يسعى بعض دول أميركا اللاتينية الى جذب شركات أجنبية لاستغلال النفط في منطقة تختزن 20 في المئة من الاحتياطات العالمية، لكنها تحرص في الوقت ذاته على عدم فقدان الدولة سيطرتها على هذا القطاع الاستراتيجي.
وفي طليعة هذه الدول المكسيك والبرازيل والأرجنتين التي تعتبر أهدافاً مميزة لما تحويه من احتياطات غير مستغلة وامكانات لتطوير القطاع.
ووافقت المكسيك قبل أيام على اصلاح تاريخي يضع حداً لـ76 سنة من احتكار الشركة العامة «بيميكس» لعمليات التنقيب عن النفط واستثماره. وفي السياق ذاته أطلق ثاني اقتصاد في أميركا اللاتينية استدراجات عروض لـ16 مشروعاً في البنى التحتية الكهربائية وأنابيب الغاز بقيمة اجمالية تقدر بـ4.9 بليون دولار.
وتأمل الحكومة المكسيكية عموماً الحصول على استثمارات قيمتها 50 بليون دولار بهدف حفز الانتاج النفطي الذي لم يكف عن التدهور بسبب غياب التمويل الكافي بحيث تراجع من 3.4 مليون برميل يومياً عام 2004، الى اقل من 2.5 مليون يومياً.
وتكمن الفكرة أيضاً في جذب شركات تملك قدرة تكنولوجية ضرورية لاستغلال النفط في المياه العميقة في خليج المكسيك الذي لم تتمكن «بيميكس» من الوصول اليه. الا انها تبقى في موقع مريح جداً اذ أسند اليها بعد الاصلاح 83 في المئة من الاحتياط المرجح والمؤكد من النفط في البلاد والمقدر بـ20،6 بليون برميل.
لكن يعتقد ان الشركات الأجنبية ستطلب قبل المجيء للاستثمار، معرفة شروط العقود بوضوح قبل كل شيء.
وقال مدير قسم الاقتصاد في معهد مونتيري التكنولوجي ريموندو تينوريو أغيلار في تصريح الى وكالة «فرانس برس» «ان الأهم في هذا الانفتاح (للسوق) هو ان تتمكن (الشركات) من شراء واستخراج النفط بشروط قانونية مؤكدة بعدم نزع الملكية».
وثمة عقبة أخرى من شأنها ان تبعد الشركات وهي الجانب الضريبي. وقال تينوريو اغيلار في هذا الصدد «ان الضرائب المحلية مرتفعة جداً».
وفي البرازيل تعتبر الحقول الهائلة التي تملكها البلاد قبالة سواحلها تحت طبقة من الملح، وسيلة مناسبة لجذب رؤوس أموال أجنبية. ولكن كي تتمكن من العمل، على المجموعات غير البرازيلية ان تتشارك مع الشركة العامة «بتروبراس» التي تستحوذ على 30 في المئة على الأقل من الحصص في كل مشروع وتحتكر الجانب العملاني. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، منحت البلاد امتيازاً لأكبر حقولها النفطية (ليبرا) الى الشركة الفرنسية «توتال» والمجموعة البريطانية – الهولندية «شل» وشركتين صينيتين تابعتين للدولة، محتفظة بـ40 في المئة من اجمالي الحصص لـ «بتروبراس».
وفي ما يتعلق بالمستقبل فكل شيء يرتكز على نتيجة الانتخابات المرتقب اجراؤها في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. فإن لم يُعد انتخاب الرئيسة ديلما روسيف المؤيدة لسيطرة الدولة في شكل كبير على قطاع الطاقة، فسيكون ذلك مؤشراً جيداً بالنسبة الى المجموعات الأجنبية. فإذا تقدمت عليها مارينا سيلفا على رغم التزامها في الدفاع عن البيئة «فذلك قد يكون عامل جذب اكبر للشركات الخاصة» لأنها «قد لا تحمي كثيراً احتكار بتروبراس»، كما يرى الخبير في القطاع ادريانو بيرس. فهو يعتقد ان فوز ايسيو نيفيس الذي يحتل المرتبة الثالثة في استطلاعات الرأي، يشكل «افضل سيناريو للشركات الخاصة لأنه يقترح جدولاً زمنياً للامتيازات ويريد اعادة طرح البند المتعلق بتحديد 30 في المئة لبتروبراس على بساط البحث».
اما في ما يتعلق بالأرجنتين، فإن حقل «فاكا موريرتا» العملاق في باتاغونيا واحتياطاته من المحروقات غير التقليدية، هو الذي يعتبر محط جذب. فالمشروع ما زال في بداياته لكن مجموعات نفطية عملاقة عدة مثل «توتال» والشركات الأميركية «شيفرون» و «داو كيميكال» و «اكسون»، والألمانية «فينتر شيل» وقعت فعلاً اتفاقات مع الشركة العامة «واي بي اف». لكن من الصعب نسيان ما حصل لشركة «ريبسول» الاسبانية التي تم تأميم معظم حصتها في «واي بي اف» عام 2012، ما أدى الى معركة قضائية انتهت بفرض تعويض كبير.
وتحتفظ الارجنتين أيضاً بسيطرة مشددة على هذا الحوض البالغة مساحته 30 الف كيلومتر مربع. فمن اصل 180 بئراً قيد التنمية يعود اكثر من 70 في المئة الى «واي بي اف».
ولفت الاخصائي في شؤون الطاقة لدى مكتب الاستشارات «أبيسيب»، أوراسيو لازارتي، الى «ان فاكا موريرتا مهم جداً من النواحي الاستراتيجية (…) فكل التوقعات حتى الآن تشير الى ان الحقل سيصل الى استغلال تام بعد عام 2020» مع قدرة انتاجية تقدر بـ27 بليون برميل، اي اكثر بعشر مرات من الاحتياطات الحالية لدى الأرجنتين.