تخرّج الجامعات في لبنان أعدادا كبيرة من المهندسين في كل الاختصاصات وخصوصا في هندسة الكومبيوتر، ما أدى الى تخمة في اعداد المهندسين الذين لا يجدون مكانا لهم في سوق العمل فيعملون في مهن لا تمت الى الهندسة بصلة. أمام هذا الواقع، لم يجد نقيب المهندسين خالد شهاب سبيلا الى انقاذ هذه المهنة الا بإعلان حال الاستنفار لجبه هذه المشكلة التي تهدد “أبناءنا والمهنة على حد سواء”.
حال الاستنفار التي أرادها شهاب ليست موجهة ضد أحد من “ابنائنا اطلاقا، بل على العكس”، فهو ينطلق من حرص النقابة “على أن يكون لدينا مهندسون وليس موظفين. نحن نريد أن يكون لدينا مهندسون يكون بمقدورهم ابراز قدراتهم وطاقاتهم في الفن في العطاء والابداع… وليس أن يتخرج عاطل عن العمل أو يعمل في مهنة أخرى لا تمت بصلة الى مهنته أو أن يكون موظفا فقط وينهي دوره كمهندس”.
الترخيص لعدد كبير من الجامعات أدى الى تخريج مهندسين بأعداد هائلة، اذ وصل عددهم الى ما يناهز الـ 55 الفا (44 الفا في بيروت و11 الفا في الشمال). بما يعني أن هناك مهندسا لكل 100 مواطن لبناني، وهذا غير مقبول برأي شهاب. والمفارقة أن نسبة المهندسين المتخصصين في الكومبيوتر والكهرباء تبلغ حاليا نحو 34% من أصل 2150 مهندسا تخرجوا العام الماضي، وانتسبوا الى النقابة. علما أنه من تاريخ 31-3-2014 حتى الآن، انضم الى النقابة نحو 1200 مهندس.
أمام هذا الواقع وفي غياب أي دراسة رسمية، تتجه النقابة الى وضع ضوابط لهذا الموضوع عبر امور عدة أهمها ان يكون هناك امتحان “كولوكيوم” في النقابة للانتساب اليها. “هذا “الكولوكيوم” وفق شهاب “ليس لعمل مصفاة، بل لنقول للذين يريدون التوجه نحو هذا الاختصاص انه ليس المطلوب الحصول على الشهادة لنعلقها على الحائط. فهدفنا أن يكون للكفايات مكان في مجتمعنا”. ولامتحان “الكولوكيوم” أثر ايجابي على الجامعات أيضا، إذ يعتبر شهاب “انه قد يسهم في تحسين مستوى الجامعات التي ستتنافس لكي يكون طلابها مقبولين في النقابة، وستعمد تاليا الى تطوير ادائها لما فيه مصلحتها ومصلحة طلابها”.
في موازاة هذا التوجه، ستعمد الى اجراء دراسة متكاملة عن حاجات السوق المحلية والخارجية، خصوصا وان لبنان ابدع في تصدير الكفايات الهندسية الى جميع الدول وخصوصا الدول الخليجية”.
هذه الدراسة التي تحتاج الى 6 أشهر لانجازها “ستحدد ماهية الحاجات اللازمة في التخصصات المختلفة في المهنة حتى نوجه من خلالها ابناءنا والجامعات حتى يكون لهذه التخصصات دور في بناء هذا المجتمع”.
لكن هذه الامور لا يمكن للنقابة ان تجريها من دون وقوف الدولة الى جانب النقابة، يقول شهاب. “فنحن بحاجة الى اصدار مراسيم لكي يكون هذا العمل مقوننا. فنحن قادرون ان نصدر قرارا في نقابة المهندسين أنه لا يمكن أي خريج أو مهندس أن ينتسب الى النقابة قبل اجراء الامتحان، ولكن عندما تصدر هذا القرار من خلال المجتمع العام والخاص يكون فاعلا أكثر.
هذا الكلام تكرر كثيرا في المراحل السابقة، ولم يتم التوصل الى نتيجة محددة، ولكن حماسة شهاب لإنقاذ المهنة حدت به الى القول “أنا مستعد لإشعال الاطارات لإنقاذ اولادنا والمهنة معا. خصوصا وان التجارب بينت أن القطاعات التي ترفع الصوت عاليا مثلما يحصل حاليا في سلسلة الرتب والرواتب، تثير الرعب. فإذا كان هذا ما يريده المسؤولون… نحن جاهزون”.
وما تطالب به نقابة المهندسين عرضه شهاب على رئيسي مجلس النواب والحكومة وعلى عدد من السياسيين، “اظن ان هذا الكلام مقبول لديهم 100%، خصوصا وأنه انتسب الى النقابة خلال الاعوام الخمسة الماضية 15 الف مهندس اي 30% من المنتسبين الى النقابة خلال 62 سنة”.
قزي: كل المهن تشكو عشوائية التخرج
أمام الاعداد الكبيرة من المهندسين الذين لا يجدون عملا في القطاعات التي تخصصوا فيها، لا يجد وزير العمل سجعان قزي سبيلا الى المعالجة الا بإجراء امتحان “الكولوكيوم” في النقابة، علما أن “هذا الاتجاه يشمل العديد من المهن، وذلك بسبب الانتشار العشوائي للكليات في جامعات يفتقر بعضها الى المستوى العلمي. من هنا، يؤكد أهمية أن تشمل الدراسة المستوى التعليمي في لبنان، خصوصا وأن مجلس الوزراء درس في جلسته التي عقدها أمس طلبات تأسيس جامعات جديدة، وطلب بعض الجامعات تأسيس كليات جديدة فيها.
لا تختلف مهنة الهندسة عن غيرها من المهن الاخرى التي تشكو من عشوائية التخرج ومن عدم القدرة على مراقبة الكفايات، وفي الحالين تبقى المشكلة الاهم برأي قزي عدم وجود دراسة حديثة لسوق العمل في لبنان، علما أن الدراسة المتوافرة حاليا والتي وضعت في الاعوام الماضية تشير الى وجود تخمة في اعداد المهندسين”. ووفق قزي فإن المقاولين يشيرون الى وجود مهندسين لبنانيين كفيين، كذلك توجد نسبة أخرى يفترض أن تكون كفايتها أرفع. من هنا ليس مستغربا أن نجد أن بعض المؤسسات، التي تقوم بمشاريع كبرى تلجأ الى مؤسسات هندسية في الخارج، وتأتي بمجسمات مشاريعها الى لبنان. كما أن بعض المؤسسات الاخرى تستعين بمهندسين من الخارج. وهذا امر طبيعي، برأي قزي خصوصا “اذا ما اخذنا في الاعتبار العولمة وتبادل الخبرات”. ولكن هذا الامر كان يمكن أن يكون أقل “لو أن نسبة المهندسين تتناسب مع سوق العمل”.
ويشير قزي الى أن مستندات وزارة العمل تلحظ أن ثمة عددا كبيرا من المهندسين يعملون في مهن لا علاقة لها بالهندسة، إما لأنهم لا يتمتعون بالمؤهلات الكافية أو انهم لا يجدون لهم عملا في الهندسة رغم تمتعهم بالكفاية”.
ويختم قزي أن الوزارة على استعداد للتعاون مع النقابة لدرس سوق العمل، والحؤول دون منافسة اليد العاملة الاجنبية.