كتب آلان سركيس في “الجمهورية”: يَشهد الاستحقاق الرئاسي مراوحةً وجموداً قاتلين، بعدما سلّمت مختلف الكتل السياسيّة بأن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور، بعد فشل المبادرات التي طرحتها القوى المسيحيّة، فيما استفزّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بكركي نتيجة محاولاته الدائمة تجاوزَ المسيحيين في حديثه عن التسويات الرئاسية.
إستعادَت بكركي توصيفَ البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير للوضع السياسي أيام الاحتلال السوري وهيمنة السلاح غير الشرعي، حيث كان يشبّهه بـ»العرَبة التي يجرّها حصانين، وكلّ حصان يجري في اتّجاه معاكس للآخر».
ويأتي هذا التوصيف، تعليقاً على المبادرات والاقتراحات والجولات التي يقوم بها الزعماء المسيحيّون في الدرجة الأولى، والسياسيون من الطوائف كافّة في الدرجة الثانية، لبلوَرة تسوية رئاسيّة تُنهي الشغور القاسي في قصر بعبدا، والذي يتعايش اللبنانيون معه وكأنّه أمرٌ عادي.
لا جديد على خطّ مساعي بكركي، وكلّ الإتصالات مع سفراء الدول والجولات الخارجية، والمباحثات الداخلية لم توصِل إلى لحظة إقليمية مؤاتية تضغط على الداخل اللبناني من أجل انتخاب رئيس، في وقتٍ يتمسّك رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بترشيحه، من دون أن تنجحَ بكركي حتّى الساعة في إقناعه بالتخلّي عنه، على رغم كلّ محاولات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في حضّه على أن يكون الناخب الأكبر بعدما تدنَّت حظوظه الرئاسيّة.
وتؤكّد مصادر بكركي لـ»الجمهورية» أنّ «كلّ ما يُحكى عن مبادرات رئاسيّة بين الموارنة أو بين الأفرقاء اللبنانيين، ليس سوى كلام لم يوصل الى نتيجة بعد، خصوصاً أنّ كلّ زعيم ماروني يطرح أمراً مُعيّناً ومبادرة في اتجاهات مختلفة معاكسة لطرح الزعيم الآخر، لكنّ الثابت الوحيد أنّ الطبخة لم تستوِ بعد».
وتُراقب بكركي أيضاً اشتعالَ الحرب الكلامية بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» على خلفية الطروحات الرئاسيّة، إضافةً إلى الاختلاف على توصيف الخطر التكفيري «الداعشي»، وتقول بحسرة: «بدلاً من أن يوحّد الخطر المسيحيّين ويجعلهم يجلسون بعضهم مع بعض ويتحاورون لوضع رؤيةٍ شاملة تُنقذ المسيحيين وموقع الرئاسة، وخططٍ للمرحلة المقبلة وسط تهجير مسيحيّي العراق وإعادة رسم خريطة المنطقة، ها هم يتقاتلون على «جنس الخطر» مثلما تقاتلَ البيزنطيون على جنس الملائكة، وجيش محمد الفاتحي على أبواب القسطنطينية التي سقطت وخسرَها المسيحيون».
يفتقِد الوضع المسيحي للنظرة المستقبلية، بعد الضياع في عواصف المنطقة، وقد خرج النائب وليد جنبلاط ليقول إنّه يحاول مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي والأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري إيجادَ تسوية رئاسية، مستثنياً دورَ الزعماء الموارنة والبطريركية المارونية، وذلك بدلاً من أن يجمع الخطر الدروز والموارنة بعد مشاهد اقتلاع الأقليات من العراق.
وهذا الكلام قد استفزّ بكركي التي ردّت مصادرها على جنبلاط بالقول: «يجب أن يعلم أنّنا نحن محور الحركة الرئاسيّة، وكلّ شاردة وواردة تمرّ بنا، وكلّ المباحثات الرئاسية تناقَش مع سيّد الصرح وليس مع زعيم المختارة، فمهما حاول جنبلاط أو غيره تجاوزَ بكركي في الملفّ الرئاسي فلن ينجحوا، لأنّ البطريرك الماروني يمسك بهذا الملف جيّداً».
في المقابل، لا تُمانع بكركي مناقشة الملف الرئاسي ووضعَه على طاولة البحث الوطني، لأنّها تعتبر أنّ انتخاب رئيس للجمهورية مسؤولية إسلامية كما هو مسؤولية مسيحيّة، أمّا الاعتراض فهو على محاولة البعض، وخصوصاً جنبلاط، تجاوزَ الدور المسيحي، فيما يؤكّد الحريري وبرّي أنّ هذا الملفّ في يد المسيحيين وهم لا يعارضون أيّ إتفاق مسيحي، لأنّ مَلء الشغور يفيد لبنان، ويُخفّف ولو قليلاً، نارَ الاحتقان السنّي- الشيعي والخوف من تسلّل هذا النزاع إلى لبنان بعد أحداث العراق.
ترتبط ثقة المسيحيين بوجودهم وعدم خوفهم من المستقبل السياسي بانتخاب الرئيس، لكن ما يحصل هو عجزٌ عن حسم اتّجاه اللعبة السياسية المرتبطة بالدوَل الكبرى غير المهتمة حاليّاً بالوضع اللبناني، لأنّ العراق أولويتها، ومن بعدها سوريا ومصر، لذلك تعرف بكركي كما جميع اللبنانيين أنّ جلسة 2 أيلول المقبل تُشبه أخواتها.