يبدو أن حدة المواجهة بين المالكين والمستأجرين انتقلَتْ مجددًا من المجلس الدستوري إلى مجلس النواب، في سباق بين الفريقَين، كل لإقناع النواب بتفسيره للقرار الأخير الصادر عن المجلس الدستوري حول دستورية القانون الجديد للإيجارات، وبخاصة أن النواب الذين قدموا الطعن وأبرزهم النائب وليد سكريه متمسكون بوجوب رد القانون إلى مجلس النواب لإعادة درسه من جديد كونه برأيهم غير نافذ وغير قابل للتطبيق بعد قرار المجلس الدستوري بالطعن الجزئي بالقانون، فيما يرى نواب آخرون أبرزهم النائب سمير الجسر أن القانون ساري المفعول ولا شيء يمنع تطبيقه في 28 كانون الأول باستثناء المواد التي تم إلغاؤها فقط.
أما الثابت في هذا الإطار، فهو رد الطعن المقدم من 10 نواب من المجلس الدستوري في غالبية مواد القانون، وإعلان بطلان مادتين وفقرة من مادة أخرى، من دون صدور تفسير واضح عن المجلس نفسه أو عن أية جهة قضائية أخرى في تحديد المسار الجديد الذي سيسلكه القانون، لجهة وجوب أو عدم وجوب ترميم المواد الملغاة في مجلس النواب، ولجهة لزوم تطبيق القانون في تاريخه أو رده إلى المجلس. ولمزيد من التوضيح، أفاد مرجع دستوري “النهار” بأن قرار المجلس الدستوري يكون إما بالطعن الكلي أو الجزئي، وفي حال قانون الإيجارات فإن الإبطال جاء جزئياً، وبالتالي فإن القانون ساري المفعول بفلسفته ومبادئه ومفاهيمه، ويصبح نافذًا في تاريخه المحدد. ولو وجد المجلس الدستوري أنه يستحيل تطبيق القانون بسبب إلغاء بعض المواد وأنه يصبح غير ذي فائدة، لبادر هو نفسه إلى إصدار إبطال كلي، وكونه لم يلجأ إلى هذا الخيار فالقانون نافذ حكمًا. ورأي المجلس أن ثمة خيارين لاعتبار قانون غير نافذ: الأولى في حالة الخطأ في النشر أو عدم اكتمال النشر كما حصل في المرة الأولى عند نشر قانون الإيجارات، أو في حال الطعن به كليا من المجلس الدستوري، والحالتان غير متوافرتَين في قانون الإيجارات. وبالنسبة إلى المواد الملغاة، اعتبر المرجع أن القاضي ملزم تطبيق أحكام المواد النافذة أو اللجوء إلى القانون العام، كما أنه على مجلس النواب ترميم المواد الملغاة بما يسهل تطبيق القانون.
على صعيد موازٍ، كشفت مصادر مواكبة للملف أن 10 نواب يعارضون تطبيق القانون الجديد يعتزمون تقديم اقتراح بإعادة تمديد العمل بالقانون القديم للإيجارات 92/160 واعتبار القانون الجديد غير نافذ، وبالتالي يجب إعادة تفعيل القانون القديم منعًا من تطبيق قانون الموجبات والعقود الذي لجأ إليه بعض المالكين عبر رفع دعاوى إخلاء المأجور واسترداده، وهذا ما وضع عائلات المستأجرين في خطر كبير في هذه الفترة، وخصوصًا أن القانون القديم الاستثنائي قد انتهى العمل به في 31 /3/ 2012 من دون تمديده. من ناحية أخرى علمت “النهار” أن هناك مشاورات يجريها عدد من النواب من كتل مختلفة لتحضير مشروع قانون معجل لترميم المواد التي تم إلغاؤها ضمن قانون الايجارات الجديد، وذلك بما يتوافق مع قرار المجلس الدستوري، وسيتم التقدم بالاقتراح قريبًا.
من جهتها، وجهت نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة كتابًا مفتوحًا إلى النواب اعتبرت فيه “أن قرار المجلس الدستوري بالطعن الجزئي ببعض المواد ذات الطبيعة التقنية في القانون الجديد للإيجارات يعني إلغاء هذه المواد واعتبارها غير موجودة، وفي المقابل تثبيت دستورية المواد الأخرى واعتبارها نافذة في تاريخها المحدد بعد ستة أشهر من تاريخ نشر القانون في 27 حزيران 2014، أي في 28 كانون الأول 2014. وبالتالي فإن تطبيق القانون باستثناء المواد التي تم بطلانها أمر ملزم على الدولة والإدارات والمحاكم، لأنه قرار صادر عن مجلس النواب وقد نُشرَ في الجريدة الرسمية، ولا حجة دستورية أو قانونية على الإطلاق تستوجب تجميده أو تعليقه”. وتابعت النقابة في كتابها أن فكرة تعديل القانون برمته أو طرح تمديد القانون القديم يعني بشكل واضح محاولة الالتفاف على الأكثرية النيابية المؤيِدة للقانون، والأهم على قرار المجلس الدستوري الأخير في محاولة لضرب مسار إعادة التوازن إلى العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر لمصلحة الأخير، وسألت عن الفائدة من الطعن بالقوانين وأخذ رأي المجلس الدستوري بها ثم العودة إلى تعديلها من جديد أو إلغائها؟!”. وختمت النقابة بضرورة “اعتبار القانون الجديد للإيجارات مدخلاً لخطة إسكانية شاملة، على أن يستتبع بإنجاز قانون الإيجار التملكي واقراره، وقوانين أخرى تضمن الحق في السكن لجميع اللبنانيين كواجب ملقى على عاتق الدولة”.