طوني رزق
أشار المصرفي سليم صفير، رئيس بنك بيروت، الى انّ المصارف اللبنانية لا تستعمل حالياً أكثر من 40 في المئة من طاقتها في أعمالها، مع الإشارة الى انّ قدرة الاقتصاد اللبناني وطاقته هائلة. وتساءل: اذا كانت كلّ هذه الانجازات قد تحققت مع 40 في المئة من الطاقة فقط، فما بالك لَو أمكن للمصارف أن تستعمل 80 في المئة من طاقتها؟ كلام صفير جاء في مقابلة أجرَتها معه «الجمهورية»، فكانت على الشكل التالي نصّه:
– كيف يتعاطى سليم صفير مع مخاطر احتمالات تعرّض مصارف لبنان أو بعضها للعقوبات الاميركية؟ والى أيّ درجة يمكن الطمأنة بأنها فعلاً في منأى عن هذه المخاطر؟
– أهمية قطاعنا المصرفي ومسؤوليته أنه مؤتمن على ثروات اللبنانيين هنا، كما في المهجر. وبالفعل، أثبتت مصارفنا، منذ نشأتها، انّ هدفها الأول هو خدمة هذا الوطن واقتصاده، وهي من موقعها تعمل، ومنذ أكثر من 75 سنة، على تعزيز النمو الاقتصادي والثروة اللبنانية.
من هذا المنطلق، وكأمناء على الأمانة، فإنّ هدفنا يظلّ المحافظة على الثروة اللبنانية أولاً، وتوفير سبل استثمارها بالطريقة الأفضل والأفعل ثانياً، ومن ضمن واجب رئيس هو احترام كل القوانين اللبنانية والدولية المتعلقة بالحفاظ على هذه الثروة، كما ضمان «الصيت» الأفضل والأحسن لقطاعنا، في لبنان وفي العالم كله.
وبالعودة الى السؤال، نحن نحترم القوانين ونشكر، لا أقول زبائننا بل أفراد عائلتنا، حيثما كان موقعهم، على تفهّم مسؤوليتنا. وبالتالي، مساعدتنا في سَعينا لتطوير حضورنا وتدعيم «صيتنا» المميّز عالمياً.
سر المصارف اللبنانية
– ما هو سر القطاع المصرفي اللبناني في صموده ونموه على رغم البيئة الحاضنة التي تمرّ بظروف صعبة واستثنائية؟
– ما مِن سرّ في ذلك… انّ المحافظة على النوعية، إن لناحية ادارة المخاطر أو لناحية نوعية الأصول، تبقى الأساس.
ونحن متفاهمون ومتضامنون ومنفذون لإرشادات المصرف المركزي وتعاميمه ولجنة الرقابة على المصارف، مع حرصنا على ممارسة أفضل السبل في توظيف ثروات اللبنانيين. من هذا المنطلق، تعمل مؤسساتنا بطريقة احترافية متميزة، ونعمل كلنا لها، تماماً كما نعمل لأنفسنا.
الدمج
– شهدنا مؤخراً عودة الحديث عن عمليات الدمج والاندماج وسُجّلت بعض العمليات الفعلية. الى ايّ مدى يمكن ان تستمر هذه العمليات؟ وهل لديكم بعض الخطط على هذا المستوى؟
– إنّ عمليات الدمج في السوق اللبنانية مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بتوصيات «مصرف لبنان» وتوجيهاته، ولا يمكن لأيّ عملية دمج ان تتمّ من دون موافقة المصرف المركزي.
لكن في موازاة ذلك، يجب ان تتوافر الارادة عند الفريقين، أي الدامج والمندمج، أو أن يكون هناك رغبة أو قبول بعملية الاندماج، وطبعاً شريطة موافقة المصرف المركزي.
أمّا السؤال عن المدى الذي يمكن ان تصِل اليه هذه المسألة، فإنّ سوقنا مفتوحة والقضية رهن العرض والطلب. ونحن في «بنك بيروت» منفتحون على ذلك، ولكن بما يخدم المصلحة الفضلى لمساهمينا
والمصلحة الفضلى لبيئتنا المصرفية الداخلية، أي التجانس بين الزبائن الجدد والموظفين الجدد المفترضين وأولئك الذين يشكّلون حالياً أسرة المصرف، فلا تأتي أيّ عملية دمج الّا بنتائج متناغمة مع سياسة مصرفنا الداخلية، أي بيئته الوظيفية وسلّم قيمه ومندرجات نظامه، كما مع سياسته الخارجية، أي زبائنه وانسجامهم مع الموجة الجديدة للزبائن.
– هل لدى المصارف اللبنانية قدرات اضافية لم تستخدم حتى اليوم من شأنها المساهمة بدعم النمو وزيادة عدد الوظائف للشباب اللبناني؟
– لا تستعمل المصارف اللبنانية اكثر من 40 في المئة من طاقتها في أعمالها الحالية في خدمة أهدافها الموضوعة، مع الاشارة الى انّ قدرة الاقتصاد اللبناني وطاقته هائلتان.
فإذا كانت كل هذه الانجازات تحققت مع 40 في المئة من الطاقة فقط، فما بالك لَو أمكن للمصارف ان تستعمل 80 في المئة من طاقتها؟ المطلوب لبلوغ ذلك: الاستقرار السياسي. هذا هو قانون التطوّر وأساس التقدّم. وهذا مبدأ عالمي ملزم لكلّ بلد راغب في تطوير نموه الاقتصادي، وعلى كل مسؤول أن يمارس مسؤوليته سعياً لتحقيق هذا الانجاز وترسيخ الاستقرار السياسي.
– الى أيّ مدى يمكن للمصارف الصغيرة والمتوسطة الصمود والاستمرار أمام تزايد كلفة الادارة المصرفية والارتقاء الى مستوى المعايير والمتطلبات المحلية والدولية المتزايدة؟
– لا فارق بين مصرف كبير ومصرف صغير الّا بحجم الأعمال، فلكلّ مصرف أرقامه ونقاط قوته كما نقاط ضعفه قياساً على الميزانيات. انا أقول طالما إن هناك نمواً وطالما لدينا المصرف المركزي الواعي، فإنّ قطاعنا واعد. انّ القطاع المصرفي يعكس قوة القطاع الخاص الذي هو بالفعل روح الاقتصاد اللبناني، واذا كان لبنان مستمراً اقتصادياً، فلأنّ لديه قطاعاً خاصاً ذكياً وخلّاقاً وصاحب رؤيا.
إنّ القطاع الخاص يشكل المحرك الذي سمح للبنان بتخَطّي العقبات الصعبة وتجاوز المراحل القاسية، وذلك يبدو جلياً من خلال التجّار والصناعيين والمصرفيين وشركات التأمين… كما من خلال كل لبناني يكد ويتعب، وهو يؤمن بوطنه وبوجوب تأمين لقمة العيش الكريم لعائلته مع المحافظة على إيمانه.
– هل هناك من جديد لدى «بنك بيروت» في إطار سياسته المعتادة للتوسع داخلياً وخارجياً؟ وكيف تقيّم التجارب السابقة؟
– كل يوم هناك جديد على الساحة المصرفية ككل، وليس فقط على صعيد «بنك بيروت». انّ الساحة المصرفية هي المرآة التي تعكس القطاع الخاص، علماً انّ المتغيرات التقنية وتطور الوسائل التسويقية كما النُظم المعمول بها في القطاع الخاص متعلقة ومرتبطة مباشرة بتطور الاسواق التي نخدمها كقطاع مصرفي، وهي أسواق داخلية وخارجية.
انّ هذا التطور طبيعي، ومن شأنه ان يسحب معه كل المؤسسات التي تتطلع الى الأمام. أمصرفية كانت أم تجارية أم صناعية… بكلمة مختصرة : القطاع الخاص.
– كيف تأثرت المصارف اللبنانية بالأزمة السورية عموماً وبالنزوح السوري الكثيف تحديداً؟
– إنّ لكل موجة سياسية انعكاساتها، فإذا كانت إيجابية انعكست ايجابياً على القطاع الخاص، ومنه المصارف، واذا أتت سلبية انعكست سلباً.
أما مدى ايجابية كل موجة أو سلبيتها، فهذا خاضع لمقياس التأثّر بها عند كل فريق.
– ادارة البلاد تبدو مشلولة وسط الاشتقاق السياسي وعدم قدرة السياسيين على اختراق الجمود. هل هناك دور ما يمكن ان يؤدّيه الاقتصاديون وفي مقدمهم القطاع المصرفي؟
نحن المصرفيون لا نتعاطى السياسة، الّا اننا نضرع أن يُلهم الله اهل السياسة على تحقيق الاستقرار السياسي الذي يعتبر الشرط الاساسي والكافي لخلق نمو اقتصادي.
– كيف تلقيتَ موضوع رفع دعوى نيابية على الدكتور فرانسوا باسيل؟
كلّ المصرفيين متكافلون متضامنون، وبصريح العبارة اقول اننا لم نكن مرتاحيين أبداً لهذه الدعوى. انّ كل دعوى قضائية تُرفع على رئيس لجمعية المصارف تؤثر على القطاع المصرفي ككل بغضّ النظر عن مدى صوابيتها.
-هل يمكن لسليم صفير أن يؤدي يوماً دوراً سياسياً ما؟ ولو أنّ السياسة لا تستهويه؟
أنا تقني مصرفي وأنا مقتنع بأنه لا يمكن للمصرفي ان يكون رجل سياسة. عليه أن يختار: فإمّا هذه… أو تلك!