات المياه من خارج الشبكة العامة مئات الملايين من الدولارات سنوياً. والمختلف هذا العام هو النقص في معدل الأمطار وتساقط الثلوج وذوبانها السريع، الأمر الذي أدى إلى تعاظم أزمة مزمنة، طالما حذر منها خبراء المياه والجهات الدولية التي كانت ولا تزال توفر الدعم الفني للدولة اللبنانية في هذا المجال.
يذكر في هذا السياق ان تأمين المياه بكميات كافية ومستدامة لمنطقة بيروت الكبرى التي يقطنها أكثر من نصف سكان لبنان كان موضع اهتمام الدولة منذ 1960، أبان عهد الرئيس فؤاد شهاب. وفي 2000 اعتمِد القانون 221 الهادف إلى إصلاح قطاع المياه من خلال تنظيم مصالح المياه ورفع كفاءتها ومحاسبتها. واعتمدت الحكومة عام 2012 «الإستراتيجية الوطنية لقطاع المياه 2012 – 2016» التي وضِعت بالتعاون مع البنك الدولي.
ومن بين المشاريع الواعدة التي درستها الحكومة لتأمين مياه مستدامة للعاصمة وتطوير شبكة المياه وتوسعتها لتغطية كافة المستهلكين، كان مشروع إنشاء نفقين بمسافة 24 كيلومتراً لمد المياه من أحواض المياه الواقعة في بلدة جون جنوب العاصمة. وأجمعت الجهات المعنية ومن بينها الحكومة اللبنانية والبنك الدولي والمهندسين والاستشاريين، على ان المشروع هو الوسيلة الأرخص لإمداد المياه المطلوبة وفي وقت قصير.
غير ان هذه المحاولات كلها لم تثمر، بناء على تقويم أجراه البنك الدولي، بسبب ضعف الكفاءة الإدارية في الجهات المسؤولة، والتنافس السلبي في ما بينها وتشابك مسؤولياتها ومصالحها، خصوصاً بين مصالح المياه والوزارات المسؤولة، وبين هذه ومجلس الإنماء والأعمار.
أما القول إن الكارثة طبيعية، فيفتقر إلى الدقة، فما يعتري قطاع المياه من شوائب مرده إلى عوامل من صنع الإنسان. وهذا يتضح من ما جاء في تقرير البنك الدولي الصادر في 19 نيسان (أبريل) 2012، حول برنامج مساعدة لبنان في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للمياه. ويستند التقرير إلى بيانات لعام 2010، أي يعكس الوضع الذي كان سائداً قبل أربع سنوات تقريباً. أما المحادثات بين الحكومة والبنك فعمرها لا يقل عن 10 سنين.
ومن بعض ما جاء في التقرير، ان لبنان الذي يعتبر رابع أغنى دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بموارد المياه المقدرة بنحو ألف متر مكعب للفرد بالسنة، يستهلك ثلثي موارده المائية المتاحة، بينما يتراوح هذا المعدل بين 10 و20 في المئة في مناطق أخرى من العالم.
هناك إذاً فجوة موسمية واسعة بين العرض والطلب على المياه، فذروة الطلب تحدث خلال فصل الصيف بينما ذروة العرض في الشتاء. ويتفاقم عدم التوازن هذا مع انخفاض طاقة تخزين المياه التي تشكل ستة في المئة فقط من حجم الموارد المائية المتاحة، بينما يبلغ هذا المعدل 85 في المئة في منطقة الشرق الأوسط وشـمال أفريقيا. ولفت التقرير إلى ان من المحتمل جداً ان يؤدي عدم التوازن الفصلي إلى نقص دائم أو متكرر في إمدادات المياه.
ويشير التقرير إلى ان معدل تغطية الشبكة جيد ويبلغ 79 في المئة، لكن خسائرها تبلغ 48 في المئة، وهناك تفاوت واسع في معدل التغطية بين المحافظات. ويُهدر 92 في المئة من مياه الصرف الصحي بسبب عيوب تعتري برنامج الاستثمار وغياب نموذج فاعل للاستفادة من هذه المياه. ويحذر من ان عدم تحسين الكفاءة وإدارة الطلب وزيادة طاقة التخزين، سيجبر البلاد على الاعتماد في المدى الطويل على تعدين المياه الجوفية وتحلية المياه المالحة.
وان كان انخفاض معدل هطول الأمطار وتراكم الثلوج هذا العام ساهم في تعجيل قدوم أزمة كانت واقعة لا محالة، فإن هذا النقص في التساقطات كان أيضاً موضع تحذير متكرر في تقارير الفريق الدولي للتغير المناخي التي تتوقع انخفاض الأمطار في منطقة حوض البحر المتوسط، وربما أيضاً خسارة التساقطات الثلجية، بسبب ارتفاع حرارة الجو في المنطقة بسبب تغير المناخ. والغريب في هذا الجانب ضعف الاهتمام في لبنان بهذه الظاهرة على كل الأصعدة بخلاف معظم الدول المتقدمة والنامية التي باشرت باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة التحديات التي تفرضها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستدامتها. فنقص التساقطات قد لا يكون ظاهرة استثنائية كما يحلو للبعض اعتبارها، بل الأرجح أنه نقطة في مسار قد يزداد تفاقماً في السنين والعقود المقبلة.