IMLebanon

تداول لندن لليوان الصيني سيحوله إلى «عملة عالمية».. وسياسة بكين تحدد مساره

SharkAwsat1

باولا سوباتشي (مدير أبحاث الاقتصاد الدولي في معهد «تشاتام هاوس»)

كان جورج أوزبورن في مزاج فائر الأسبوع الماضي، بينما كان في استقبال الأخبار الخاصة بأن بنك التعمير الصيني قد حدد بنك المقاصة الرسمي في لندن للتداول على الرنمينبي. وعلق وزير المالية البريطاني على ذلك بقوله «لا تحدث تغييرات تاريخية في عالمنا المالي إلا قليلا»، مضيفا أنه كان يرغب في أن «تعمل المدينة على تسهيل هذا التغيير، وأن تكون محورية حياله».
ويوفر هذا التطوير البنية التحتية للندن من أجل التنافس مع هونغ كونغ وسنغافورة، اللتين كانتا حتى الآن تعملان بالعملة الصينية في السوق الخارجية. وتصل شريحة لندن في السوق حاليا إلى 15 مليار رنمينبي (1.5 مليار إسترليني) – أي مجرد قطرة في محيط مدينة أسواق رأس المال في لندن. لكن المتفائلين يرون أوجه شبه مع التطور في سوق لندن القائمة على «اليورو – دولار» في الخمسينات من القرن المنصرم، والذي سمح للعملة الأميركية بأن تستخدم خارج النظام المالي الأميركي، وساعد على دفع لندن إلى قلب المالية العالمية.
كان سوق «اليورو – دولار» رد فعل على فرض الرقابة على الصرف في عام 1957، وسط أزمة الثقة في الاقتصاد البريطاني، حيث منعت القواعد استخدام الإسترليني في التجارة بين أطراف خارج المملكة المتحدة، مما هدد بتقليص دور البنوك في المدينة. وردا على ذلك، بدأت بعض البنوك في لندن في قبول الودائع بالدولار واستخدامها لتمويل القروض المقومة بالدولار للعملاء في بريطانيا أو في الخارج. وكانت السوق الجديدة بمثابة مبادرة تجارية وليست تنظيمية – على الرغم من أن السلطات النقدية والمالية على جانبي الأطلسي تختار عدم التدخل.
إن تدويل التداول على الرنمينبي شيء مختلف تماما: فهو تطوير مستند إلى سياسة، حيث تحدد من خلاله السلطات الصينية وتيرة السوق وتقوم بتوجيهه. ولا ينبغي أن يكون ذلك مقلقا للغاية بالنسبة لهونغ كونغ، التي تعد حتى الآن المكان الرئيس للتداول على الرنمينبي، نظرا لأنها جزء من الصين – وإن كان لكل واحدة إطارها القانوني والتنظيمي الخاص بها. لكن ربما يكون الأمر أكثر صعوبة للندن وغيرها من المراكز المالية خارج اختصاص بكين. وما سيحدد مسار تداول الرنمينبي لسنوات قادمة هو شهية السلطات الصينية تجاه الانفتاح، وليس شهية القطاع الخاص حيال الأصول الصينية.
واستند بناء سوق «اليورو – دولار» على هيمنة الدولار، والذي أصبح في نهاية الخمسينات العملة الدولية الرائدة، حيث استخدم لتسوية وتخليص أكثر من 80 في المائة من التجارة الدولية. وبحلول عام 1970، كان هناك 385 مليار دولار خارج الولايات المتحدة، حيث كان يمكن بسهولة إغراء البنوك الخارجية بهذه العملة. ونمت سوق ودائع الدولار في الخارج بأكثر من 25 في المائة سنويا خلال السبعينات، وتضاعف حجمها أربعة أضعاف بين أعوام 1977 و1987. وحاليا تقع ربع الميزانية العمومية بالدولار الأميركي في الخارج – وهي أعلى حصة مقارنة بأي عملة أخرى.
لكن حتى إذا كانت الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مصدر، قلصت عملتها من الاستخدام الدولي، فإن دفع بكين تجاه التدويل زاد من نسبة التداول الصيني على الرنمينبي – ولكن أيضا يبدو أن الرقم قد استقر عند هذا الحد، أي نحو 14 في المائة من إجمالي التجارة في البلاد، إذ يمكن بالكاد رصد هذه العملة في نظام المدفوعات الدولية. وليس لدى لندن سوى خيار التعامل مع بكين حيال جهودها الرامية إلى تدويل العملة الصينية. وعلى هذا سيكون البديل هو تضييع فرصة السير في الاتجاه الذي سيكون أكثر أهمية مع استمرار تحول مركز الجاذبية الاقتصادية نحو الشرق. لكن النتيجة هي أن لندن سيكون عليها التحرك وفقا لوتيرة القرارات التي تضعها السلطات الصينية بشأن الإصلاح المالي والنقدي. وفي حين لا تزال بكين في مقعد السائق، فإنها تشير إلى رغبة جديدة في فتح قطاعها المالي أمام المشاركة والتدقيق الخارجيين.
ويمكن فهم حذر السلطات الصينية. فحتى اتخاذ خطوات صغيرة تجاه التحرير يمكن أن تسفر عن ضغط لا يمكن مقاومته نحو التحرك بشكل أسرع، حيث إن الانفتاح المبكر لحساب رأس المال يمكن أن يطلق العنان لتدفقات مالية ضارة ويقوض استقرار اقتصاد الصين. وحذر تشو شياو تشوان، محافظ البنك المركزي الصيني، الشهر الماضي بأنه لا بد أن تتخذ إجراءات «احترازية كلية» جديدة لتنظيم تدفقات رؤوس الأموال، حتى في حال رفع القيود «الإدارية» الحالية. ويجب على الممولين من لندن أن يحتاطوا، نظرا لأن أسلافهم أعطوا مطلق الحرية في تطوير سوق «اليورو – دولار». وتشير الدلائل إلى أن إدارة بكين القائمة على تداول الرنمينبي ستكون أكثر حذرا بكثير.