«قطوع»، هذا ما يمكن ان نصف به الحالة التي مر بها اللبنانيون العاملون (رجال اعمال وموظفون) في العراق خصوصا في اقليم كردستان، جراء الهلع الذي اصابهم مع تهديد «داعش« للاقليم ولاربيل.
فاقليم كردستان بات على مدار السنوات الاخيرة يشكل الوجهة الاكثر جذبا للاستثمارات اللبنانية التي تقدر باكثر من ملياري دولار، موزعة على قطاعات عدة ابرزها الانشاءات والبناء والفنادق والهندسة والتأمين والمصارف والخدمات المختلفة. فيما يعمل فيها أكثر من 17 الف لبناني. الا ان المواجهات التي اقتربت من اربيل أدت الى انخفاض الاعمال بشكل لافت وهروب غالبية اللبنانيين من رجال اعمال وموظفين. ومع ذلك، فان المنطقة لم تشهد توقف مشاريع او اقفال مؤسسات.
واليوم، يمكن القول انه رغم ان الامور لم تحسم نهائيا، فان الوضع تبدل مع تحسن الوضع العسكري الميداني، وذلك مع ظهور التحالف الدولي الذي ابعد «داعش« عن الاقليم، ومع تقدم العملية السياسية في العراق بتكليف حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية.
المشهد اختلف، فقد بدأ اللبنانيون بالعودة الى الاقليم، كما بدأ الحديث عن تحرك الاعمال، ولو بشكل بسيط.
شقير
وفي هذا الاطار، تحدث رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير عن قلق حيال استثمارات اللبنانيين في العراق خصوصا في اقليم كردستان، الا انه في الوقت نفسه اشار الى «اننا حتى الآن لم نشهد اقفال مؤسسات، او التوقف عن تنفيذ مشاريع«، حاصرا الامر بتراجع حجم الاعمال في مختلف القطاعات بين30 في المئة و40.
شقير الذي سيدعو الى اجتماع في الغرفة للمستثمرين اللبنانيين في العراق الاسبوع المقبل، اعتبر ان حجم الخوف والقلق تراجع الاسبوع الماضي مع ظهور ارادة دولية للتصدي لهجوم داعش على اقليم كردستان، حيث ادت الضربات والهجوم المعاكس الى ابعاد داعش عن اربيل بعدما كانت على مسافة 50 كلم من هذه المنطقة.
وقال شقير «التحديات لم تنته رغم ظهور مؤشرات ايجابية تشير الى السير نحو حل الازمة السياسية في العراق بعد تنحي نوري المالكي وتكليف العبادي بتفاهم ايراني سعودي، وكذلك بعد قيام تحالف دولي للدفاع عن اقليم كردستان«.
أضاف «لذلك سنعقد الاجتماع في الغرفة للاطلاع على حقيقة وضع اعمال اللبنانيين في العراق وكردستان والتحديات التي يواجهونها، والتحضر لمواجهة اي طارئ، لحماية استثماراتنا والوقوف الى جانب رجال الاعمال اللبنانيين«.
واشار ان اقليم كردستان شكل في السنوات الاخيرة الى جانب دول الخليج متنفسا للاقتصاد اللبناني في ظل التراجعات التي مني بها في الداخل، لافتا الى وجود اكثر من 1500 مستثمر لبناني في الاقليم وحده تبلغ استثماراتهم أكثر من ملياري دولار، في حين تصل استثماراتنا في مجمل العراق الى نحو 3 مليارات دولار.
وقال «انطلاقا من هذا الواقع فان الغرفة ستضع كل امكانياتها للمساعدة في احتواء اي تطور سلبي للاوضاع. علما اننا بدأنا نشهد تطورا ايجابيا نأمل ان يستمر ويتطور حتى يعود العراق الى سابق عهده ليلعب دوره الريادي في محيطه العربي«.
باسيل
وفي السياق نفسه، اوضح رئيس جمعية مصارف لبنان فرانسوا باسيل لـ»المستقبل» ان المصارف اللبنانية العاملة في العراق خصوصا في اقليم كردستان لم تواجه اي مشاكل، خصوصا انها كانت في الفترة الماضية حذرة أكثر من اللازم، واتخذت كل الاجراءات الاحترازية بالتوازي مع ما يحصل في منطقة الموصل المتاخمة للاقليم.
الا ان باسيل لم يخف تراجع الاعمال، مع الحذر الشديد الذي رافق المعارك العسكرية التي اقتربت من اربيل، ما ادى ايضا الى تقليص عدد الموظفين اللبنانيين العاملين هناك بشكل كبير، لافتا الى انه مع تحسن الاوضاع في الايام الماضية بدأنا نشهد عودة لهؤلاء الى اربيل.
ولفت باسيل الى وجود 8 مصارف لبنانية في اربيل، وهي لديها فروعا في بغداد والبعض منها في البصرة، «كما ان هناك مصرفين جديدين تم اعطاءهما ترخيصا»، مشيرا الى ان رأسمال المصارف اللبنانية في العراق يصل الى نحو 150 مليون دولار.
واكد باسيل انه «رغم تراجع الاعمال في الاقليم لفترة قصيرة الا انه لدينا ثقة كبيرة بمستقبل العراق خصوصا اربيل«.
الصراف
وقال عميد الصناعيين جاك الصراف لـ»المستقبل» «ان الحوادث التي حصلت في العراق اخيرا احدثت نوعا من الخوف لدى المستثمرين، الامر الذي دفع الى التريث بعض الشيء للنظر في التطورات، لكن في كل الاحوال المشاريع لم تتوقف».
ولفت الى ان «الوضع اليوم افضل بكثير من الاسابيع الماضية، نظرا للتحسن الذي طرأ على الوضع العام خصوصا بالنسبة لابعاد داعش عن حدود اقليم كردستان».
وقال «لا شك ان اقتراب داعش الى مسافة 50 كلم من اربيل جعل الناس تخاف، ما ادى الى خلق نوع من الجمود ودفع الكثير منهم الى ترك المنطقة». اضاف «لكن منذ اسبوع، بدأت الطائرات تعود الى الاقليم ممتلئة بالركاب».
واكد الصراف اهمية العراق الاقتصادية بالنسبة للبنان لا سيما كردستان التي يعمل فيها اكثر من 17 الف لبناني بين رجل اعمال وموظف، لافتا الى وجود خط طيران لـ»الميدل ايست» بين بيروت واربيل، وهذا يسهل كثيرا تفعيل التعاون الاقتصادي المشترك وتسهيل انتقال رجال الاعمال اللبنانيين لمتابعة اعمالهم في الاقليم.
ولفت الى ان اعمال اللبنانيين في اقليم كردستان تتوزع على مختلف القطاعات لا سيما المصارف والفنادق وبيت السكن والهندسة والبناء والتأمين وغيرها.
مارون
نائب رئيس جمعية الصداقة اللبنانية الكردستانية منعم مارون قال لـ»المستقبل» «كل الاشغال تضررت جراء الهجوم على الموصل واقتراب داعش من اربيل»، مشيرا الى «تراجع اشغال الفنادق بشكل لم نشهد له مثيلا، كما ان جزءا كبيرا من الموظفين اللبنانيين تركوا اربيل وعادوا الى لبنان». وقال «ان تطور الاحداث في الاسابيع الماضية، وضع كل اللبنانيين العاملين في الاقليم في حالة خوف شديد، لحجم الاستثمارات الكبير ولعدد اللبنانيين العاملين هناك»، مؤكدا ان اربيل تبقى وجهة استثمارية هامة جدا للبنان، لاعتبارات عدة ابرزها: قربها من لبنان، سهولة الدخول اليها، سهولة الاستثمار وامكانية التملك».
واكد مارون ان الوضع الآن بات مختلف بعد التطورات الايجابية التي حصلت بابعاد داعش عن اربيل، واقامة تحالف دولي لمحاربتها، وكذلك بعد السير بالعملية السياسية واختيار رئيس جديد للحكومة العراقية الامر الذي خفف الاحتقان.
وأكد ان اللبنانيين مروا بـ»قطوع»، ونحن الآن نشهد فصوله الاخيرة، والاوضاع بدأت تتحسن وتعود الى سابق عهدها.