هديل فرفور
«نحن من البلدان النادرة التي تكون فيها التجمعات السياحية موجودة مباشرة على البحر»، يقول رئيس «المركز الوطني للبحوث العلمية» معين حمزة، لافتاً الى «أنها تكون عادة بعيدةً من الشاطئ». لا يقتصر الأمر على تلك المنتجعات السياحية التي يكثر «مشجعوها» كما مستثمروها، ذلك أن عدد المصانع «الثقيلة» المنتشرة على امتداد الشاطئ اللبناني تُظهر «العشوائية» المتعمدة من قبل المعنيين، والتي لم تؤثر فقط في حقوق الناس في الولوج الى الشاطئ بحرية، كما تنص القوانين، أو على معدلات التلوّث البيئي الناجم عن مخلفات المصانع الكبيرة والمنتجعات السياحية.
بل باتت تشكّل حالياً عائقاً أمام احتمال تنفيذ مشروع استخراج المياه العذبة من الشواطئ اللبنانية الذي أوُكل لـ»المركز الوطني» مهمة القيام بالدراسات والمسح العلمي الذي يتطلبه.
عائق المصانع
«لدينا مشكلة في استثمار المياه العذبة على الشاطئ، نتيجة المنتجعات السياحية، إضافة الى المصانع الكبرى، المنتشرة عليه، والتي تلوّث الينابيع الموجودة، بسبب تحويل مخلفات هذه المصانع والمنتجعات وصبها في البحر». يقول معين حمزة، موضحاً ان « لا أحد من البلدان يقبل أن تقام مصانع كبرى على شواطئه»، لافتاً إلى أن امتداد الشاطئ اللبناني هو 200 كلم فقط في حين أن «عدد المصانع الموجودة عليه لا يوصف!». وإذا لم يكن ممكنا «إلغاء» هذه المصانع، على الأقل يجب الحرص على توفر الشروط العلمية والبيئية اللازمة التي تضمن الحفاظ على البحر وعلى الينابيع الموجودة فيه.
الينابيع البحرية، موجودة على كل المناطق الشاطئية في العالم، بحسب ما يقول حمزة. تزداد أعداد هذه الينابيع «عندما يكون الشاطئ ملاصقاً لمنطقة جبلية تتراكم عليها الثلوج وتستقبل كميات مرتفعة من الأمطار»، ذلك أنها (الينابيع) عبارة عن تسرب مياه من الطبقات الصخرية الممتدة من الجبال مروراً بالشاطئ ووصولًا الى قعر البحر. وبما أن هذا التكوين الجيولوجي (ملاصقة الشاطئ لمناطق جبلية) ينطبق على لبنان، إذ تبيّن وفق دراسة خريطة قعر البحر، أجراها «المركز الوطني»، أن قعر البحر هو امتداد طبيعي لسلسلة جبل لبنان، وبالتالي إن التكوين الجيولوجي الصخري الموجود في أعالي جبل لبنان هو نفسه الموجود على الشاطئ وفي قعر البحر. من هنا فإن المرجح أن يكون عدد الينابيع البحرية مرتفع في لبنان.
ينابيع البحر ليست بديلاً
هل استثمار الينابيع البحرية هو الحل البديل لشح المياه؟ يجزم حمزة أنه حل جزئي ولا يمكن أن يكون بديلاً. لأن ما يمكن استخراجه من البحر يمكن استخراجه من الأرض، «إذا عثور على آبار المياه العذبة الموجودة في البحر من الممكن ملاحقة مصدر التسرب وضخه من البر، علماً ان ضخ المياه العذبة من البرّ أسهل من ضخها من البحر»، يقول حمزة.
يتطلب ضخ المياه من البحر تقنيات معقدة وإشكاليات متعددة، جزء كبير منها يتعلّق بالتغيرات التي تتعرّض لها هذه المياه نفسها نتيجة قربها الشديد من البحر، «يمكن أن تكون كمية المياه في وقت معين 30 متراً مكعباً بالثانية ، فتصبح كميتها في الأسبوع التالي 3 أمتار مكعبة بالثانية»، ما يؤدي إلى صعوبة في الاستثمار، يشرح حمزة، وهذه الصعوبة تزداد عند التفكير بوضع محطات ضخ ونقل هذه المياه الى الشاطئ، اذ يمكن أن تكون المسافة تتراوح ما بين 800 متر و4 كلم، فضلاً عن ان تخزين المياه يتطلب إنشاء محطات وتجهيزات مختلفة.
إذا، نوعية المياه العذبة في البحر ونسب تدفقها تخضع لمتغيرات دائمة على مدار السنة. لذلك يحتاج اللجوء الى خيار استخراج هذه المياه الى دراسات، او على الأقل، الى متابعة دورة طبيعية كاملة (قياس تدفق المياه ونوعيتها) كي تتم معرفة الفترة المناسبة للقيام بعملية الاستخراج. وهو ما سيقوم به «المركز الوطني»، بحسب حمزة، اذ ان المجلس يمتلك مركباً علمياً مجهزاً بالتجهيزات الحديثة الذي تخوّله القيام بعملية مسح لقعر البحر وأخذ عينات من دون أن يتم مزجها بمياه البحر وتحليلها مباشرة.
المناطق الواعدة
يؤكد حمزة أن المجلس ليست مهمته استخراج المياه ، بل يقوم بإعداد الدراسات كـ»مشروع علمي» من دون مقابل ، بخلاف ما تردد عن تقاضي المركز مبالغ لقاء القيام بهذه الدراسات. ووفق تصورات المركز، إن الأماكن «الواعدة» بامكان استخراج المياه العذبة من البحر، هي منطقتي صور وشكا. وبالتالي، فإن مهمة المركز تتمثل بتحديد قوة تدفقها على مدار سنة ونوعيتها. لتقدم هذه النتائج الى وزارة الطاقة والمياه، التي من شأنها أن تبحث في آليات استخراجها وتحديد الجدوى الاقتصادية منها. كذلك هناك العديد من المناطق التي تشير الدلائل والمعلومات الى وجود مياه عذبة فيها مثل: المعاملتين وخلدة وعين المريسة وصور والبياضة، فضلاً عن البترون وشكا وراس الشقعة وأبو حوقا والبحصاص… وجميع هذه المناطق تعاني من التعدّيات الكبيرة على الاملاك العامّة البحرية. فإذا جرى المضي بهذا المشروع بشكل جدي وجرى تأمين التقنيات اللازمة لاستخراج المياه العذبة من البحر، فإن ذلك يتطلب، حتماً، مواجهة مع المعتدين على الشواطئ اللبنانية. وبالتالي سيكون خيار استغلال الينابيع البحرية لمواجهة شح المياه شرطه تحرير البحر من المعتدين عليه.