في ظل التحول السريع باتجاه مكننة وأتمتة معظم العمليات والإجراءات في القطاع المصرفي والاعتماد المتزايد في هذا القطاع على تقنية المعلومات بالإضافة إلى التطور الثوري الذي شهدته الخدمات المصرفية الإلكترونية والصرفات الآلية، هل سنشهد على اختفاء الموظفين من فروع المصارف في السنوات القادمة؟ حبيب أبي نادر، المدير العام لشركة ديبولد (Diebold) في منطقة الشرق الأوسط، يجيب عن هذا السؤال.
إحدى أكثر المجالات التي تبنت التحول الإلكتروني والخدمات الذكية هي المصارف ويبدو أن الشرق الأوسط يتوق إلى هذا التحول. فقد أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة الأبحاث والدراسات العالمية جارتنر أن البنوك والمؤسسات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستنفق قرابة 13.2 مليار دولار على منتجات وخدمات تقنية المعلومات في 2014، أي بزيادة قدرها 2.7% مقارنة بالعام 2013 الذي بلغ فيه الإنفاق 12.8 مليار دولار. وستشهد البرامج وخدمات تقنية المعلومات النسبة الأكبر من النمو بنسبة 9.2% و8.4% على التوالي في العام 2014. ومع زيادة الإنفاق على خدمات تقنية المعلومات للخدمات المصرفية، شهدت منافذ الخدمة الذاتية (Self Service Terminals) كالصراف الآلي (ِAutomated Teller Machine or ATM) والكشك التفاعلي (Interactive Kiosk) تطورات تكنولوجية هائلة والتي حولت التجربة المصرفية إلى ما يشبه رحلةً زمنية إلى المستقبل.
التقينا بالسيد حبيب أبي نادر الذي يملك خبرة أكثر من 35 عاماً في مجال أنظمة الأمن والحماية في التقنية الحديثة، حيث بدء مسيرته المهنية مع شركة بول الفرنسية (Groupe Bull) المتخصصة في نظم تخزين المعلومات وحفظ البيانات وبرمجيات الرقابة والإدارة وعمل فيها لمدة 17 عاماً ومن ثم انتقل إلى شركة ديبولد عام 2005، ويشغل اليوم منصب المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط للشركة. شركة ديبولد لها باع طويل في مجال أمن الشركات والخزنات وأنظمة الأمن والحماية في التقنية الحديثة كما كانت من أول الشركات التي طورت الصرفات الآلية في العالم.
ديبولد: شركة عجوز شابة
تأسست شركة ديبولد عام 1859 وكانت تختص بتصنيع وإنتاج الخزنات في ولاية سينسيناتي، أوهايو. نالت الشركة شهرةً واسعة عام 1871 بعد اندلاع حريق شيكاغو العظيم والذي يعتبر أكبر كارثة في الولايات المتحدة في القرن 19 حيث أسفر عن قتل المئات وتدمير ما يقارب 3.3 ميل مربع، حيث أن كل الممتلكات والأوراق التي كانت محفوظة داخل خزنات الشركة نجت من الحريق. بدأ نمو الشركة بشكل سريع وطورت خدماتها مع الوقت لتشمل خدمات الصراف الآلي وتقدر أرباح الشركة اليوم بأكثر من 3 مليار دولار أميركي. تتواجد الشركة في جميع أنحاء العالم من أميركا الجنوبية والشمالية والهند والشرق الأوسط وأفريقيا.
ويقول أبي نادر: “ديبولد هي شركة عجوز ولكنها تتمتع بصحة فتاة في مقتبل عمرها. فهي تبلغ من العمر الآن 160 عاماً لكنها لم تخرج من السباق حيث استمرت بمواكبة السوق وتطوير خدماتها لتتماشى مع متطلبات العصر.”
تقوم الشركة في منطقة الشرق الأوسط ودول التعاون الخليجي بخدمة القطاع المصرفي من خلال تأمين منافذ الخدمة الذاتية (Self Service Terminals). ويشرح أبي نادر أن الشركة تشهد نمواً مستمراً بنسبة 10% سنوياً في المنطقة والمدفوع بشكل أساسي من السوق السعودي حيث تسيطر ديبولد على أكثر من 65% من سوق الصرافات الآلية في المملكة. أبرز المصارف السعودية التي تتعامل مع ديبولد بشكل حصري هما بنك الأهلي وبنك السعودي البريطاني واللذان يستخدمان أكثر من 6000 صراف آلي من الشركة. وعلى لائحة عملاء ديبولد أيضاً مصرف الراجحي وبنك الرياض وبنك سامبا والبنك العربي الوطني. ويعلق: “يشكل سوق السعودية الذي يشهد نمواً هائلاً في هذه الفترة أهم أسواقنا في المنطقة. على سبيل المقارنة، يقدر عدد الصرافات الآلية المشغلة والتابعة لجميع المصارف في لبنان بحوالي 1400 وحوالي 1300 في الأردن. أما في السعودية، فتقوم ديبولد وحدها بتوريد أكثر من 1500 صراف آلي كل عام. ونستطيع القول إننا نحتل المرتبة الثانية في المنطقة بفضل سوق السعودية. ونحن نسعى لتحقيق نفس النمو والنجاح في باقي الدول العربية.”
إحدى أهم الخدمات التي تقدمها الصرافات الآلية التابعة للشركة وأبرز نقاط قوتها هي خدمة إيداع النقود فقد قامت الشركة بتطوير هذه الخدمة لجعلها أكثر فعالية وكفاءة وسرعةً كما قلصت من عدد الأعطال التي تتعرض لها مما يجعلها آلةً يعتمد عليها. وقد قامت ديبولد بإطلاق صرافات “فلكس FLEX” التي يستخدمها مصرف الراجحي السعودي والتي تقدم أحدث التقنيات في مجال الإيداع النقدي المباشر من عملاء المصرف بدون ظرف بعد أن تتحقق من الأوراق المودعة وتفحصها بشكل كامل ويتم بعد ذلك قبولها وإيداعها في حساب العميل مباشرة، ويتميّز الصراف الجديد فلكس بأداء أفضل بثلاث إلى أربع مرات من أجهزة الإيداع الأخرى.
صراف آلي من المستقبل
يعمل فرع الشركة في بروكسيل، بلجيكا، على تطوير صرافات آلية مخصصة وفقاً لطلب المصارف. أبرز هذه الطلبات جاءت من سوق السعودية حيث قامت ديبولد بتصميم الكشك متعدد الخدمات (Multi-Purpose Kiosk المزود بقدرات الاتصال مع مركز الاتصالات لخدمة العملاء عبر الفيديو حيث يقوم مندوب خدمة العملاء بمساعدة وتوجيه العميل. هذه الإمكانات التفاعلية المرئية بالصوت والصورة مع موظفي المصرف أثناء قيام العملاء بأداء العمليات البنكية المختلفة على هذه الأجهزة تقدم قنوات جديدة لخدمة العملاء كما توفر وقتاً كبيراً مقارنة مع القنوات الأخرى الاعتيادية. كما يوجد في الكشك ماسح ضوئي (Scanner) ليقوم بنسخ البطاقة الشخصية مما يسمح للموظف في المصرف من التأكد من هوية الشخص الموجود داخل الكشك. وبالإضافة إلى ذلك، تسمح أجهزة الخدمة الذاتية المتطورة والتي تقدم للمرة الأولى في السوق المحلي بالقيام عمليات مصرفية منوعة مثل إصدار دفتر الشيكات وتجديد بطاقات الصراف الآلي والقدرة على التعاملات البنكية عبر الإنترنت وطباعة كشوفات الحسابات للعملاء وفتح حسابات جديدة خلال أقل من 5 دقائق.
ويقول أبي نادر: “تخيل عالماً لن تحتاج فيه للذهاب إلى المصرف لإيداع النقود أو الانتظار أسبوعا كاملاً لتجديد بطاقة الائتمان أو للحصول على دفتر شيكات جديد. تخيل أن الصراف الآلي قام بابتلاع بطاقتك وأنت في عز الحاجة إليها ولكنك لم تضطر للانتظار لأن أحد موظفي المصرف هبّ لمساعدتك. هذا العالم لم يعد من نسج الخيال، بل أصبح اليوم في متناول الجميع.”
التحصين ضد السرقة
غالباً ما يرافق تطور تقنية المعلومات والخدمات الإلكترونية موجات تكنولوجية مضادة تسعى إلى شنّ عمليات الاحتيال والقرصنة الإلكترونية حيث يقوم مبرمجي الكمبيوتر الهواة أو المخترقين (Hackers) بابتداع طرق للاستيلاء على بعض المواقع الإلكترونية أو حسابات البريد الإلكتروني أو الحسابات البنكية بهدف الحصول على الشهرة أو للحصول على المال. والقطاع المصرفي ليس بمنأى عن تلك العمليات، حيث شهد العالم في الفترة الأخيرة عدداً كبيراً من عمليات السطو والسرقة الإلكترونية وتعددت الطرق أبرزها أدوات سرقة البيانات التي يتم تصميمها وتصنيعها بحسب أنواع الصرف الآلي المختلفة حيث يقوم السارق بتنصيب تلك الأداة على الفتحة المخصصة لدخول البطاقات في الصراف خلسة، فتقوم تلك الأداة بنسخ وحفظ بيانات بطاقات العملاء التي يتم إدخالها بعد ذلك وزرع كاميرا مصغرة في الصراف الآلي تلتقط الرمز السري (Pin Code) للمستخدم مما يخول المخترق استخدام الحساب المسروق.
هذا الأمر هدد أهم الشركات المصنعة والمطورة للصرافات الآلية وجعلها عرضة للهجوم من قبل هذه المجموعات. وبالتالي، فإن أولوية الشركات تطوير آلات مضادة للاحتيال أو السرقة. وهذا ما تقوم به ديبولد. قامت الشركة بتطوير أجهزة تتّميز بآلية استشعار ضد أداة سرقة البيانات تمنع من دخول البطاقة المزيفة أصلاً في الفتحة المخصصة لدخول البطاقة والتي ترسل إنذاراً بشكل تلقائي إلى المصرف في حال تم زرع أي جسم غريب إلى فتحة الصراف.
ويقول أبي نادر: ” بدأت عملها ديبولد في مجال الأمن والحماية منذ أكثر من 160 عاماً ولم تختلف أولوياتنا حتى اليوم. تقوم الشركة بتطوير خدمات جديدة ومراجعتها لدراسة كل الاحتمالات التي قد يقدم عليها المخترقين الهواة كل ستة أشهر وذلك لحماية المصارف والمستهلكين. نحن في سباقٍ دائم مع المخترقين ونعمل باستمرار على محاربة كل هذه التهديدات.”
الاحتلال الإلكتروني
خلال العقدين الماضيين، كثرت الأفلام الهوليوودية التي تصور عالماً تتحكم به الروبوتات (Robots) أو الرجال الآلية كفيلم ماتريكس (The Matrix) وتيرميناتور (Terminator) وآي روبوت (iRobot) وترانسفورمرز (Transformers) وغيرها الكثير. غالباً ما تعكس الأفلام حقائق أو مخاوف يشهدها العصر الذي نعيش فيه. موجة الأفلام هذه لم تأتي من العدم، ففي ظلّ أتمتة معظم نواحي الحياة اليومية من الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية والبيوت الذكية إلى الصحة والهندسة والصناعة والخدمات المصرفية، أصبحت العمليات الآلية أو الشبة آلية موجودة في كل مكان.
أجرى مركز أبحاث الرأي العام الأمريكي “بيو” مسحاً شمل أكثر من ألفي خبير تكنولوجي حول تأثير تزايد الاعتماد على تقنية الإنسان الآلي في حياتنا، وبخاصة في توظيف العنصر البشري. ويعتقد الخبراء أن الإنسان الآلي وأجهزة الذكاء الصناعي ستسيطر على مجالات مثل الرعاية الصحية والنقل والإمداد والتموين وخدمة العملاء وصيانة المنازل بحلول 2025.
ورسم بعض الخبراء صورة قاتمة حيث قالوا إن الموجة الجديدة من الإنسان الآلي المبتكر ستركز بصورة أكبر على الوظائف الرفيعة وهو ما سيجعل الكثيرين من العمالة عالية المهارة دون عمل فلا تجد بديلا عن الوظائف منخفضة الأجور أو المعاناة من البطالة الدائمة وأن الإنسان الآلي سيحل محل العمال وهو ما سيؤدي إلى اضطراب النظام الاجتماعي في نهاية المطاف. أما الخبراء المتفائلين فوجدوا أن هذه التكنولوجيا ستؤدي إلى تحرير البشر من الأعباء اليومية لكي يبتكروا أنواعا جديدة من العمل كما رأوا أن التأثير سيكون إيجابيا عندما يعمل الإنسان الآلي مع البشر من أجل القيام بكل الوظائف الحالية وإيجاد وظائف جديدة تماما، كما فعل المجتمع عندما قامت الثورة الصناعية.
أبي نادر هو من المتفائلين بهذا التحول حيث يرى أن الصرفات الآلية المتطورة تساهم في تسريع الإجراءات الأساسية والبسيطة واختصار الوقت الضائع وجعل الخدمات أكثر توفراً، فعوضاً عن توجه العميل إلى فرع المصرف الذي يتعامل معه والانتظار لحين حلول دوره للقيام بهذه الإجراءات، فليس عليه سوى الدخول إلى الكشك المصرفي أو الذهاب إلى الصراف الآلي الذي بدوره سيقدم له خدمةً لا تخلو من التفاعل البشري. وعدا عن جعل هذه الخدمات متوفرة على مدار الساعة وخارج ساعات عمل المصارف التقليدية، يساهم التقدم التكنولوجي هذا بمساعدة المصارف على تسخير مواردها البشرية للقيام بأعمال أكثر تعقيداً وتتطلب جهد بشري كتطوير خدمات مصرفية جديدة والعمل على القروض وخدمة العملاء. ويقول:” لا أخشى أن تقوم الصرافات الآلية بأخذ مكان موظفي المصارف، بل على العكس، أرى أن هذه العلاقة الجديدة ستساعد الموظفين على تطوير مهارات وقدرات جديدة عوضاً عن القيام بمهمات لا تتطلب الكثير من الجهد الذهني.”
ويضيف: “تسعى البنوك لإلغاء بعض فروعها لتحلّ مكانها الفروع الإلكترونية أو e-Branch حيث يستطيع العملاء التوجه إلى فرع يتواجد فيه عدد من الصرافات الآلية والأكشاك على مدار الساعة. وهذا الأمر ممكن جداً في دول التعاون الخليجي نظراً لارتفاع مستوى الأمن فيها.”