كشف القرار الظني في قضية إبراهيم بشير وزوجته وأولاده وشركائه عن الطريقة التي تم فيها اختلاس الأموال العامة من الهيئة العليا للإغاثة وتهريبها إلى خارج لبنان. هذه الطريقة قد تبدو معقّدة للبعض، إلا أنها في الواقع من أبسط عمليات تبييض الأموال، بل من أكثرها علانية. يبدو أن بشير لم يكن على علم بأنه سيكون “كبش فداء” في لعبة اختلاس المال العام، وأنه سيكون الوحيد الذي يرفع الغطاء عنه بين الكثير من المختلسين والفاسدين
أصدر قاضي التحقيق الأول غسان عويدات قراره الظني ضد الامين العام السابق للهيئة العليا للإغاثة إبراهيم بشير وزوجته وولديه ومن تعاونوا معهم. القرار يشير إلى أن إبراهيم بشير أقدم على اختلاس المال العام ويظنّ به لجهة الغشّ، والإخلال بواجباته الوظيفية، وتبييض الأموال. كذلك، تضمن القرار الظنّ بكل من وسام إبراهيم بشير وسامي إبراهيم بشير وحسين حكمت فواز ورجاء مسعود يونس بشير وشركة FAWCO، لإقدامهم على الاشتراك في الاختلاس وتحويل الأموال المختلسة وتهريبها والتصرف بها. أما حسن يوسف جابر ومحمد مسعود يونس وعباس حكمت فواز فقد ظنّ بهم لجهة مساهمتهم في الغشّ… وقد سطّر القرار مذكرة بحث وتحر توصلاً لمعرفة كامل هوية المدعى عليها فيكتوريا بشير غريغوريفنا (زوجة وسام نجل إبراهيم)، ومنعت المحاكمة عن كل من وليد يوسف البعلبكي وزينب محمد صمادي فواز وغسان الياس رزق لعدم كفاية الدليل.
هذه هي خلاصة القرار الظني للقاضي غسان عويدات في قضية إبراهيم بشير. هذه القضية، رغم كونها عملية اختلاس غير معقدة وسهلة الكشف، نسبياً، كان يفترض أن تكشف التحقيقات المزيد من الوقائع والحقائق المتصلة بإنفاق الهيئة العليا للإغاثة في عهد بشير وغيره، لكن التحقيقات لم تتوسع إلى هذه الدرجة، رغم كل ما أدلى به بشير، فاستقرّ الأمر على كشف قصّة اختلاس بشير وشركائه فقط.
تتبع حركة الحسابات
بالاستناد الى القرار الظني، بدأت تتكشف فصول القصّة في 30 آذار 2013 حين ورد إلى النيابة العامة التمييزية قرار من هيئة التحقيق الخاصة، يقضي بتجميد الحسابات المباشرة وغير المباشرة لكلّ من إبراهيم بشير ورجاء مسعود يونس بشير وحسين حكمت فواز وزينب محمد صمادي فواز وشركة FAWCO. وقد استند قرار تجميد الحسابات إلى تقرير من أمين سر الهيئة، الذي تلقى كتاباً من بنك لبنان والمهجر يتحدث عن حركة مشبوهة في الحسابات العائدة إلى المدعى عليهم ويفنّد العمليات التي أجريت على هذه الحسابات.
وبحسب الكتاب، فإن إبراهيم بشير وزوجته رجاء مسعود فتحا حساباً مشتركاً في 8 آذار 2002، فيما فتح حساب باسم زوجته وحدها في 31 أيار 2005. ويشير الكتاب إلى أن العمليات التي أجريت على الحساب الثاني العائد لزوجته وحدها تضمن عمليات دائنة ومدينة بقيمة 10 ملايين دولار، وذلك بين 1 تشرين الأول 2012 لغاية تشرين الأول 2013. وقد تبيّن أنه جرت تغذية الحساب المشترك لكليهما بـ45 شيكاً مجموعها مليونا دولار، ومصدر معظمها من حساب المدعى عليه حسين حكمت فواز، وشيكاً مصرفياً صادر عن بنك عودة بقيمة 470 ألف دولار. وحسين حكمت فواز هو صاحب شركة FAWCO التي تتعاطى تجارة المواد الغذائية والمشروبات، وجرى تكليفه من قبل الهيئة العليا للإغاثة لتنفيذ مشاريع بالنيابة عنها لجهة توفير مواد غذائية ومشروبات للاجئين السوريين في المخيمات. ويملك فواز حسابين مصرفيين؛ الاول باسمه الشخصي والثاني باسم شركته. وقد أوكل فواز الى زوجته زينب محمد صمادي تحريك حسابه الشخصي ابتداءً من أيار 2012، وبيّنت التحقيقات أنه أجريت عمليات على الحسابين لمصلحة زوجة إبراهيم بشير.
بشير طلب من البعلبكي تخفيف نوعية البضاعة لخفض سعر الحصة فرفض
أظهرت التحقيقات أن فواز أودع في حسابه لدى بنك لبنان والمهجر40 شيكاً صادرة من حساب الهيئة العليا للإغاثة لدى مصرف لبنان وحصلت فيه 168 عملية سحب، أبرزها 19 شيكاً بقيمة 2.3 مليون دولار ذهبت إلى حساب إبراهيم بشير المشترك مع زوجته لدى بلوم بنك، و1.6 مليون دولار إلى الحساب المستقل لزوجته لدى بلوم بنك، و76 ألف دولار إلى حساب وسام إبراهيم بشير لدى فرنسبنك، و18 ألف دولار إلى حساب سامي إبراهيم بشير لدى بلوم بنك، فضلاً عن تحويل خارجي بقيمة 347 ألف دولار إلى حساب حسين فواز. وقد أظهر التدقيق في حسابات شركة FAWCO أن 240 ألف دولار حوّلت إلى حساب رجاء يونس، و200 ألف دولار حوّلت إلى الحساب المشترك.
وتبيّن أن الحساب المستقل العائد لزوجة بشير تضمن 33 عملية إيداع وتحويل وسحوبات أبرزها: 161 ألف دولار من حساب حسين فواز، و67 ألف دولار من إصدار بنك الموارد، و200 ألف دولار من حساب FAWCO، و200 ألف دولار من حساب غسان الياس رزق لدى بنك بيبلوس، و3.2 ملايين دولار من تحويل داخلي من الحساب المشترك، و150 ألف دولار شيكات مسحوبة لأمر وسام بشير، و3.5 ملايين دولار هي عبارة عن تحاويل خارجية إلى حساب رجاء يونس لدى فرنسبنك ــ روسيا، و18 ألف دولار عبارة عن تحويل خارجي إلى فادي بشير لدى فرنسبنك ــ بيلاروسيا.
كذلك، تبيّن أن هناك 123 عملية أجريت على الحساب المشترك أبرزها: 2.3 مليون دولار مودعة من حساب حسين فواز، و800 ألف دولار من حساب شركة FAWCO. أما بالنسبة إلى حساب سامي بشير المشترك مع أمه رجاء يونس، فقد تغذّى بتحويل مبلغ مليون دولار من الحساب المستقل لأمه رجاء يونس، و25 ألف دولار من الحساب المشترك لأمه وأخيه فادي إبراهيم بشير. وفي ما خصّ حسابات حسين فواز، فقد تبيّن أن شيكات الهيئة العليا للإغاثة هي مصدر إيداعاتها الأساسية بين 14 نيسان 2012 و30 أيلول 2013، وقد حصلت الشركة على 495 ألف دولار. وتظهر حركة هذا الحساب أن قسماً كبيراً من المبالغ المذكورة أودعت في الحساب المستقل لرجاء يونس، والحساب المشترك بين إبراهيم بشير وزوجته رجاء يونس، وحساب ابنه سامي لدى بلوم بنك وابنه وسام لدى فرنسبنك. خريطة الحسابات والعمليات المجراة عليها ليست نهائية بعد، فقد تبيّن من معطيات قدمها عدد من المصارف إلى الهيئة الخاصة أن وليد يوسف بعلبكي كان يحصل على مبالغ من الهيئة العليا للإغاثة ثم حوّل مبالغ إلى حسابات إبراهيم بشير ورجاء يونس بقيمة 221.5 مليون ليرة.
وفي موازاة ذلك، كان صهر إبراهيم بشير، أي يوسف جابر، قد تلقى إيداعات في حساباته لدى بنك الموارد بقيمة 1.86 مليار ليرة، ثم سحب منها مبلغ 1.41 مليار ليرة لأمر زوجة إبراهيم بشير. وهذه الأخيرة حصلت أيضاً على 150.8 مليون ليرة من نهيد حنا خواجة. أما بالنسبة إلى حسابات غسان الياس رزق، فقد تبيّن أن عمليات إيداع تمت لأمر خضر علي بكور، ومحمود علي بكور، وعلي محمد علي لاغا، وعمليات سحب لأمر وسام بشير أودع في حساب رجاء يونس بقيمة 200 ألف دولار.
ادّعاءات المتهمين
لا شكّ في أن حركة الأموال، من سحب وإيداع وتحويلات من حسابات بشير وزوجته وأولاده وشركائه، تنطوي على أمر غير طبيعي، لكن ما هي مبرّرات المتهمين؟ يؤكد إبراهيم بشير أن زوجته وأولاده يلاحقون حساباته لدى المصارف بسبب انشغاله، وأنه لم يكن على علم بوجود حسابات مشتركة بين زوجته وابنه سامي لدى بنك عودة، ويشير إلى وجود علاقة بين حسين فواز وابنه وسام، وأنه لا يتعاطى بالأمور المالية العائدة لزوجته. وأكثر من ذلك، يقول بشير إن مصادر أموال زوجته ليست من العمل مع حسين فواز الذي أوقفت عائلته في نيجيريا بتهم تبييض الأموال وتجارة الأسلحة، بل لأنها تعمل مع ابنها منذ عام 2008 “ولا يعلم كيف تمكنت من تحويل مبالغ كبيرة من المال بعد توليه منصب أمانة الهيئة”.
أما زوجة بشير، رجاء يونس، فقد صرّحت بأنها شريكة مع ابنها وسام في صيدلية بشير، وأن حسين فواز هو شريك ابنها ويعملان على تأسيس مشروع مستقبلي في بيلاروسيا، وأن المال الذي أخذته منه هو دين له في ذمتها وحرّرت له في المقابل سند أمانة بقيمة 2.7 مليون دولار، وأنها لا تتدخل نهائياً في عمل زوجها.
وفيما أوضح غسان الياس رزق أنه منتدب من منظمة الغذاء العالمي إلى الهيئة العليا للإغاثة، وأنه موكل من خضر بكور ومحمود بكور وعلي لاغا ليساعدهم على تحصيل قيمة المساعدات التي استحقت لهم من الهيئة لترميم منازلهم في قرية ايزال، وأنهم طلبوا منه تسيلم المال إلى وسام بشير ففعل.
وقال محمد مسعود يونس (أخ زوجة إبراهيم) إنه ربح 10 آلاف دولار من خلال تأمين حصص غذائية للاجئين بالشراكة مع أخته رجاء يونس (30% منه و70% من أخته).. وأنه سلّم هذه المبالغ إلى وليد البعلبكي… لكن هذا الأخير أوضح أنه يتعامل مع الهيئة العليا للإغاثة بما قيمته 400 مليون ليرة، وأبرز نسخاً عن الفواتير الرسمية، مشيراً إلى أنه توقف عن العمل مع الهيئة عندما طلب منه محمد يونس، بإيعاز من إبراهيم بشير، أن يخفف نوعية البضاعة تمهيداً لخفض سعر الحصة فرفض. وادّعى أن ربحه من مبلغ الـ400 مليون ليرة بلغ 35 مليون ليرة. وقد تبيّن أن حساباته من الهيئة بلغت 488 مليون ليرة وقد سحب منها مبلغ 45 مليون ليرة لأمر إبراهيم بشير وشيكاً بقيمة 69 مليون ليرة ذهب إلى الحساب المشترك بين بشير وزوجته، وشيكاً بقيمة 107 ملايين ليرة إلى محمد يونس.
وقد أظهرت المراسلات مع بيلاروسيا أن وسام بشير سحب من حساب رجاء يونس 370 ألف دولار، وأودع في حساب فيكتوريا بشير غريفوريفنا 950 ألف دولار.. وقد أفاد وسام أمام السلطات البيلاروسية أن الأموال المحولة من حساب أمه هي أمواله وأموال ولديه، وحصلوا عليها من بيع جزء من أعمالهم وشقة في زغرتا وفيلا مع قطعة أرض، وهي أملاك جرى شرائها منذ مدة طويلة قبل أن يتسلم والده منصب مدير الهيئة. وقد أفادت فيكتوريا بأن زوجها وسام كان يبيع مواد صيدلانية في لبنان، وأنه باع أعماله وحوّل الأموال إلى رقم حساب العائلة، وعند وصوله إلى مينسك سجّل شركة بشير انفست وحوّل الأموال إلى حساب الشركة.
استنتاجات القاضي
من كل ما تقدّم، تبيّن لقاضي التحقيق الأولي غسان عويدات أن إبراهيم بشير أقدم على اختلاس ما أوكل إليه أمر إدارته من نقود للدولة، محوّلاً إياها إلى حساب زوجته وعائلته وأقاربه، ومحرّفاً في واقع صرفها، رامياً إلى منع اكتشاف الاختلاس، فيكون بذلك قد اقترف الجرم المنصوص عليه في المادة 360/359 عقوبات. كذلك، تبيّن أنه بإقدامه على الغش ومخالفة الأحكام التي تسري على إدارة أموال الإدارة لجرّ مغنم ذاتي وإقدامه على الإهمال في القيام بوظيفته، يكون قد اقترف الجرم المنصوص عليه في المادة 373 عقوبات. وبشير أقدم أيضاً على تحويل الأموال المختلسة بما يتيح اتهامه باقتراف الجرم المنصوص عليه في المادة 3/2 من القانون 2001/318.
أما بالنسبة إلى وسام بشير وحسين فواز ورجاء مسعود وشركة FAWCO، فقد ظهروا بمظهر المورّد للهيئة العليا للإغاثة بما يجعلهم مساهمين مباشرة في اقتراف جرائم الاختلاس، واشتركوا فيها، وقد أقدموا أيضاً على تحويل وتهريب الأموال المختلسة وهم على علم بالأمر.
أما حسن جابر ومحمد يونس وعباس حكمت فواز، فقد أقدموا على الغشّ ومخالفة الأحكام التي تسري على إدارة أموال الإدارة والإضرار بالمصلحة العامة. وقد تبيّن للقاضي أنه لم يثبت أن وليد البعلبكي وزينب صمادي وغسان الياس رزق قد أقدموا على المساهمة في هذه الجرائم، ويقتضي منع المحاكمة عنهم.