أنطوان فرح
قبل فترة، أعلن وزير المال علي حسن خليل رفع مشروع موازنة العام 2014 الى الحكومة. ومن خلال التوقيت المرتبط في الاساس بتأخُّر تشكيل الحكومة، كان من الواضح أن هذا المشروع لن يمر في الوقت المناسب، وبالتالي، كانت أهميته الوحيدة تكمن في وضع تصوّر على الورق للانفاق والايرادات، ورسم ما يشبه خريطة الطريق للسياسة المالية التي سيجري اتباعها.
لكن، ومن خلال قراءة الأرقام الواردة في المشروع، يتضح أن حجم المشكلة المالية ينمو اكثر فأكثر. اذ يُظهر المشروع ارتفاع العجز إلى 7669 مليار ليرة أي ما يعادل 4,88 مليار دولار، مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغ 6150 مليار ليرة أي ما يعادل 4,1 مليار دولار.
ومن الايجابيات التي تُسجّل للوزير خليل انه رفض استخدام اسلوب النعامة من خلال تكبير ارقام الايرادات وخفض ارقام الانفاق، وفق تقديرات يتضح لاحقا انها شبه خيالية، وهو بالتالي، حرص على نشر ارقام واقعية، تسمح بأن تكون نتائج العام 2014 مطابقة للأرقام الواردة في الموازنة. في حين جرت العادة ان يسجل العجز دائما ارتفاعات تفوق تقديرات الموازنات الموضوعة.
لكن الواقعية في التعاطي مع الأرقام والتقديرات، لا تُجمّل وحدها الوضع او تساعد على التحسين. اذ يحتاج الأمر الى ما هو أبعد من اعلان النتائج. هذا الواقع مُقلق، ما دامت تقديرات العجز وصلت الى مستويات مرتفعة وفق المعايير الدولية المتعارف عليها. مع الاشارة هنا الى ان مشروع موازنة 2014 لم يتضمّن بندا لسلسلة الرتب والرواتب.
استنادا الى هذه الحقائق، يمكن التساؤل كيف ستكون الارقام في مشروع موازنة 2015، والذي ينوي وزير المالية تقديمه خلال ايام؟ وهل ينبغي أن يُطمئن كلام خليل في شأن خفض العجز في هذا المشروع عمّا كان عليه في 2014، الاقتصاديين ام العكس؟
هذه التساؤلات تنبع من حقيقة ان خفض العجز، مع الاخذ في الاعتبار ان موازنة 2015 ستتضمّن بنودا هدفها تغطية العجز الاضافي الذي ظهر في بند الرواتب، جراء دفع غلاء المعيشة (حوالي 850 مليار ليرة)، يعني عمليا ان سلة الضرائب التي سيتم اقتراحها لزيادة ايرادات الخزينة ستكون فضفاضة.
ومن حق الاقتصاديين أن يشعروا بالقلق حيال أي سلة ضرائبية جديدة لا تكون مدروسة بما يكفي لحماية الاقتصاد. اذ ان مرحلة الجمود الاقتصادي، والتي تتمثل بجمود النمو في السنتين الاخيرتين، لا تسمح بفرض ضرائب على الاعمال يمكن ان تزيد منسوب التعثّر.
كذلك لا تسمح اوضاع ذوي الدخل المحدود في تحمّل تبعات ضرائب جديدة. هذا، مع الاشارة الى أن مشروع موازنة العام 2015 لا يتضمّن بند «السلسلة». وفي حال تم إقرار السلسلة لاحقا، تصبح الحكومة مُلزمة بالبحث عن مصادر ايرادات جديدة توازي المليار دولار سنويا تقريبا، اذا شاءت الحفاظ على معدلات العجز الواردة في المشروع.
ضمن هذا المشهد، لا يبدو ان حظوظ مشروع موازنة 2015 حتى الان على الأقل، ستكون أفضل من حظوظ المشاريع السابقة، التي ظلت حبرا على ورق. لكن إسقاط مشاريع الموازنات لا يشكل حلاً لأزمات يمكن أن تطل برأسها تباعا.
وقد وصل مستوى التصنيف السيادي للبلد الى سقف خطير، اذا تجاوزه ينزلق الى متاهات ستؤدي حتما الى رفع معدلات الفوائد على الاقتراض من الاسواق الخارجية، الامر الذي يشكل كارثة سريعة على الاقتصاد، على اعتبار ان حجم الدين العام وصل الى 65 مليار دولار، واي زيادة في الفوائد ستجعل المالية العامة في وضع دقيق، أكثر خطورة من كل الأزمات المالية التي اجتازها البلد حتى الان. كذلك ينبغي ان يتم التوافق منذ الان على سياسة مالية طويلة للسنوات الخمس المقبلة، على اعتبار ان استحقاقات ديون لبنان الخارجية (يوروبوند) ليست متوازنة.
وبينما هناك استحقاقات في العام 2015 تبلغ حوالي مليار و250 مليون دولار، تصل استحقاقات العام 2016 الى مليارين و250 مليون دولار، الا ان استحقاقات 2017 تبلغ حوالى 3 مليار و270 مليون دولار. وهذا يعني ان مالية الدولة تحتاج الى خطة مبرمجة للتماهي مع هذه الاستحقاقات.
بالاضافة الى ذلك، لا يعكس العجز الذي يرِد في مشاريع الموازنات العجز الفعلي، اذا ما أخذنا في الاعتبار الحاجات الحقيقية. وعلى سبيل المثال، حرصت وزارة المالية على تخصيص موازنة مرادفة لموازنة العام الماضي في مجال الكهرباء.
لكن ذلك أدّى عمليا الى خفض ساعات التغذية. وبالتالي، لو تقرر الحفاظ على مستويات التغذية نفسها، لكان العجز أكبر. كذلك فان الاستحقاقات التي لم يتم تسديدها تشكل بنداً اضافياً في زيادة العجز.
في كل الاحوال، سيكون مشروع موازنة 2015 فور ظهوره في الايام المقبلة موضع جدل اقتصادي لفترة طويلة، لكن اذا كانت العبرة في الخواتيم، ليس مؤكداً أن الخاتمة لهذا المشروع ستنتهي بتحويله من مجرد مشروع الى موازنة قائمة للاحتفال بالخروج من نفق غياب الموازنات في الذكرى السنوية العاشرة لهذا التغييب.