IMLebanon

خسارة الغرب عقداً كاملاً من النمو الاقتصادي

FinancialTimes

تيم هارتفورد

الناس من غير المولودين في بداية الأزمة المالية العالمية، باتوا الآن في عمر يسمح لهم بالقراءة عنها. لقد كنّا قادرين على إلهاء أنفسنا ببطولتين من ألعاب الأولمبياد، وبطولتين من كأس العالم لكرة القدم، وفترتين من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. مع ذلك، مهما كانت مشاكلنا الاقتصادية تبدو قديمة، إلا أنها تمكنت من أن تظل عالقة حتى الآن.
نظراً لخطورة الأزمة وعدم ملاءمة استجابة السياسة، لا ينبغي ألا يكون من المستغرب أن الانتعاش كان بطيئاً وضعيفاً: هذا ما يُشير إليه التاريخ الاقتصادي دائماً. إلا أن بعض مختصي الاقتصاد أصبحوا يائسين. الحديث عن “الركود طويل الأمد” – عبارة يمكن أن تعني أمرين، أحلاهما مر.
أحد المخاوف تم بثّها جيداً: أن احتمالات النمو في المستقبل ستكون محدودة بسبب السكان كبار السن، أو حتى ربما بسبب الركود التكنولوجي.
المعنى الثاني للركود طويل الأمد غريب تماماً: بغض النظر عن احتمال النمو للأسواق الحديثة، إلا أنها قد تعاني نزعة مستمرة للانخفاض إلى ما دون القدرة الكامنة، وهو ما يؤدي إلى الانخفاض في اتجاه فترات ركود عنيدة. إن خسارة الغرب عقدا من النمو الاقتصادي، ربما تكون مثالاً على طبيعة الأمور في المستقبل.
لقد تم عرض هذا الرأي بقوة كبيرة من قِبل لورنس سَمَرْز، الذي كان وزيراً للخزانة في عهد بيل كلينتون وأحد كبار المستشارين للرئيس باراك أوباما. لقد تمت مناقشة الأمر مطولاً في مجموعة من المقالات التي نشرها مركز أبحاث السياسة الاقتصادية الأسبوع الماضي، لكن ماذا يمكن أن يعني ذلك؟
عادةً، عندما ينزلق أي اقتصاد نحو الركود، فإن الاستجابة النموذجية هي تخفيض أسعار الفائدة. هذا يشجعنا على الإنفاق، وليس الادخار، وهو ما يمنح الاقتصاد دفعة فورية.
قد تصبح الأمور أكثر صعوبة إذا كانت أسعار الفائدة الاسمية منخفضة بالفعل. سيكون على البنوك المركزية تنفيذ تكتيكات متطرفة ذات الفعالية غير المؤكدة، مثل برنامج التسهيل الكمي. الحكومات يمكنها وينبغي أن تقترض وتنفق لدعم الاقتصاد. من الناحية العملية تبين أنها عالقة سياسياً (في الولايات المتحدة)، أو عاجزة مؤسسياً (في الاتحاد الأوروبي) أو ضيقة الأفق فكرياً (في المملكة المتحدة). ليس هناك الكثير من الأسباب للاعتقاد أن سياسات التحفيز المالي ستكون مختلفة جداً في المستقبل، لذلك فإن حدود معدل الفائدة التي تساوي صفراً، هو بمثابة مشكلة.
الاحتمال الفظيع للركود طويل الأمد هو أن هذا هو الوضع الطبيعي الجديد. ستكون أسعار الفائدة منخفضة جداً بطبيعة الحال، وستجد البنوك المركزية نفسها، بشكل روتيني، مشارفة على العجز عن التصرف.
قبل أن نبدأ بالحذر في الخفية، دعونا نسأل لماذا سَمَرْز قد يكون على حق. لقد كانت أسعار الفائدة الحقيقية – الأسعار التي يتم دفعها بعد التعديل حسب التضخم – في وضع انخفاض.
في الولايات المتحدة، بلغ متوسط أسعار الفائدة الحقيقية نحو 5 في المائة في الثمانينيات، و2 في المائة في التسعينيات و1 في المائة في العقد الأول من الألفية.
(لقد كانت سلبية منذ فشل مجموعة ليمان، لكن الاتجاه طويل الأمد يتحدث ببلاغة أكثر). كانت أسعار الفائدة الحقيقية أيضاً تتراجع في الاتحاد الأوروبي منذ 20 عاماً. أما تقديرات صندوق النقد الدولي لأسعار الفائدة الحقيقية العالمية، فظلت تتراجع منذ 30 عاماً.
هذا لا يبدو جيداً، إذن لماذا يحدث ذلك؟ يتم تحديد مستوى خلفية أسعار الفائدة الحقيقية ليس من قِبل البنوك المركزية، بل من خلال العرض والطلب. أسعار الفائدة الحقيقية تُشير إلى أن كثيراً من الناس يحاولون الادخار، خاصة في الأصول الآمنة، في حين إن القليل من الأشخاص يحاولون الاقتراض والاستثمار.
مع أسعار فائدة بمستوى منخفض للغاية، بإمكانك العثور على عدد كافِ من المقترضين الذين سيلتهمون من كافة المدخرات.
إذا كان الركود طويل الأمد بمثابة خطر حقيقي، فنحن بحاجة إلى سياسات لمعالجته. أحد المناهج هو محاولة تغيير قوى العرض والطلب لتعزيز الطلب على النقود من أجل الاستثمار، وفي نفس الوقت إيقاف عرض المدخرات، وتقليص التحيّز نحو الأصول فائقة الأمان.
بيد أن هذا يبدو ليس من السهل تحقيقه. كثير من السياسات كانت تدفع في الاتجاه المعاكس. لنتأمل حملة التقشف والأهداف طويلة الأجل لتقليص أعباء الديون الحكومية؛ التي أدت إلى تقليص عرض الأصول الآمنة وتخفيض أسعار الفائدة الحقيقية.
هناك ميل في المملكة المتحدة لدفع مخاطر التقاعد بعيداً عن الشركات والحكومة، ونحو الأفراد؛ وهذا يُشجع على مزيد من الادخار، في حال حدث أمر ما. كما أن هناك الطريقة التي يصرّ فيها المنظمون على احتفاظ البنوك وصناديق التقاعد بأصول آمنة أكثر؛ مرة أخرى، وهذا ما يزيد من الطلب على الأصول الآمنة، ويعمل على تخفيض أسعار الفائدة الحقيقية. لعكس جميع هذه السياسات، فإن التضحية بعوامل الاقتصاد الجزئي من أجل حدس نظري للاقتصاد الكلي، يبدو كأنه أمر لا يسهل تسويقه.
يوجد بديل بسيط، وإن كان بديلاً يحمل المخاطر. فينبغي أن يتم رفع أهداف البنوك المركزية للتضخم إلى 4 في المائة. هدف التضخم المرتفع المعقول من شأنه توفير تحفيز فوري (من يرغب في ادخار أموال تتآكل بنسبة 4 في المائة سنوياً؟) وإعطاء البنوك المركزية مجالاً أكبر لتخفيض أسعار الفائدة الحقيقية في المستقبل. إذا كانت أسعار الفائدة الحقيقية المتوازنة صفراً، فهذا قد لا يهم عندما تكون البنوك المركزية قادرة على إنتاج أسعار فائدة حقيقية تبلغ سالب 4 في المائة.
إذا كان كل هذا يجعلك تشعر بالاضطراب، فينبغي ذلك. كما يُجادل سَمَرْز، الأمور غير السارة لديها ميل للحدوث، عندما تكون أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة جداً. الفقاعات تتضخم، ومخطط بونزي يزدهر، والمستثمرون يتهورون في بحثهم عن عوائد.
مع ذلك، هناك أمر واحد لا ينبغي أن يُقلق أحدا، وهو احتمال وجود هدف تضخم يبلغ 4 في المائة. ذلك لن يحدث. هذا صحيح بشكل خاص في المكان الذي يحتاج فيه الاقتصاد العالمي كثيراً إلى مزيد من التضخم: في منطقة اليورو.
الذاكرة الشعبية الألمانية للتضخم المفرط في عام 1923 قوية جداً فوق الحد. تلك الكارثة الاقتصادية، التي ساعدت على وضع الأساسات للنازية، وتدمير كثير من القرن العشرين، لا يزال يتردد صداها اليوم.
ما الخيارات السياسية العملية التي تبقى لنا؟ هذا من السهل رؤيته. علينا أن نتمنى أن يكون سَمَرْز مخطئاً، ولكن: ما نيل المطالب بالتمنّي.