أثير في الفترة الأخيرة لغط كبير خلفه قرار المجلس الدستوري القاضي بإبطال المواد 7 و 13 والفقرة «ب 4» من المادة 18 من القانون المطعون فيه، والمتعلقة باللجنة التي أنشأها القانون لبتّ النزاعات حول تخمين المأجور والتعويض المالي، وذلك لعلّة عدم توافر المواصفات والشروط التي تؤدي الى منح اللجنة الصفة القضائية، ولأن قرارات اللجنة مبرمة وغير قابلة للمراجعة.
وعن القانون الواجب التطبيق مستقبلاً، علّق المرجع القانوني المحامي الدكتور بول مرقـص في حديث إلى «الشرق»، بالقول: تشوب قانون الايجارات الجديد ثغرات وعيوب كثيرة في الصياغة، وتنقصه الخطة الإسكانية التي كان من المفترض أن ترافقه لتحمل حلولاً للنقل المشترك والايجار التملكي وتنمية الريف… إلخ. إلا أنه، لو لم يُقرّ القانون المذكور في لحظته التشريعية، لكان من الصعب تصوّر إقراره في المدى المنظور، بعدما عقدت اللجان النيابية المعنية نحو 40 اجتماعاً منذ العام 2002 من دون أن تتوصّل إلى أي صيغة قانون.
وأضاف: «هذا فضلاً عن وجود عائق آخر كان ليحول دون إقرار القانون، ويتمثّل في طغيان «السياسة» بالمعنى المبتذل للتعبير اللبناني، وحجب ما عداها من الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والمالية الملحة، واقتراب الانتخابات النيابية التي غالباً ما يبتعد فيها النواب عن إقرار قوانين غير شعبية. واليوم، في ظل الفراغ التشريعي مع انتهاء مفعول قانون تمديد الايجارات الاستثنائي منذ العام 2012 وصدور القانون الجديد عام 2014، ومع صدور قرار المجلس الدستوري الذي أبطل ثلاثة من أحكام القانون المذكور، يكون المجلس قد أكد دستورية القانون الجديد في مبدئيّته وآليته وروحيّته وسائر مواده غير المبطلة عندما ردّ سائر أسباب الطعن ولم يبطل القانون برمّته. حتى أن أعضاء المجلس الدستوري الثلاثة الذين سجّلوا مخالفتهم وهم من كبار الدستوريين، إنما لم يخالفوا قرار المجلس الدستوري برمّته بل اقتصرت مخالفتهم على إبطال بعض أحكام القانون، الأمر الذي يعني تأكيدهم مبدأ دستورية القانون بعدما شاركوا في صناعة حيثيات مهمة من قرار المجلس الدستوري».
إذاً القانون الجديد بحسب الدكتور مرقص هو «الذي سيطبّق مع انقضاء الأشهر الخمسة المتبقية لنفاذه أي بتاريخ 28 كانون الأول 2014 بما فيه التعديل الذي قد يُدخل عليه من مجلس النواب، تصويباً للأحكام موضوع الإبطال المقضي به من المجلس الدستوري، على اعتبار أن نفاذ القانون يكون بعد ستة أشهر على نشره وقد مضى على النشر نحو شهر ما يجعل القانون واجب التطبيق بعد انقضاء نحو خمسة أشهر من اليوم». وتابع: «أما وقد أصبح قانوناً مكرّساً Loi ecran، وذلك لو لم يتدخّل مجلس النواب مجدداً، بحيث يستطيع المالكون بعد انقضاء الأشهر الخمسة تقديم دعاوى إخلاء أمام القاضي المنفرد الناظر في قضايا الإيجارات على اعتبار أن الإبطال تناول أحكاماً تقنية تتعلّق بلجنة التخمين وبالصندوق المالي، تُعتبر بموجب هذا الإبطال كأنها لم تكن ولا يحول عدم وجودها دون تطبيق القانون، فيعيّن القاضي الناظر في النزاع خبراء عقاريين للتخمين بدل هذه اللجان».
وأشار إلى أن «المجلس الدستوري اللبناني سار في ذلك على نهج المجلس الدستوري الفرنسي، توسيعاً لاختصاصه في حالات الطعن بدستورية بعض أحكام القانون المطعون فيه. فيمارس المجلس الدستوري اختصاصه الرقابي على كامل نصوص القانون معتمداً على قاعدة الترابط في ما بينها، حيث على سبيل المثال، اعتبر المجلس الدستوري اللبناني في قراره رقم 4 تاريخ 7-8-1996 انه يقتضي أن يستتبع إبطال المادة الثانية الجديدة والمادة الثلاثين الجديدة المطعون فيهما، والثالثة والرابعة والخامسة من القانون الرقم 530/1996 نظراً إلى الترابط القائم بين هذه المواد، الأمر الذي لم يذهب إليه المجلس في صدد قانون الايجارات الجديد ما يجعله قائماً ودستورياً». وقال: «يتبيّن أن الاختصاص الذي مارسه المجلسان الدستوريان اللبناني والفرنسي، توسع بحيث قبِل المجلسان الرقابة على كامل مواد القانون، فقضيا بأكثر مما طلبه أصحاب المراجعة كما أجازا لنفسهما استلهام أسباب وحجج لم يثرها الطاعنون بحجة الترابط القائم بين هذه المواد».
وأضاف: «من جهة ثانية، لو كانت الأحكام المبطلة من قانون الإيجارات ذات أهمية وترابط يؤثّران على مجمل القانون، لكان القانون برمّته قد أصبح غير دستوري الأمر الذي لم يتحقق في الحال الراهنة».
وعن دور مجلس النواب المنتظر في هذا الشأن، قال مرقص: من المنتظر أن يقوم المجلس النيابي بعملية «ترميم» للأحكام القليلة المبطلة في القانون من المجلس الدستوري، والمقصود هنا بالترميم هو تعديل الأحكام التي أبطلها المجلس الدستوري حتى تستقيم. إلا أن الإشكالية تكمن في أن المجلس قد تحوّل مبدئياً إلى هيئة ناخبة لا اشتراعية بحسب المادة 75 من الدستور. وبالتالي، وفضلاً عن هذا العائق الدستوري، وإن أمكن للنواب تخطّيه بالاستناد إلى العقد الاستثنائي الذي فتحه رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولايته في 24 أيار الماضي، ثمّة عائق سياسي يتعلّق بامتناع عدد كبير من النواب المنتمين إلى فريق 14 آذار عن التشريع إلا في الأمور الضرورية الملحّة كقانون الانتخاب. فهل يعتبرون ترميم قانون الايجارات في أحكامه المبطلة شأناً ملحّاً وضرورياً؟.
ورداً على سؤال عما إذا كان التعديل النيابي المنتظر للقانون سيمثّل الساعة صفر لتطبيقه من دون مزيد من المفاجآت كالتي حصلت، من إعادة نشر القانون بناءً على قرار المجلس الدستوري الأول وصولاً اليوم إلى إبطال بعض أحكامه بموجب القرار الثاني للمجلس، أجاب مرقص: «ما يسمّى مفاجآت أمر صحيح، ولكن لم تكن سلبية في المطلق لأنها أحدثت تأخيراً شكّل عامل امتصاص للصدمة التي أتى بها القانون والتي نقرّ بأنه كان لا بد منها لوضع حدّ لسياسة تحميل المالكين أعباء حق السكن المشروع للمستأجرين، فساهم هذا التأخير في تجنّب «عسر الهضم» الاجتماعي. أما اليوم فأصبح المواطنون على استعداد لتلقّف القانون أكثر من أي وقت. لكن ذلك لا يمنع من إعادة الطعن مجدداً- بتشجيع من المستأجرين القدامى – في التعديلات التي قد يُدخلها مجلس النواب في الأشهر الخمسة المقبلة سعياً إلى محاولة أخيرة لتأخير تطبيق القانون التي أراها في غير موقعها، إذ أنه سيطبّق عاجلاً أم آجلاً لأن بديله كان الرجوع إلى قانون الموجبات والعقود في المادة 543 منه التي تنصّ على حرية التعاقد وبالتالي التحرير المتفلّت للإيجارات وهو أشد إيلاماً على المستأجرين القدامى».
وليس بعيداً، دعا مرقـص «كبار فقهاء القانون والقضاة السابقين لا سيما ممّن ليسوا مالكين قدامى أو مستأجرين قدامى، إلى إعداد دراسات فقهية تفيد القضاة في أحكامهم عند تطبيق القانون الجديد»، خاتماً بالقول: «ليس من قانون مثالي، وإلا وقعنا في الوهم أو ما يسمّى بـ illusion de completude خصوصاً متى يأتي القانون لتنظيم أوضاع استثنائية دامت ثمانين سنة».