Site icon IMLebanon

اقتصاد أوروبا يتعافى ولو ببطء

al-hayat
عامر ذياب التميمي
على رغم تراجع سعر صرف اليورو أخيراً، ثمة مؤشرات توحي بأن حالاً من التعافي بدأت تلوح في أفق عدد من البلدان الأوروبية. قد لا تكون هذه المؤشرات كافية للتفاؤل بعودة الحيوية إلى الاقتصاد الأوروبي بأكمله ولكنها مؤشرات مهمة تستحق التأمل، منها أن فرنسا تمكنت من جذب 85 مليون زائر خلال 2013 وبنسبة نمو بلغت اثنين في المئة مقارنة بـ 2012، علماً بأن فرنسا أهم دولة جاذبة للسياح والزائرين منذ زمن، وما زالت الدول الأخرى الأساسية في مجال السياحة بعيدة منها إذ بلغ عدد زائري الولايات المتحدة 70 مليون شخص وإسبانيا 61 مليوناً.
وفي ظل الركود النسبي لا بد من أن تنفق هذه الأعداد من الزائرين أموالاً مهمة يمكن أن تستفيد منها قطاعات خدمية، كما أن التشغيل العالي للفنادق والمنتجعات والمرافق السياحية سيحسن إمكانات خلق فرص عمل. ومعلوم أن مسألة البطالة تمثل أهم التحديات للاقتصادات الأوروبية، فهي تتجاوز 10 في المئة لبلدان الاتحاد الـ28. ويُتوقَّع أن يتمكن القطاع السياحي في فرنسا من تحسين معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي بما ينعكس إيجابياً على مجمل اقتصاد الاتحاد الأوروبي.
وأشارت بيانات لـ «بنك إنكلترا» إلى أن الاقتصاد البريطاني يتجه إلى تحسين معدل النمو المتوقع أن يبلغ 3.5 في المئة هذا العام، و2.9 في المئة العام المقبل. ويظل الاقتصاد البريطاني في حاجة إلى جرعات تنشيط خلال الشهور والسنوات المقبلة، ولا بد من تجاوز الأسباب التي دفعت الحكومة إلى تبني سياسات تقشف أدت إلى إبطاء النمو والانتعاش، ولذلك ما زال توظيف السياسة النقدية مهماً لحفز النشاط الاقتصادي، ولا يتوقع رفع سعر فائدة الحسم قريباً وهي عند 0.5 في المئة منذ فترة. كذلك بينت الإحصاءات أن الأجور تحسنت بنسبة 1.7 في المئة منذ مطلع العام، في حين ظل معدل التضخم بحدود 1.6 في المئة.
هذه معلومات جيدة عن الاقتصاد البريطاني، لكن ثمة مخاوف من أن الانتعاش لم يبدأ بعد وربما على المراقبين انتظار سنوات قبل أن يتعاطوا مع البيانات بتفاؤل. كذلك قد لا تخدم النزعات المعادية للاتحاد الأوروبي في بريطانيا إمكانات التوسع في العلاقات الاقتصادية مع بلدان القارة أو تطوير عمليات التكامل بين المؤسسات الاقتصادية في مختلف القطاعات، علماً بأن العديد من النشاطات الصناعية في بريطانيا تواجه مشكلات في المنافسة وإثبات الجدوى الاقتصادية. وغني عن البيان أن الاقتصاد البريطاني واكب الثورة الصناعية منذ القرن الثامن عشر وكان من أهم الاقتصادات في العالم، حتى تمكنت بلدان أخرى من تجاوزه تقنياً، خصوصاً في نسبة المساهمة في الاقتصاد العالمي.
ومهما يكن الأمر، تظل أوروبا مكاناً آمناً ومهماً لتوظيف الأموال، فعدد سكان بلدان الاتحاد الأوروبي الـ28 يبلغ 731 مليون شخص ويمثل 11 في المئة من سكان العالم، كما أن إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد يساوي 20 تريليون دولار، أما مستويات المعيشة في دول الاتحاد فمرتفعة، وإن عانى المواطنون تراجع المداخيل بما حد من الاستهلاك الشخصي والعائلي. وعندما يبحث المستثمرون وصناديق الاستثمار عن أدوات أو فرص استثمار، تظل أوروبا ملاذاً آمناً مهماً. كانت الأوضاع غير مواتية في الأمد القصير، فالاتحاد الأوروبي طور منظومة قوانين تمكن من توفير الثقة والاطمئنان، وجرى تجاوز القوانين التي تحد من الملكية لغير المواطنين في هذه الدول.
وينظر إلى نظام الوحدة النقدية على أنه من أهم التطورات في الاقتصاد العالمي حالياً، إذ خلق كتلة نقدية تبنتها 17 دولة حتى الآن، على رغم مشاكل الديون السيادية التي أرجع محللون أسبابها إلى نظام اليورو. وأصبح اليورو من أهم وسائط التبادل النقدي بعد الدولار وأحد أهم العملات في تسوية صفقات التجارة بين الدول. ويمكن الزعم أن بلدان الاتحاد الأوروبي أصبحت خلال السنوات الماضية من أهم مراكز تشغيل العمالة، إذ يتنقل العاملون بين بلدان الاتحاد، خصوصاً بعد انضمام بلدان من أوروبا الشرقية إلى الاتحاد، كما يأتي عمال من بلدان شمال أفريقيا وتركيا.
الأمور ليست وردية إلى درجة تبعث على التفاؤل، فهناك انكماش في الاقتصاد الإيطالي، وحتى الاقتصاد الألماني ما زال بعيداً من الحيوية الملائمة. لكن الاقتصاد الأوروبي يظل يعتمد على المعرفة والعلم وحسن الإدارة، ولذلك فإن إمكانات تجاوز الركود والجمود الاقتصاديين تظل واردة وإن طال الأمد. وسيساهم توسع الاتحاد الأوروبي وارتفاع عدد السكان، بعد دخول بلدان عديدة في العضوية، في خلق فرص واعدة وأسواق استهلاكية قادرة على تحسين الطلب على السلع والخدمات المصنعة، أو المنتجة محلياً والمستوردة. ويمكن اعتبار القلق عنصراً إيجابياً يمكن أن يحفز المعالجات الموضوعية للمشاكل الأساسية مثل أزمة الديون السيادية أو مشاكل النظام المصرفي أو قضايا المالية العامة ومسائل الإنفاق العام.
إن ما يحفز على الوثوق بقدرة الاتحاد الأوروبي على التعافي خلال السنوات المقبلة هو طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة والتي تواجه المحاسبة من شعوبها، وطبيعة الآليات الاقتصادية الحاكمة التي تعتمد على فلسفة الاقتصاد الحر وتلقائية التعامل مع القوانين الطبيعية التي تتحكم بمجريات الحياة الاقتصادية.