IMLebanon

نجاح إدارة الأزمة المالية العالمية الحالية.. عكس الثلاثينيات

FinancialTimes

آلان بيتي

لا أتفق مع دان دريزنر، فهذا غير ممكن. الأطروحة التي تبنّاها في كتابه الأخير هي أن الحوكمة الاقتصادية العالمية، مع أخذ كل الأمور في الاعتبار، نجحت بشكل جيد أثناء الأزمة المالية العالمية.
لقد أنفقتُ الكثير من الوقت والحبر والصور في مجادلة العكس. من ناحية أخرى، لقد تعلّمتُ أيضاً على مر السنين أنك إذا وجدتَ نفسك تختلف في الرأي مع دريزنر، فأنتَ تحتاج إلى النظر عميقاً إلى نفسك وما تفعله في حياتك.
تمكّن دريزنر، أستاذ السياسة الدولية في جامعة تافتس، بشكل مُغيظ من الجمع بين كونه من مشاركي المدونات الأعلى مرتبة، وبين مهنة أكاديمية مزدهرة بدوام كامل.
في كتاب “النظام نجح”، يجادل أن مؤسسات الحوكمة العالمية – الاقتصادات الرائدة في مجموعة العشرين، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها – قد عملت جيداً جداً لمنع الأزمة المالية العالمية، من التحوّل إلى فترة أخرى من فترات الكساد العظيم.
لقد استجاب وزراء المالية من خلال التحفيز المالي، كما أن قواعد التجارة العالمية منعت موجة من سياسة الحمائية، فيما نسقت الحكومات سياسات الاقتصاد الكلي لاستعادة النمو. حتى الشخص العنيد الأكثر نكداً بالكاد يستطيع الشك في أن السلطات عملت بشكل أفضل بكثير هذه المرة، مشيراً في ذلك إلى أن الاستجابات لفترة الكساد في الثلاثينيات كانت عبارة عن قفزة فوق عقبة منخفضة جداً، وبالتالي فإن القفز فوقها لا يشكل تحدياً. اعتراضاتي تدور حول مسائل الحكم أكثر من التناقضات الصريحة: من رأيي أن الاستجابات كانت أقل إثارة للإعجاب، وبالتأكيد أقل منهجية مما تم تصويره في هذا الكتاب.
بشكل غريب، يستخف دريزنر على أية حال بما قد يكون أقوى أوراقه الدور بالغ الأهمية للبنوك المركزية، ولا سيما مجلس الاحتياطي الفيدرالي. قذف “الاحتياطي الفيدرالي” الأفكار التقليدية إلى الخارج في حملته لدفع الأموال إلى النظام المالي في الولايات المتحدة، وأقام خطوط مقايضة لحث نظرائه الأجانب على الاقتداء به.

إلا أن الجانب الأبرز من هذا كان أنه اقتضى أنظمة رسمية قليلة من الحوكمة العالمية. عندما قررت البنوك المركزية في العالم تنسيق التخفيضات في أسعار الفائدة عام 2008 عندما كانت الأزمة مستعرة، اتصلت ببساطة ببعضها بعضا وأنجزت الأمر على الفور.

لو لم يتعلّم محافظو البنوك المركزية الدروس من فترة الكساد العظيم، لكان كل شيء كارثياً؛ من خلال ذلك، كانت هناك حدود لمدى الضرر الذي يمكن أن تُلحقه حتى الحكومات السيئة فعلاً.

أنا أقل إعجاباً من المؤلف بالإجراءات التي اتخذتها الحكومات. لنأخذ بضعة أمثلة: يتوصل دريزنر إلى أن الحوافز المالية الكينزية المختلفة لتعزيز النمو الاقتصادي انقلاب هائل في الفكرة السائدة حول الموازنة المتوازنة، التي كانت مسيطرة بشكل كارثي أثناء الكساد العظيم.

في رأيي أن مجموعة الـ 20 كان في إمكانها عمل ما هو أفضل بكثير من برنامج تحفيز جماعي يُعادل 1.1 في المائة من اقتصاد العالم في عام 2009، وهو عام كان فيه الناتج المحلي الإجمالي يتقلّص.

التحفيز المالي في أمريكا في ذلك العام، الذي شكَّل 1.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، كان أصغر من تراكم التخفيضات الضريبية التحفيزية التي أقرها الرئيس جورج دبليو بوش، خلال طفرة العقد الأول من الألفية.

كما يتوصل دريزنر أيضاً إلى أن الصين ستصبح شريكاً مسؤولاً في الاقتصاد العالمي، من خلال السماح بارتفاع قيمة عملتها في عام 2010، بعد الضغط الدولي لإعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي، وبخلاف ذلك التعاون في مؤسسات الحوكمة العالمية.

من رأيي أن بكين عموماً لا تطيع القواعد إلا إذا كانت في مصلحتها في الأصل.

قرار الصين في عام 2010 بخصوص الرينمينبي عمل على استئناف السياسة التي علقتها عام 2008 بسبب الأزمة فحسب، كما قاومت بكين بنجاح أي محاولة لخلق قواعد مُلزمة بشأن العجز في الحساب الجاري، في مجموعة العشرين.

ربما تشارك الصين في القواعد الدولية بخصوص صناديق الثروة السيادية، لكن أكبر صناديقها: إدارة الدولة للنقد الأجنبي، هو قدوة تحتذى لمن يريد التعتيم.

الحقيقة، وهي أمر أعتقد أن كلينا يقر به، هي أن سجل إنجازات الحوكمة العالمية مرقع وغير متجانس، ونتائجها حتى الآن غير مؤكدة. شخص متفائل مثل دريزنر في إمكانه الإشارة إلى اتفاقات بازل 3 باعتبارها تجربة ناجحة في صناعة السياسة الدولية، التي واجهت ضغوطاً شرسة من الصناعة المصرفية؛ أما المتشائم فبإمكانه أن يشير إلى عدم اليقين حول ما إذا كانت هذه القواعد ستمنع نشوء أزمة مالية جديدة.

في إمكان المتفائل رؤية اقتصاد عالمي متنامٍ وتقلّبات مالية منخفضة؛ أما المتشائم فليس له سوى التركيز على منطقة اليورو، حيث الأيدولوجية الخاطئة تهدد بإحداث ركود على مدى فترة طويلة – وفي إمكانه إبراز الورقة الرابحة لتغيّر المناخ غير المُسيطر عليه، وهو كارثة عالمية في الحوكمة، من المرجح أن تغمر جميع الكوارث الأخرى.

مع ذلك، لا أزال غير متفق مع دريزنر، أو على الأقل ليس في النقاط الرئيسية. هذا الكتاب المُفصّل والمقنع واللامع لا بد من قراءته من قبل جميع العاملين في مجال الحوكمة العالمية – ومن قبل أي شخص يرغب في معرفة كيف من الممكن أن تكون أسوأ من ذلك بكثير، على الرغم من أن الأمور كانت سيئة منذ الأزمة المالية العالمية.