جاسم عجاقة
من المعروف أنّ الموارد الطبيعية لا تكفي لسدّ حاجات الإنسان. وهذا يأتي من منطلق أنّ كل الموارد الطبيعية هي موارد محدودة، أما حاجات الإنسان فهي غير محدودة. وبما أنّ تصنيع السلع والمواد الغذائية يتمّ بواسطة الموارد الطبيعية، لذا يستنتج المرء أنه لا يُمكن سدّ كل حاجات الإنسان، ويهدف الاقتصاد في تعريفه الأساسي إلى توزيع الموارد لتلبية هذه الحاجات بشكل أمثل.
الاقتصاد عبارة عن مجموع العمليات التجارية التي تجمع اللاعبين الإقتصاديين الأساسيين، أي الأُسر والشركات. هذه العمليات تنقسم إلى نوعين: اليد العاملة التي تؤمّنها الأسر للشركات وتتقاضى أجراً بالمقابل، وخدمة السلع التي تؤمّنها الشركات للأُسر وتتقاضى في المقابل ثمنها.
هذه الدائرة تُسمّى الدائرة الاقتصادية والتي تسمح بخلق الثروات وتتمثل بفرق سعر بيع السلع وكلفة تصنيعها والتي تُسمّى بالربح. ولكي تتمّ عملية البيع ينبغي توفّر الشرطين التاليين: أن تتقاضى الأُسر أجراً لكي تستطيع شراء السلع (الإستهلاك)؛ وأن تتوفر الأموال للشركات لكي تستطيع تصنيع السلع (الإستثمار).
ولقياس الاقتصاد، يعمد الخبراء إلى إستخدام ثلاثة مؤشرات: البطالة (هل أعمل؟)؛ الناتج المحلي الإجمالي (كم أجني؟)؛ والتضخّم (هل لما أجنيه من قيمة؟). من هنا يظهر إلى العلن ما يُسمّى بالسياسة الاقتصادية والتي تقوم على التأثير في الإستهلاك والإستثمار وقياس النتيجة بواسطة المؤشرات الآنفة الذكر.
الإقتصادات العربية… واقع تعيس
تاريخياً، نشأت الدول العربية من توسّع القبائل والعشائر العربية في جنوب شبه الجزيرة العربية في القرون الأولى بعد الميلاد. هذا الأمر أدّى إلى خلق دول نموذجية تحتفظ بخصائصها حتى يومنا هذا (دول الخليج بشكل رئيس). وخلق الإستعمار العثماني والذي دام ما يُقارب الـ 500 سنة نموذجاً آخر من الدول العربية، تكوّنت بشكل أساسي في أواسط القرن الماضي.
لكنّ هذه الدول ومنذ الحكم العثماني، أخذت بتوريط القوى الأجنبية في شؤونها الداخلية على مثال أزمة العام 1840 حين دعى العرب فرنسا وبريطانيا لطرد الأتراك من أرضهم.
أما إقتصادياً فتنقسم الدول العربية إلى ثلاثة أقسام: الدول ذات الاقتصاد النفطي (مثال دول الخليج)؛ الدول ذات الإقتصاد شبه الصناعي (مثال مصر)، والدول ذات الإقتصاد الخدماتي (مثال لبنان). وتفتقر هذه الإقتصادات إلى التجارة البينية التي هي شبه معدومة بين بعض الدول العربية بسبب المواقف السياسية ولكن أيضاً بسبب عدم تنوّع الاقتصاد.
إستطاعت الدول العربية الإندماج عامودياً في الاقتصاد العالمي بشكل جيد. لكن، وكما لكلّ ميدالية وجهان، أصبحت هذه الإقتصادات عرضة للأزمات العالمية كأزمة دبي التي كانت نتيجة للأزمة المالية العالمية.
وهيكلية الإقتصادات العربية تسمح بالقول إنّ هذه الإقتصادات تعيش حالَ نموّ آني وغير مستدام. فحال النموّ الآني تأتي من النفط الذي سيأتي يوماً وسيبلغ ذروة إستخراجه ما يعني أنّ المداخيل ستقلّ. كما أنّ الإقتصادات في الدول الأخرى هي إقتصادات هشة لم تسمح بمحو الفقر الذي يضرب العديد من البلدان وهذا حرم قسماً كبيراً من الشعب من الإستفادة من النموّ.
وقد أدّت الأحداث الأمنية والسياسية التي عصفت بدول الربيع العربي إلى كسر حلقة النموّ فيها وبالتالي تظهر أهمية الإصلاحات الهيكلية والقانونية والإقتصادية في كل الدول العربية.
هناك وجهة نظر إقتصادية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم مفادها أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم هي شركات عادية تتميّز بعدد قليل من الموظفين (أقل من 250) ورأسمال يختلف تحديد سقفه بحسب الدول.
ودور الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في إنماء دول العالم الثالث هو دور أساسي يجب إعتماده في إستراتيجيات النموّ التي تعتمد على الإستهلاك الكبير وخلق قاعدة تكنولوجية محلية عبر الإستثمارات. ويفرض خلق هذه القاعدة التكنولوجية المحلية توزيعاً شبه متساوٍ للثروات حيث إنه تاريخياً كل منطقة شهدت نمواً مستداماً، كان فيها توزيع متساوٍ للثروات.
هذا بالتحديد هو الدور الأساسي للشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم التي تُوظف أكبر عدد من الأشخاص، وبالتالي تسمح بتوزيع عادل للثروات، على عكس الشركات الكبيرة التي تنحصر فيها الثروات بطبقة معينة لا تستهلك بحجم إستهلاك الطبقة المتوسطة (نظراً إلى العدد).
الجدير بالذكر أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم هي الحجر الأساس في نقل التكنولوجيا، وعلى عكس الإعتقاد الساري، فالإنماء الاقتصادي لا يتميز فقط بزيادة كثافة رأسمال الإنتاج إنما بتخطيط من قبل الدولة يسمح بتطوير هذا القطاع.
وهذا يعني أنّ خلق قاعدة تكنولوجية يفرض تطوير قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وذلك بتحويل قسم من الشركات غير الرسمية (informal) إلى شركات صغيرة ومتوسطة الحجم. ومن الملاحظ أنّ التعايش بين الاقتصادات النامية والاقتصادات المتقدمة يخلق عدمَ تجانس على المستوى البنيوي في العالم الثالث.
هذا الأخير يخلق نوعاً من الريع ويقتل التطوّر التكنولوجي المحلّي، ويدفع إلى زيادة عدم المساواة في توزيع الدخل وبالتالي زيادة الفقر! وهنا يُمكن ذكر وضع لبنان الذي يُعتبر إقتصاده شبه ريعي من ناحية أنّ اللبناني هو مُستخدم للتكنولوجيا وتُشكل الأموال التي يُحوّلها اللبنانيون إلى ذويهم أساس المدخول! والحلّ الأمثل للبنان كما للدول العربية يكمن في إعتماد منهجية تكنولوجيا متوسطة والتي هي الطريق الأمثل للحصول على التكنولوجيا المتقدّمة.
هذا الواقع يدفعنا إلى إستنتاجين أساسيين :
– الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم هي حجر الأساس في الاقتصاد.
– الطبقة المُتوسطة هي حجر الأساس في المجتمع.
أين لبنان من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم؟
بحسب أرقام وزارة الاقتصاد والتجارة المنشورة على بوّابتها الإلكترونية، 97% من الشركات اللبنانية هي شركات صغيرة ومتوسطة الحجم. وتُشغل أكثر من 51% من اليد العاملة (قطاع التجارة 44%). إلّا أنّ هذه الشركات تُواجه مشكلات جمّة تلجم دورها الطبيعي، أي توزيع الثروات. ومن هذه المشكلات:
– نقص في التمويل يعود سببه إلى رفض المصارف اللبنانية إقراض شركات ذي مخاطر عالية. والغريب في أمر المصارف أنها تطلب كفالة من الدولة اللبنانية لكي تعمد إلى إقراض هذه الشركات مع العلم أنّ 65% من دين الدولة اللبنانية يعود إلى المصارف.
– سياسة الدولة الضريبية والتي تفرض ضرائب على الأرباح في الأوقات العصيبة ولا تُساعد في خلق فرص عمل للشباب اللبناني بما يدفع الشركات إلى إستخدام العمالة الأجنبية غير المُصرّح عنها.
– التعقيدات الإدارية في ما يخصّ معاملات خلق الشركات، التصريح عن الضرائب، تصريح الضمان…
– الوضع الأمني والسياسي والذي يضرّ بالدرجة الأولى بهذه الشركات نظراً إلى أنها لا تتمتّع بقدرة مالية عالية.
من هنا يأتي الدور المتوازن للدولة في الاقتصاد من ناحية عدم إنخراطها في الماكينة الإنتاجية (كهرباء، إتصالات…) وتحديد دروها في تنظيم القطاعات وتحريرها، خلق بيئة مؤاتية للقطاع الخاص، وتشجيع خلق فرص عمل للشباب مع إعتماد مبدأ الحوكمة من دون تحيّز، ومحاربة الفساد.