Site icon IMLebanon

الآبار الجوفية في طرابلس عرضة للملوحة والتلوّث والجفاف…وغياب تام للمعالجات بانتظار تطبيق إعادة التغذية

Liwa2
حسام الحسن

تعتبر مشكلة المياه في البلدان كافة همّاً أول للمسؤولين، وتتركز الجهود حول المستجدات التي طرات فيما خص تغيّرات المناخ وتأثير ذلك على مصادر المياه بشكل كبير، ويعتبر لبنان من البلدان التي تواجه خطر التصحر وخطر جفاف الكثير من المصادر المائية من أنهر وينابيع وآبار جوفية وغير ذلك.
وتغيب في لبنان السياسة المائية اللازمة والصحية لمواجهة هذه الظاهرة ما أدى الى تراجع في مخزون المياه بالإضافة الى غياب الاهتمام الرسمي التام عن ضبط المخالفات التي تتعرّض لها مصادر المياه من أنهر وآبار ارتوازية أو جوفية وينابيع وغيرها، وبالتالي هناك جرائم حقيقية ترتكب على أعين المسؤولين ولا حياة لمن تنادي، وبلدان العالم تولي الاهتمام الأول لمصادر المياه ومخزونها بينما نحن في لبنان نتركها عرضة للتعدّيات، تغيّب بشكل تام السياسة المائية السليمة التي تهدد أمننا الغذائي الأول وهي فقدان معظم مصادر المياه في وطننا الحبيب لبنان.
وفي طرابلس لا تقل شأنا مشكلة المياه ومصادرها عن المشكلة في المناطق اللبنانية كافة، وبالتالي فان المدينة تواجه جرائم الاهمال الطارئة على مصادر مياهها الجوفية أولا المتمثلة بالتعدّي الفاضح والصريح على المخزون الأول للمياه الموجودة في الطبقة السفلية الممتدة من منطقة أبو حلقة وصولا الى كوسبا في قضاء الكورة وراسكيفا في قضاء زغرتا والتي ينبع منها نبعي هاب ورشعين مصادر المياه الأولى لمدينة طرابلس، ومن ثم التعدي الحاصل على الآبار الجوفية التي تعاني من جفاف في بعض الأحيان ومن ملوحة في البعض الآخر ومن تلوث كيميائي صناعي أو تلوث عضوي من المياه العادمة الى البعض منها، ولعل الأخطر من كل ذلك هي استعمال المياه بشكل غير مسؤول وهدرها وبالتالي السحب الدائم للمياه من مصادرها وخاصة من الآبار الجوفية دون تأمين سياسة تغذية لهذه الآبار.
من هنا يجب دق ناقوس الخطر والعمل على تطبيق سياسة مائية مسؤولة أولا بترشيد استخدام المياه من ثم وضع خطة مائية تقضي بإنشاء السدود ووقف هدر المياه، وبالتالي تأمين مصادر تغذية لمصادر المياه حتى لا نقع في المحظور ونصل الى نتائج قد لا تحمد عقباها.
«لواء الفيحاء والشمال» توقفت في هذا الاسبوع عند المشاكل التي تواجهها مصادر المياه والآبار الجوفية في طرابلس وحجم التعدّيات عليها مع عدد من الإخصائيين في هذا المجال، الذين أكدوا ان المشكلة بداية تأتي في سياق مشكلة عامة هي تغيّر المناخ وخطر التصحر التي تواجهه المنطقة وعدم تطبيق سياسة مائية تقضي بتأمين مصادر تغذية بديلة للآبار الجوفية وترشيد استخدام هذه المياه التي نحصل عليها من مصادرها.
المهندس الجمالي
* الرئيس الأسبق لاتحاد بلديات الفيحاء المهندس رشيد الجمالي قال: بشكل عام مصادر المياه في العالم وفي لبنان وبشكل مباشر في طرابلس والشمال تتأثر بالعوامل الطبيعية أي بعملية التغيّر المناخي، وتشير المصادر العلمية المختلفة الى ان منطقتنا، في لبنان والشرق العربي القريب فلسطين والأردن وسوريا، ستدخل مرحلة تصحر تدريجي في المستقبل مصحوبة بقلّة المطر والجفاف وحرائق الغابات وانخفاض المساحات الخضراء، وستمتد هذه المشكلة على مدى سنوات وستغيّر طبيعة البلدان وسيتأثر بها الاقتصاد في لبنان.
وما يجري في لبنان ان المتساقطات في لبنان تبلغ 800 مليون متر مكعب على كل الأراضي اللبنانية ومعدلات الأمطار في الشمال تعتبر الأعلى نسبة عن باقي مناطق لبنان، ولكن الاشكالية الكبرى اليوم ان ما سقط من أمطار هذه السنة يقل عن 25 بالمئة من المعدل السنوي للمتساقطات عن السنين الماضية والأمطار التي سقطت في عام 2013 – 2014 بلغ 200 مليون متر مكعب من أصل 800 مليون متر مكعب.
وانعكس ذلك على المياه الجوفية بشكل خاص وفي لبنان يوجد 40 نهرا معظمها جف، ولدينا حوالى ألفي نبع معظمها جفت، وبصورة خاصة على سبيل المثال نبع السكر في الضنية، أحد أبرز الينابيع اللبنانية، اليوم جف. وهذا التأثير أيضا ينعكس على المياه الجوفية التي انخفض مستواها الى أقل من 12 بالمئة.
واليوم تتأثر المياه الجوفية في طرابلس بعوامل أخرى هي الاعتداءات والتلوث الحاصل في مصادرها وخاصة في مخزون المياه الطبيعي الذي يمتد حتى قضائي الكورة وزغرتا وحجم التعديات عليه، وبالتالي عدم وجود شبكة صرف صحي في تمنع تسرّب المياه المبتذلة الى المياه الجوفية، وبالتالي لم يتم وصل شبكة الصرف الصحي بمحطة التكرير التي تم انشاؤها في المدينة ولا تزال المياه المبتذلة تُرمى في البحر أو في الجور الصحية.
ويتسرّب جزء كبير من هذه المياه الى المياه الجوفية وهذا كله يرفع نسبة الملوحة في المياه الجوفية في المدينة.
المطلوب اليوم مجموعة من الاجراءات المتكاملة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، أولها تشغيل محطة التكرير بشكل جيد وهي قادرة على انتاج كمية كبيرة من المياه الصالحة للاستعمال الزراعي وتخفف أعباء مالية في الانتاج الزراعي، وعلينا أيضا ترشيد عملية الاستهلاك باعتبار اننا نعوم على بئر لا ينضب، وعلينا أن نعتمد سياسة إنشاء سدود في كل لبنان بشكل منتظم على مساحة الوطن يوقف ذهاب المياه في النهر.
الدكتور حجازي
* الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية في مادة الجيولوجيا في كلية العلوم الدكتور فتحي حجازي شرح بداية مشكلة المياه في العالم التي ترتبط بشكل مباشر بما يجري في لبنان والمناطق اللبنانية، وقال لدينا مليار إنسان في العالم من أصل 7 مليارات لا يشربون مياه نظيفة و40 بالمئة من البشرية ليس لديهم بنى تحتية و3 ملايين ونصف إنسان يموتون من تلوث المياه ومليون يموتون بالملاريا.
وحاجة الإنسان للمياه تُعد بالمرتبة الأولى، ويحتاج الفرد لكميات كبيرة منها في الاستعمالات المتنوّعة، الفردية والزراعية والصناعية. والمياه هي المادة الغذائية رقم واحد للإنسان.
وأضاف: ان الكمية الموجودة من المياه هي كمية محدودة و97 بالمئة غير صالحة للشرب و3 بالمئة تتوزع بين الثلوج و0,6 بالمئة موجودة في المياه الجوفية، والباقي تشكّله المياه السطحية. إذا المياه ضئيلة جدا والسبب هو كما يقول المثل الشعبي ان «ما نضعه في الدست سنغرفه بالمغرفة».
وتعتبر نسبة المتساقطات في لبنان نسبة عالية قياسا للبدان الأخرى ولدينا كميات كبيرة منها تذهب في البحر ولدينا تعدّيات كبيرة على المياه الجوفية، وبالنسبة لطرابلس لدينا عدة أنواع من مصادر المياه احداها الآبار الجوفية التي تتعرّض للملوحة بسبب تسرّب مياه البحر إليها، وهي تنتشر بشكل عشوائي، وبالتالي تستخدم بشكل عشوائي دون تأمين التوازن الفعلي أي استخدام دائم بدون مراعاة حجم الايرادات المالية التي تغذّي هذه الآبار ما يؤدي الى زيادة نسبة الملوحة فيها أو جفافها.
ومن الناحية الجيولوجية فان مصادر المياه الجوفية في طرابلس من خلال حوضين مختلفين، الأول هو مخزون المياه الموجود في أسفل قضائي الكورة وزغرتا ويمتد من منطقة أبو حلقة ووصولا الى بلدة كوسبا في قضاء الكورة الى بلدة سكيفا في قضاء زغرتا وهو يواجه تعديات كبيرة منها تسرّب المياه المبتذلة وتسليط المجاري المائية الملوثة على هذا المخزون وهو يؤمّن مصدر المياه لنبعي هاب ورشعين مصادر المياه الأولى لمدينة طرابلس. والحوض الثاني يمتد أسفل المنطقة الساحلية في طرابلس ويمتد الى الأقضية المجاورة وصولا الى عكار الساحلية وهناك فالق بين هذين الحوضين.
والمشاكل الأساسية في طرابلس هي التوسع العمراني والانتشار الواسع للمباني والقيام بحفر الآبار على أساس انها ستكون مصدر دائم للمياه دون مراعاة عملية تغذية هذه الآبار، وهذا ما يؤدي الى قلّة في نسبة المياه الموجودة في المياه الجوفية مما يؤدي الى تسرب المياه المالحة إليها وجفافها في بعض الأحيان، إذ السحب الجائر هو السبب الأساسي في ملوحة المياه في الآبار الجوفية في طرابلس إذا يجب الحرص على إعادة تغذية لهذه الابار ويجب أن تكون بموازاة عملية سحب المياه منها وعدم اعتماد سياسة بديلة ويجب اعتماد سياسة مائية راشدة تراعي حجم المصادر والحجم الاستهلاكي من المياه ووقف الهدر للمياه عبر إقامة السدود بشكل مدروس والحرص على سياسة إعادة تغذية مصادر المياه الجوفية حتى نصل الى جفاف تام وإقامة عدد من البحيرات.
وختم الدكتور حجازي: يجب اعتماد سياسة طويلة الأمد تقضي بالحرص على حسن ترشيد استخدام المياه، وبالتالي تأمين سياسة إعادة تغذية لكل مصادر المياه ومنع حفر الآبار الفردية وتأمين بنى تحتية ومنع الاعتداءات على مصادر مخزون المياه في طرابلس.