ترى مصادر ديبلوماسية عربية في موسكو أنّ تراجع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن تمسّكه بكرسي رئاسة الحكومة العراقية هو بداية لصفقة كبرى في الشرق الأوسط قد تمَّ التوافق على ملامحها برعاية دولية.
ولا تستبعد مصادر أن يكون قد تمّ الاتفاق بين عواصم القرار في العالم والعواصم الفاعلة إقليميّاً وعربياً على ترتيب الوضع في الشرق الأوسط تمهيداً لصوغ صفقة حلول شاملة، وذلك بعدما أدرك العالم أنّ خطر المجموعات الارهابية المنضوية حالياً تحت لواءَي “داعش” و”النصرة”، بات يُهدّد الامن العالمي برُمّته، وأنّ استمرار تنامي هذه الظاهرة سيصل لاحقاً الى ابعد من حدود الشرق الأوسط وشمال افريقيا، خصوصاً أنّ أعداداً كبيرة من المتشدّدين قد جاءت الى المنطقة من القارّتين الأوروبية والأميركية، ما يعني أنّ أعداداً مماثلة لا تزال موجودة هناك وستبدأ نشاطها الإرهابي بعد تثبيت أقدامها في الشرق الأوسط.
وترجّح ان تكون الحلقة الاولى من مسلسل الصفقة قد بدأت في العراق، حيث يتمّ إنتاج سلطة جديدة لا تلتزم سياسة المحاور، وأن يكون لها علاقات طيّبة مع دول الخليج العربية ولا سيّما منها السعودية، وهذا ما تجَلّى في مواقف الرئيس العراقي الجديد فؤاد معصوم.
في المقابل، ستحافظ سلطات بغداد على علاقات متوازنة مع طهران ودمشق ولكن من دون الدخول في تفاصيل سياسة ما يسمّى “محور الممانعة”، الأمر الذي سيخفّف من ضغط ما يُعرف بـ”محور الاعتدال” في الساحة العراقية تمهيداً للقضاء على ظاهرة “الدولة الإسلامية”، وإعادة بسط الأمن في البلاد.
وتعتبر المصادر أنّ خروج العراق من خريطة المحاور في المنطقة سيساهم في تخفيف الاحتقان الحاصل بين محوري الممانعة والاعتدال، ما سيؤدّي الى ترتيب كثير من ملفات المنطقة الساخنة، وفي مقدّمها الملف اللبناني الذي يعيش حال فقدان توازن نتيجة تصادم المصالح الجيوسياسية للمحورين إيّاهما.
وترى هذه المصادر أنّ عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان هي واحدة من حلقات الصفقة التي يجري العمل على تنفيذها، لأنّ عودته مرتبطة مباشرة بالاستحقاقين الرئاسي والنيابي. لكنّ بورصة الحياة السياسية الداخلية في لبنان لا تدلّ على نضوج التسوية بين الأطراف المتنازعة، وفي هذا المجال يكمن دور اللاعبين الخارجيين في إقناعهم بضرورة التنازلات في سبيل إنجاح الصفقة.
وتؤكّد المصادر أنّ الصفقة لا بدّ من ان تشمل سوريا، لكن الى الآن بحسب المعطيات المتوافرة، لم يتمّ التوافق على خريطة طريق الحلّ هناك، إلّا أنّ الرعاة الدوليين يعتبرون انّ حلحلة الملفات المحيطة بسوريا ستساعد في إيجاد نقاط مشتركة يمكن البناء عليها لصَوغ بنود محدّدة لإنهاء الأزمة، خصوصاً أنّ جميع الأطراف الفاعلة في تلك الأزمة قد أدركَت أنّ الحلّ يجب ان يكون محلياً وعربياً وإقليمياً برعاية دولية وليس العكس، كما حصل في مؤتمري جنيف.
وتعتقد أنّ زيارة الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي الى روسيا تندرج ضمن إطار تفعيل الدور الروسي في المنطقة، وذلك بعدما تفاهم خلال زيارته الى الملكة العربية السعودية على أبرز بنود الصفقة، وعلى هواجس دول الخليج العربية حيال ملفات المنطقة، وبعدما أدركت الأطراف كافّة مدى التأثير الروسي على القيادتين الإيرانية والسورية، الأمر الذي يمكن ان يكون مفتاحاً لحلّ عقدة تقارُبِ الرؤى بين طهران والرياض في اعتبار أنّهما المحرّكان الاساسيان لسياسة المحاور في الشرق الأوسط.
وعلى رغم النظرة التفاؤلية لدى المصادر، إلّا أنّها لا تستبعد أن تصطدم تلك الصفقة بعدد من الصعوبات، خصوصاً في ظلّ الأجواء المتوتّرة بين موسكو وواشنطن على خلفية ملفات أخرى ابرزها الأزمة الاوكرانية، إذ إنّ تضارب مصالح القطبَين الدوليين في اوروبا قد يعرقل جهود الحلول السياسية في الشرق الأوسط.